رستم محمود : تركيا ومأزق الاستقطاب

Share Button

بعدما أحدثت الانتخابات النيابية الأخيرة مفاجأتها المنتظرة، يبدو أن المشروع السياسي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بات رستم محمودخارج التداول السياسي الداخلي. فالانتخابات أوقفت المسيرة التي كان هذا الحزب يراهن عليها منذ 13 عاماً استحواذاً لكامل السلطة السياسية، بعدما حافظ طوال هذه المدة على غالبية برلمانية مريحة، وحقق جميع المشاريع الكبرى التي طرحها، وشكل ثلاث حُكومات متتالية، لم يسقط أي منها إلا مع انتهاء عُمر البرلمان. وهو أمر نادر جداً في تاريخ تركيا منذ تأسيسها. كما نجح لأول مرة في إيصال رئيسين محافظين «إسلاميين» للرئاسة، وغيّر نظام انتخاب رئيس الجمهورية وصلاحياته، والكثير من البنود الدستورية والتشريعات، وكل ذلك في سياق مشروع متكامل منهجيةً ورؤيةً.

لكن هذا الحزب، ومعه كامل تيار يمين الوسط، تمركز، منذ قرابة عامين، حول أربعة مشاريع «كبرى»، أراد تحقيقها عبر الانتخابات الأخيرة.

1- تحويل نفسه بحيث يغدو «حزب الدولة»، لا مجرد حزب يرتبط نفوذه بزعامة أردوغان. فالانتصار في هذه الانتخابات، لو تمّ، فإنه كان ليتحقق، وللمرة الأولى، من دون زعامته وحضوره.

2- رغبته في تحويل نظام الحُكم من نمطه البرلماني إلى نمط رئاسي، ما يجعل أردوغان مجدداً حاكماً فعلياً مطلقاً.

3- الاستمرار في تذليل المسألة الكردية.

4- تحقيق منجزات إقليمياً، عبر تغيير سوري أولاً.

لن يستطيع «العدالة والتنمية» تحقيق أي من هذه المشاريع، وبات همه متمركزاً على تحقيق معجزة ما، وضمان أصوات 17 نائباً على الأقل من خارج كتلته، ليستطيع تشكيل الحكومة الجديدة، في مدة أقصاها 45 يوماً وفق القانون. هكذا يبدو المشهد السياسي كأنه أمام أربعة احتمالات تملك الدرجة نفسها من الصعوبة، وربما الاستحالة، وسيكون لكل منها الدفع بالبلاد والمجتمع إلى درجة كبيرة من الاستقطاب المشوب بكمّ كبير من الانقسام.

الاحتمال الأول تحالفه مع حزب «الحركة القومية» اليميني، ما يوجب عليه التخلي التام عن مشروعه لحل المسألة الكردية. وهذا سيعني مزيداً من الاضطرابات. فاليمين بشقيه، الوسط والمتطرف، يغدو حاكم البلد، والمسألة الكردية ومعها مستقبل العلمنة يغدوان خارج الحسابات. وللأمر هذا مضاعفات خطيرة، لأن الفرز الراهن ذو بُعد جغرافي/ جهوي أيضاً، فجميع الأحزاب لا تحوز أكثر من عشرة نواب في مجموع الولايات الجنوبية الشرقية الـ15، إذ يستحوذ «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي على كامل تمثيلها السياسي تقريباً، وكذلك الأمر نسبياً في سيطرة «حزب الشعب الجمهوري» على السواحل الغربية للبلاد. ما سيعنيه هذا الشأن، هكذا يغدو حُكم «الأناضول القومي» بين الطرفين الكردي الشرقي و «العلماني» الغربي.

تحالف آخر قد يتحقق بصعوبة مع «حزب الشعوب الديموقراطية»، ما يعني قبول «العدالة والتنمية» بشروطه الصعبة، ومعه الانزياح التام عن خط يمين الوسط الذي سار عليه بتوازن منذ أكثر من عقد ونصف العقد. كذلك سيعني ذلك إثارة عداء مفتوح مع الحزبين القوميين التركيين الباقيين، ما يجعل من الصعب على «العدالة والتنمية» تحقيق أي من مشاريعه الداخلية الأخرى، كتغيير الدستور والحصول على التوافق الوطني لحل المسألة الكردية.

لن يحدث هذا الائتلاف الحُكومي من دون تدخل زعيم «حزب العمال الكردستاني» عبدالله أوجلان، لأن خطاب «حزب الشعوب» بُني بالأساس على مواجهة «العدالة والتنمية»، وكذلك كانت التصريحات الأولى لزعيمه صلاح الدين دميرطاش عقب صدور النتائج مباشرة. وإن حصل ذلك، فالقوميون الأتراك سيعمدون إلى التحريض والمواجهة في الشارع مباشرة، وهو المزاج الذي سبق أن رفع نسبة التصويت لـ «الحركة القومية» بمقدار مليوني ناخب عما كانته في الانتخابات السابقة.

وطبعاً هناك ما يشبه الاستحالة بالنسبة لتحالف «العدالة والتنمية» مع «حزب الشعب الجمهوري»، لأن تركيا عبر تاريخها السياسي الشائك شهدت الكثير من الأزمات السياسية الشبيهة بهذه، من دون أن تنتهي أي أزمة منها إلى تحالف بين حزب الأتاتوركية (الشعب الجمهوري) وأي من أحزاب يمين الوسط.

وهذا قد يدفع للاحتمال الثالث وهو تحالف الأحزاب المعارضة الثلاثة. إلا أنه أيضاً أمر مستبعد تماماً بسبب طبيعة العلاقة التنافرية بين «الحركة القومية» والحزب الكردي، ولن يستطيع «الشعب الجمهوري» تخطي تلك العقبة بالمساعي والتوسطات.

الاحتمال الرابع يكمن في فشل «العدالة والتنمية» في إحداث أي اختراق في تشكيل الحكومة، وكذلك فشل أي ائتلاف آخر في ذلك. وعندها ستكون تركيا أمام الدعوة لانتخابات جديدة في أقل من ثلاثة أشهر، ما قد يعني المزيد من القلق اقتصادياً وسياسياً (خسرت الليرة التركية 8 في المئة من قيمتها في اليوم الثاني من الانتخابات). وذلك سيحدث في ظل حروب كبيرة وصغيرة تحيط بتركيا، ولا تستطيع تركيا أن تعزل نفسها عنها.

صحيح أن حزب أردوغان ومشروعه خسرا في هذه الانتخابات، لكن المؤكد أيضاً، أقلّه حتّى اللحظة الراهنة، أن أحداً لم يفز فيها تماماً.

نقلا عن الحياة

 

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 648 من الديمقراطي

صدر العدد الجديد 648 من جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، ...