رستم محمود: العسكر التركي في الواجهة من جديد

Share Button

تبدو سياسات السلطة المدنية التركية وكأنها تجمع بين مناهضة مجمل السياسات الدولية في منطقتنا، على تناقضاتها. فتحالفها المكين مع قوى الإسلام السياسي بمختلف تنوعاتها، يضعها في 134 - R. mehmudمكانة مضادة للتوجهات الأميركية والأوروبية في المنطقة، حيث تبتغي هذه الأخيرة مزيداً من كبح وتنظيم «فوضى الإسلاميين» هؤلاء. كما أن معارضتها للنفوذ الإيراني وشبكة حلفائه الإقليميين، يضع هذه السلطات المدنية التركية في مواجهة السياسات الروسية أيضاً.

بذلك يغدو هذا التموضع التركي الراهن متبايناً تماماً مع ما شغلته تركيا طوال القرن العشرين، حين كانت تركيا وقتها حليفة القوى الغربية، وصمام أمانها لمنع تدفق النزعات الشيوعية نحو مناطق البحار الدافئة في الشرق الأوسط. ولم تكن – في الوقت ذاته – على عداء يذكر مع الاتحاد السوفياتي، لأنها كانت عامل تبريد للنزعات الإسلامية في الجمهوريات السوفياتية الجنوبية (الجمهوريات الإسلامية ذات العرق التركي).
الملاحظ بوضوح، أن السبب الرئيس لـ «انقلاب» الموقع السياسي التركي هذا، ناتج من انحسار دور المؤسسة العسكرية في رسم السياسات الاستراتيجية التركية وتحالفاتها العميقة. هذا الانحسار الذي نتج بالأساس من خسارة تركيا وزنها الاستراتيجي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وتراجع مستوى الدعم الغربي للمؤسسة العسكرية التركية ودورها، الشيء الذي أدى بالتقادم، ومنذ ربع قرن، الى صعود «الإسلام السياسي» التركي وهيمنته على القرار الإستراتيجي في البلاد.
من غير المتوقع إن يكون الدعم الغربي للمؤسسة العسكرية التركية تقليدياً، كالتحريض على الانقلاب على السلطة المدنية الحاكمة مثلاً، كما حصل في مرات شهيرة في تاريخ تركيا الحديث. لكن المتوقع أن حزمة من أشكال الضغط ستمارسها هذه القوى الغربية على السلطة المدنية في القريب العاجل، ستصب كلها في مصلحة صعود دور المؤسسة العسكرية التركية. ذاك أن هذه المؤسسة وحدها تستطيع أن تغيّر «الموقف الاستراتيجي» للحكومة المدنية وتحالفها مع التيارات الإسلامية في الإقليم العربي شرق المتوسط. وهو التحالف الذي وصل إلى درجة تجعل الحكومة المدنية التركية تتمهل في لعب دور مؤثر في مناهضة تنظيم «داعش» وبقية التيارات العنفية الراديكالية، وهو ما يتعارض تماماً مع السياسات الغربية الراهنة في الإقليم.
يضاف إلى ذلك عاملان داخليان ضاغطان، فالحكومة المدنية هذه، تواجه لأول مرة كماً كبيراً من الاحتقان الشعبي الكردي، جراء سياسة حزب «العدالة والتنمية» من المعركة المستعرة في بلدة كوباني الكردية السورية، حيث سقط عشرات المنتفضين الأكراد لأول مرة منذ التسعينات، هذه التظاهرات التي كان يمكن لها أن تستمر لولا نداء زعيم حزب العمال الكردستاني ودعوته إلى التهدئة. وهي لو اندلعت من جديد، لأمكن أن تحرّض القاعدة الاجتماعية والسياسية العلوية على التحرك أيضاً، للتعبير عن الاستياء من سياسة حزب «العدالة والتنمية» في عموم المسألة السورية.
مجموع هذه التحركات على أساس الانقسام الاجتماعي الحاد، كان دوماً فاعلاً أساسياً تقليدياً لكي تحسم المؤسسة العسكرية حضورها، تحت يافطة «إنقاذ البلاد من التقسيم والحرب الأهلية».
هل مستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي والدستوري الذي وصلت اليه تركيا يشكل حاجزاً أمام أية أحلام للمؤسسة العسكرية بالعودة الى الحياة السياسية العامة، بحيث تغدو تركيا في عصر ما بعد الحياة العسكرية تماماً؟. ليس ذلك دقيقاً تماماً، فانقلابا الستينات والثمانينات جاءا عقب نهضتين اقتصاديتين وسياسيتين واسعتين، قادهما كل من عدنان مندريس وسليمان ديميريل على التوالي، ولم تكونا عوامل رادعة للمؤسسة العسكرية عن اتخاذ تدابيرها الخاصة. كما أن انقلاب أواسط التسعينات على نجم الدين أربكان، لم يكن انقلاباً تقليدياً واضح المعالم. لذا فإن الظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد، يمكن أن تكون دافعاً للمؤسسة العسكرية كي تتخذ خطوات استثنائية خارج السياق العام للتطور السياسي والاقتصادي العام، وألاّ تكون تلك الخطوات مجرد انقلاب كلاسيكي محض وواضح الملامح بالضرورة.
نقلا عن الحياة

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 648 من الديمقراطي

صدر العدد الجديد 648 من جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، ...