لقد حُكم على الشعب السوري أن يعيش رمضاناً آخر تحت سقف النظام، وبالتالي فمن لم يكن تحت قصف براميله المتفجرة فلا مفرّ من أن يكون تحت قصف المسلسلات. ما يغيظ في الأمر أن عدداً من المسلسلات التلفزيوينة التي أنتجت أخيراً تحت سمع وبصر النظام، وستعرض على شاشاته، استفادت من مساحة التعبير التي خلقتها الثورة السورية، وإلا فكيف كنّا سنسمع كلمات من قبيل «مولاة»، و»معارضة» لولا أن الثورة فرضت الكثير من الوقائع بحيث بات تمرير هكذا مصطلحات بلا تأثير. لكن من دون أن يعترف أحد بأن الثورة هي من حررّته، وأتاحت له قولاً لم يكن بمقدوره. سيستفيد الفنانون من هدية الثورة تلك من أجل إنكارها وتقزيمها.
من بين الأعمال التي اعتاد السوريون مشاهدتها في شهر رمضان مسلسل «بقعة ضوء» الذي بلغ أخيراً نسخته العاشرة (من إخراج عامر فهد)، وقد ظهر الإعلان الترويجي الخاص به، فشاهدنا باسم ياخور وأيمن رضا وأندريه سكاف وشكران مرتجى وفايز قزق وأمل عرفة وديمة قندلفت ورنا شميس وجمال العلي وسواهم، يمرّون عبر هذا الإعلان بعبارات يمكنها أن تعطي إشارات إلى الطريق التي سيسلكها المسلسل.
معظم هؤلاء هم من أنصار النظام، وبينهم من هو شبيح حقيقي قال في ثورة السوريين ما لم يقله النظام نفسه ربما. من بينهم أيضاً من انتخب، بل وروّج لحملة «الانتخابات الرئاسية» الأخيرة. فهل نتوقع قولاً منصفاً من هؤلاء، وهل نتوقع كوميديا نظيفة تكشف وتنتقد وتصوّب؟!
كيف ذلك فيما فنانون زملاء ما زالوا يقبعون، رغم العفو الأخير، في معتقلات النظام، من بينهم زكي كورديللو ونجله الممثل مهيار كورديللو على سبيل المثال. وأيضاً عدنان الزراعي الممثل والكاتب التلفزيوني الذي سبق له أن قدم عدداً من لوحات «بقعة ضوء» كاتباً وممثلاً. وفي وقت تجد الممثلين السوريين المعارضين لبقاء النظام السوري باتوا خارج البلاد، من أجل كلمة قيلت، أو مشاركة في تظاهرة سلمية.
«بقعة ضوء» هذا العام، ومرة ثانية حسب الإعلان الترويجي وأخبار صحافية، يتناول الوضع الراهن عبر موضوعات عديدة، من كوميديا الحواجز، إلى المنتفعين من الحرب والمستفيدين من التفجيرات، وسواها من موضوعات، غير أن ما يلفت بعض المشاهد الذي قدمها الإعلان والتي تقدم صورة هزلية للمسلحين. الممثل باسم ياخور يظهر في دور قائد كتيبة مسلحين، حيث يجدها أنفع من العمل راعياً للمواشي، وهو نفسه يختم الإعلان بتكرار صيحة الشبيحة الشهيرة «بدكن حرية؟».كان يمكن للمرء أن يكون أكثر تفاؤلاً، خصوصاً بالنسبة لعمل تلفزيوني أرسى دعائمه بعضُ خيرة الكتاب والممثلين، لكن أن تكون موضوعات بهذه الخطورة بأيدي أناس حسموا أمرهم وموقفهم لمصلحة النظام فلن يكون إلا طعنة أخرى في قلوب المتفرجين السوريين الذين لا حول لهم، وهم، حتى وإن ضحكوا، فلن يستطيعوا الضحك إلا من بعض قلوبهم.
ماذا قالت هيفاء لعبد المنعم عمايري؟
شارك الممثل الفلسطيني السوري عبدالمنعم عمايري في برنامج «شكلك مش غريب» على MBC4، وكان الفائز الأول بعد تقليده للفنان الراحل وديع الصافي. عمايري هو مخرج مسرحي حاصل على جوائز مرموقة، كما أنه كاتب مسرحي، بعد أن طبع نصوص العروض في كتب منشورة، وهو أيضاً مكرّم من النظام السوري، مع زوجته الفنانة أمل عرفة من أرفع المستويات. رغم ذلك لم أجد مرة أن تجربته المسرحية تستحق هذا التطبيل، وإن حدث واستحقت فبسبب الممثلات المتفانيات اللواتي عملن معه وكتبن نصوصهن الخاصة على الخشبة قبل إن تصير إليه.
لكن من المهم الآن، أمام برنامج «شكلك مش غريب»، الالتفات إلى كيف ينظر عمايري إلى نفسه. كيف يقبل مخرجٌ مسرحي مكرّم إلى هذا الحدّ أن يشارك في برنامج لعله أقرب إلى الهواة في فقرات تقليد؟ بالنسبة لي لا أجد وضعه على خشبة هذا البرنامج غريباً، لكن السؤال يتعلق بصورته هو كفنان عن نفسه.
بدا عمايري يعيش حقيقته إلى الآخر كفنان تلفزيوني مقلِّد. المدائح المتبادلة والفارغة مع عضو لجنة التحكيم هيفاء وهبي دليل واضح على تلك الحقيقة. قالت هيفاء «أنت تدرّس. عن جد فينا نتعلم من موهبتك لأنها مدرسة». وأضافت «معقول هالقد (إلى هذا الحد) سوريا معطاءة. شو هالسوريا؟».
أما زميل هيفاء في التحكيم فقال «أنا أشكر سوريا التي تنجب فنانين عظماء مثل فريد الأطرش وأسمهان وعبدالمنعم عمايري». ليس لنا أن نلوم هيفاء وزملاءها على نظرتهم السابقة إلى سوريا التي كشفت عن نفسها الآن مع المقلّد عمايري. أما أن يكون الممثل في مصافّ الأطرش وأسمهان فهذه أضحوكة أخرى.
لا ذكر في حلقة فوز عمايري لما يجري في بلده، ليس سوى التجاهل، حتى المبلغ الذي فاز به أهداه إلى «جمعية بسمة لمكافحة السرطان»، تماماً كأي سويسري لا يشغل باله في بلده إلا معدلات الوفاة بمرض السرطان. لا اعتراض طبعاً على أن مرضى الجمعية يستحقون، لكن من الواضح أن الفنان اختار ذلك منعاً للإحراج، لعدم قدرته على تسجيل موقف. مع أن انحيازه لـ «بسمة» هو تسجيل موقف، لعله من المعروف لكثير من السوريين أن هذه الجمعية تعيش في أحضان النظام حتى بدا في السنوات الأخيرة أن لا جمعية خيرية غيرها. إنه «نضال» في المكان السهل. ماذا عن ملايين النازحين وآلاف المعتقلين والمختفين والجرحى والمعاقين؟ ربما لذلك لم يبق سوى عبدالمنعم عمايري موهبة استثنائية تستحق أن تدرّس!
ممثل قليل الحظ
كل ما أردنا معرفته من مقابلة برنامج «سري جداً» مع الممثل السوري المعارض جلال الطويل هو كواليس المقابلة، أو بالأحرى الاعترافات، التي أجبر عليها على الشاشة الرسمية السورية من قبل، وهو ما يمكن قوله بثلاث دقائق، سوى ذلك لم ننتظر الكثير. أما الساعة ونصف الساعة، التي هي مدة المقابلة مع المذيع اللبناني طوني خليفة، فقد كانت فضفاضة جداً على الممثل والمخرج السوري، الذي شارك ونظّم عدداً كبيرا من التظاهرات، على حد قوله.
الممثل جلال الطويل كان دائماً قليل الحظ في حضوره التلفزيوني. أثناء الثورة السورية كان له موقف مشرّف، قلنا لعلّه يستطيع أن يكون معارضاً جيداً وأحسن حالاً منه كممثل، لكنه في تلك الحلقة من «سري جداً» كان، مرة ثانية، ممثلاً قليل الحظ لثورة قليلة الحظ هي الأخرى. بدا مدافعاً بلا حيلة ولا حجة، بل قدّم أحياناً ذرائع مجانية ضد الثورة. أخي الممثل؛ الإيمان وحده لا يكفي، لا بد من المعرفة دائماً، هي وحدها ما يسندك في حضورك أمام الملايين.