د. فريد سعدون – المجلس الكردي ENKS .. ما الحل ؟

Share Button

التغيير والتطوير ظاهرة طبيعية في سيرورة المنظمات التي تتفاعل مع المتطلبات والضرورات المجتمعية في سياق بحثها الحثيث11986518_1638495916408955_5189723561818516069_n عن تحقيق أهدافها وإنجاز خططها المرسومة.
وقبل البدء بدراسة منهجية لأي ظاهرة، لا بد من تشخيص الحالة، وتحديد الإشكالية قبل اتخاذ أي قرار، لأنه بناء على التشخيص تتحدد الأهداف المطلوبة التي سيتم رسم خطة موضوعية للوصول إليها عبر أسلوب معين للمعالجة وآليات فعالة للتنفيذ، ومن ثم إحداث التعديلات والتغييرات وتقييم النتائج.
وبناء عليه فقد كشفت التجربة عن ضعف أداء المجلس الوطني الكردي، وإشكالية تنظيمه، ويستدعي ذلك برنامج معالجة بطريقة فعالة، ولكن لا بد من التنبيه إلى أن هدف التغيير والتطوير والإصلاح هو تمكين المجلس من الاضطلاع بدور فعال ومتزايد على بلوغ الأهداف المرسومة التي تعنى بالحصول على حقوق الشعب الكردي .
فمن خلال التشخيص السياسي يبدو لنا أن ENKS أصبح خارج اللعبة بعد أن فقد القدرة على التحرك والمواجهة والإنجاز في سوريا، وانتقل بعمله إلى الخارج ليمارس نشاطه كجهة سياسية نازحة / مهاجرة / منفية، ضمن الاحتفاليات الدبلوماسية الجوفاء التي تبحث عن حلول وهمية للراهن السوري في المؤتمرات المنفصلة عن الواقع، فعلى الأرض هناك الفصائل المقاتلة التي ترسّخ سلطتها وتفرض شروطها، بينما الآخرون يمارسون دبلوماسيتهم خلف الأبواب المؤصدة، أملاً منهم أن يستمع لقراراتهم يوماً أولئك الذين أصمّت آذانهم أزيز الرصاص وهدير الطائرات، المجلس الكوردي من أولئك الذين فقدوا الوشائج الرصينة التي تربطهم بالواقع فاستسلموا للخيار السياسي السلمي، بينما استحوذ الطرف الآخر (Tev – Dem) على الأرض وعلى جميع المكاسب بفضل قوته العسكرية وتحالفاته الداخلية والإقليمية ومشروعه السياسي (الإدارة الذاتية)، وبات المجلس الكوردي أمام اختبار صعب لتحديد مساره واتخاذ القرار المؤلم والعسير لإنقاذ نفسه، وإعادة الاعتبار لوجوده.
قيادة المجلس الوطني الكردي اتبع أسلوب الاشتغال على رد الفعل، وتتحرك حين تشتد عليها الضغوط الداخلية والخارجية، حينها فقط تقرر ماذا تفعل، وتقوم بسلسلة من الإجراءات الارتجالية غير المدروسة لا تكون مبنية على خطة واضحة، كما أنها غير معدة منطقيا لتحقيق الهدف، ولذلك تعد هذه الإجراءات دفاعية لا تأخذ في الحسبان الخطوات الوقائية لمنع المشكلات قبل وقوعها، وتترك الأمور تجري حت تتفاقم وتتداعى حتى تقع الأزمات، حينئذ فقط تتحرك، و تقوم بجهود مكلفة وشاقة وغالبا ما تنتهي بالفشل، فهي قيادة أو إدارة لحظية جامدة لا تعمل إلا وقت مواجهة الأزمات، وبذلك يزداد ضعفها مع مرور الزمن ، لأنها لا تتمتع ببعد النظر والتخطيط الاستراتيجي للتنبؤ بالتهديدات والضغوط وإعداد الخطط الكفيلة لمنعها.
من هنا فإننا بحاجة إلى تغيير ثوري / جذري / راديكالي، كبير ومصيري، يقوم على إعادة تصميم هندسة الهيكلية التنظيمية الكاملة، وتغيير شامل للعمليات الإدارية، ويتضمن هذا تطوير أو إعادة هندسة الأمانة العامة وهيئة الرئاسة، ووضع برنامج تغيير وتطوير يهدف إلى ممارسة التفكير الخلاق واتخاذ القرارات الصحيحة.
هل يحتضر المجلس الوطني الكوردي؟
ما الأسباب التي دفعت المجلس نحو الهاوية ؟
يبدو لنا أن المريض الذي نحن بصدد معالجته يعيش على أجهزة الإنعاش الصناعية، فـــ ENKS بات من الصعب معالجة انحداره، ومنع انهياره وتفسخه، والأسباب كثيرة، منها غياب وعدم توفر:
1- التناغم والتماسك في الهيئة القيادية، وافتقاد الشخصية القيادية الحازمة والمبدعة في خلق الأفكار وتطبيقها، وافتقاد هذه القيادة للخطاب السياسي المؤثر. وغياب الشخصية الكاريزمية التي يمكن لها أن تكسب تعاطف الشعب وتتحول إلى رمز قومي تلهب مشاعر الجماهير وتحشدهم لخلق القوة الشعبية المتكاملة.
2- الرؤية السياسية الثابتة والشاملة، وما تقدمه من مشروع في خطابها السياسي لا يرقى إلى المستوى الاستراتيجي، بل يبقى جملة من الأفكار التي تفتقد الانسجام والتماسك، تفتك بها المصطلحات التي لا تجد لنفسها مفاهيم واضحة، كالتشاركية والتعددية والديمقراطية وغيرها من المصطلحات الغامضة التي لم تجد لها سبيلا إلى التطبيق.
3- آليات وعوامل القوة، ومنها القوة المعرفية المتمثلة (بالمعرفة السياسية والتاريخية والفكرية)، والقوة العسكرية، والاقتصادية، والدبلوماسية والعلاقات الدولية، مما يجعلها جسداً هزيلاً لا يستطيع الدفاع عن نفسه، فكيف يدافع عن شعب بأكمله، وخير دليل على ذلك الاعتقالات التي يمارسها الطرف الآخر بحقهم من دون أن يكون لهم حول ولا قوة في الدفاع عن أنفسهم.
4- الرؤية الواضحة والجريئة حول حق تقرير المصير، وكيفية التفاهم مع المعارضة حول حل القضية الكردية من منظور الطرح الكردي وليس مما يفرض عليهم من قبل المعارضة ذاتها أو من قبل العنصر العربي المتحكم في السلطة .
5- قصور الوعي التخطيطي الاستراتيجي وانغماس الهيئات القيادية في مشاكل داخلية وأعمال روتينية تبعدها عن نشاطها الأساسي وهو التخطيط ورسم السياسات العامة.
6-
بالإضافة إلى الأمور التالية:
7- استلاب الأحزاب للمجلس وتحويله إلى مجلس حزبي بامتياز، مما يجعل عبارة (مجلس وطني) مفرغة من محتواها.
8- الاستياء العام في الشارع من خلافات المجلس وعدم تنفيذ أو تفعيل قرارات مؤتمراته، وضعفه واستكانته أمام (تف دم) وعدم قدرته على مساعدة ودعم مناصريه ومؤيديه.
9- التناقض في الخطاب بين قيادات ENKS وغياب الناطق الرسمي الذي يمكن حصر البيانات باسمه للتخلص من التصريحات المتناقضة.
10- رغم وجود ENKS في الائتلاف المعارض، فإن تواصلهم مع النظام بشكل ضمني ما زال مستمراً، وخاصة بعد (تصريحات الأستاذ حميد حاج درويش) والنظام لا يعترض على وجود قيادة ENKS في قامشلو وفي المربع الأمني (منزل بعض السكرتيرية وقيادات الصف الأول) مع العلم أن هذه القيادة هي في قمة هرم قيادة الائتلاف ( نائب الرئيس ). وهذا يترك انطباعا سلبيا في الشارع الكوردي خاصة والسوري عامة.
11- أحزاب المجلس الوطني لها توجهات وأجندات متباينة ومختلفة وتصل أحياناً إلى حد التناقض، الديمقراطي الكوردستاني- سوريا ويكيتي والوحدة وتيار المستقبل وغيرها.
12- الانشقاقات المستمرة والتفريخ الحزبي ضمن أحزاب المجلس، والدعم الضمني الذي يقدمه المجلس لهذه الأحزاب من خلال ضمها إلى المجلس ثانية بعد انشقاقها وتفرّعها، الأمر الذي يترك انطباعا سيئا لدى الشعب، ويزعزع إيمانها بجدوى هذه الأحزاب.
13- معظم أحزاب المجلس تعتبر أحزاب شبه وهمية لا قيمة لها ولا تأثير في الشارع، ومعظمها غير معروفة من قبل الناس ، وهي أحزاب أشخاص وليست أحزاب مؤسسات ، ولا يعلم الناس عنها شيئا غير اسم سكرتيرها.
14- لا دور للمثقفين والأكاديميين في المجلس، والذين يسمّون ( المستقلين ) ليس لهم غير الاسم وفي الحقيقة هم موالون أو مؤيدون لأحزاب معينة، وأحيانا هم من قيادات البارتي.
هل يمكن معالجة هذا المريض؟
ستكون المعالجة مكلفة جدا وباهظة الثمن إذا اتبعنا الطريقة التسلسلية والطبيعية، و (( ربما هي شبه مستحيلة بسبب عوامل العطالة التي ستواجهها من القيادات الحزبية الانتهازية التي تتعارض مصالحها الحزبية والشخصية مع اي تغيير في الوضع الراهن للمجلس، والضغوطات الخارجية))، والخطوات هي:
1. تغيير النظام الداخلي للمجلس، بحيث يصبح مجلسا بمثابة برلمان حقيقي للشعب الكوردي في كردستان سوريا.
2. إعادة هيكلة المجلس وانتخاب قيادة جديدة ذات كفاءة عالية من التكنوقراط.
3. تفعيل دور المنظمات والمؤسسات المدنية في المجلس.
4. تأسيس لجان تخصصية علمية وفكرية وسياسية من مختصين ذوي مؤهلات علمية عالية من الحقوقيين والمؤرخين والمفكرين وغيرهم.
5. تشكيل لجنة علاقات خارجية ودبلوماسية ذات كفاءة عالية من ذوي تخصصات الإدارة والعلوم السياسية والعلاقات الدولية واتقان اللغات الأجنبية.
6. تأمين موارد اقتصادية ذاتية أولاً، ومن جهات مؤمنة بحقوق الشعب الكوردي ثانيا.
7. تأسيس جهاز إعلامي فعّال.
8. تعيين ناطق إعلامي واحد يضبط التصريحات الصادرة عن المجلس ويمنع التباين فيها، وكذلك يمنع أن يقوم أي قيادي بالتصريح حسب الأهواء والآراء الشخصية.
9. تشكيل لجنة تخصصية لكتابة البيانات قادرة على صياغة البيانات بما يكفل منع اللبس والغموض أو التأويلات فيها.
10. البدء بالعمل الفعلي الميداني، بعد وضع خطة عمل متكاملة ومشروع سياسي واضح يتضمن رؤية الحل للقضية الكوردي في سوريا وآليات تنفيذها.
11. انتقال جميع مؤسسات وقيادات المجلس للداخل ، ما عدا المؤسسات التي يتطلب عملها أن تكون في الخارج كالمؤسسة الدبلوماسية الخارجية، وهذا سيعيد ثقة الشعب بالمجلس.
12. المشاركة الفعلية للمستقلين، بحيث يتم تمثيل جميع فئات الشعب في المجلس من الوجهاء والشخصيات الوطنية والأكاديميين والمثقفين والمهنيين وغيرهم وفق نظام يضمن تمثيل الجميع.
13. اختيار الممثلين وفق انتخابات علنية غير خاضعة لسلطة الأحزاب كما هو معمول به الآن.
14. أن يتكون المجلس مناصفة بين الأحزاب والمستقلين.
15. إجراء تقييم فعلي للأحزاب، وعدم قبول الأحزاب الشكلية في المجلس، وهي الأحزاب التي لا أعضاء حقيقيين فيها، وخاصة أحزاب الأشخاص المعروفة باسم سكرتيرها.
16. عدم قبول الأحزاب التي تحمل الاسم نفسه، تلك التي تولدت من انشقاقات شخصية دافعها الرئيس المناصب والقيادة والمصالح الشخصية.
17. أن يكون رئاسة المجلس دورية بين الحزبيين والمستقلين، ولا تكون حكرا على الحزبيين.
18. يفضل في مرحلة الأزمة الراهنة أن يكون رئاسة المجلس من التكنوقراط وليس من الحزبيين.
19. أن يتمتع رئاسة المجلس بكفاءات عالية من حيث العلوم السياسية واتقان اللغة الكردية والعربية بطلاقة واتقان لغة أجنبية، وألا يكون من المشاركين في الإساءة إلى الحركة الكردية من خلال الانشقاقات والممارسات التي عصفت بوحدة الصف الكردي.
20. الانتقال من المنظور الشخصي للوظيفة التنظيمية إلى المنظور المؤسسي الذي يرتكز على التمييز بين الوظيفة والشخص، وبالتالي فان الفكرة الأساسية التي تميز المؤسسة عن غيرها من أشكال التنظيم الاجتماعي هي استقلاليتها عن العناصر المتشكلة منها، بينما في الحالة الراهنة فإن المجلس يفتقد هذا المنظور بسبب التماهي بين المجلس والعناصر المشكلة له على مستوى هيئة الرئاسة.
21. وضع استراتيجية محاسبية منهجية تضبط الحسابات المالية من حيث الواردات والنفقات، وذلك عبر لجنة مالية تخصصية تضع ميزانية شفافة للمجلس.
22. فضّ التداخل بين السياسة الحزبية وسياسة المجلس، بحيث يمنع أن يؤثر حزب معين على سياسة المجلس الذي من المفترض أن يكون هيئة اعتبارية له استقلالية كاملة بعيدا عن التأثيرات الحزبية .
23. منع تأثير العوامل السياسية والأجندات الحزبية على هيئات المجلس من حيث تعيين أشخاص في مناصب حيوية دون توفر الكفاءة والخبرة اللازمة والمهارات الإدارية.
24. تغيير العلاقة بين مستويات السلطة داخل المجلس، وخاصة ما يتعلق بمجلس الأحزاب الذي يتخذ القرار ثم في درجة أدنى يأتي دور الأمانة العامة، هنا لا بد من خلق إطار موحدّ للعمل في المجلس من خلال هيكل يتسم بقدر أكبر من الاتساق واللامركزية، على أن يترافق ذلك مع مزيد من المرونة الإدارية وتعزيز نظام المتابعة والتقييم والمراقبة.
25. إنهاء التوافقات والاعتماد على الانتخابات العلنية الشفافة.
26. أن تكون جلسات المجلس علنية وحضور الإعلام .
التنفيذ:
1- أن يكون التغيير صادرا من الداخل لمعالجة المشكلة باتخاذ قرارات جريئة من قبل هيئة الرئاسة والأمانة العامة .
2- أي تغيير يتأثر بمدى الاستعداد النفسي من قبل الأعضاء، ولذلك لا بد من تهيئة نفسية ومعنوية لاستقبال التغييرات المزمع إحداثها عبر محاضرات مكثفة من قبل خبراء مختصين من الأكاديميين، حتى يشعر الأعضاء بالأمان تجاه هذه التغييرات وأنها تخدم المصالح العامة، دون الإساءة إليهم شخصياً، والتخفيف من قيمة أي سلبيات محتملة، وبذلك لا بد من تقييم أنماط السلوكيات المتبعة من قبل الأعضاء والقيم والاتجاهات المترسخة في أذهانهم، وتبصيرهم وتوعيتهم بوجود مشاكل تحتاج إلى المعالجة من خلال التغيير والإصلاح والتطوير.
3- لا بد أن تكون التغييرات غير متسرعة لأنها سوف تؤدي إلى مقاومة شديدة من قبل أصحاب الأجندات الشخصية وهم الأغلبية.
دكتور فريد سعدون
23 نيسان 2016 قامشلو

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 648 من الديمقراطي

صدر العدد الجديد 648 من جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، ...