مع وجود قوات المعارضة المعتدلة التي تدعمها الولايات المتحدة في شمال سوريا, تقترح مجموعة وساطة أوروبية استراتيجية بديلة لوقف إطلاق نار محلي والتخفيف التدريجي من حدة العنف في دولة لا مركزية في المستقبل.
وجاء في التقرير الذي أعدته مجموعة أوروبية تمولها عدة حكومات أوروبية وآسيوية :” الحل على المدى القصير لا يتمثل في حكومة انتقالية ولا في تقاسم للسلطة ولكن في تجميد الحرب كما هي عليه الآن, والاعتراف بأن سوريا أصبحت لا مركزية وهي على فوهة البندقية”.
وجاء في التقرير أيضا بأن “وقف إطلاق النار سوف يمسح لنا بالتحرك باتجاه حل سياسي ومرحلة انتقالية سياسية تفاوضية”, كما أنه يمكن أن يدعم المعارضة المعتدلة المحاصرة. ويضيف التقرير بأن النظام يعلم تماما بأنه “لا يمكن أن يسترجع جميع أنحاء البلاد التي فقدها أو أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء”.
قامت المجموعة بعمل ميداني مكثف في سوريا, والتقت مع مسئولين بارزين في النظام, وقادة من المعارضة المعتدلة و عناصر متطرفة من جبهة النصرة والدولة الإسلامية. وقد اطلع مسئولون أمريكان وحكومات أخرى على التقرير. و تم تقديمه من قبل مصدر أمريكي طلب عدم الكشف عن هوية المجموعة.
ظهر هذا التقرير في اللحظة التي تم فيها طرد متمردي الجيش السوري الحر, محور استراتيجية الولايات المتحدة لهزيمة المتطرفين, من معاقلهم القوية شمال سوريا. المتمردون المعتدلون كانوا يطالبون أمريكا بتقديم المساعدة دون أن يجدوا أذنا صاغية من طرفها من أجل قلب الموازين واستعادة ما خسروه.
قراءة طلبات الجيش السوري الحر للقادة الأمريكان تؤدي إلى ألم كبير, جاء في إحدى الرسائل في 28 أكتوبر والتي أشارت إلى أن الدولة الإسلامية كانت ترسل تعزيزات لمساعدة مقاتلي جبهة النصرة على مهاجمة المعتدلين في محافظة إدلب :” الجيش السوري الحر بحاجة إلى مساعدة طارئة من التحالف”. بعد ثلاثة أيام على هذه الرسالة, حذر الجيش السوري الحر “لدينا مشاكل كبيرة مع النصرة في إدلب… هناك حاجة ماسة للدعم الجوي القريب”. ومن ثم في 2 نوفمبر, قال الجيش الحر في رسالة جديدة :” المعنويات منخفضة… الدعم الجوي مرحب به لمنع وقوع الكارثة”.
توحي هذه النكسات الأخيرة, أنه دون ذلك النوع من الدعم الذي لم تبد الولايات المتحدة استعدادا لتقديمه حتى الان, فإن استراتيجية الولايات المتحدة المتعلقة بدعم المعتدلين لهزيمة الجهاديين, وكما يذكر التقرير, هي مجرد “خيال”. خطة التقرير البديلة لوقف إطلاق النار ربما تكون غير واقعية هي الأخرى, ولكنها ربما توفر حالة من تخفيض العنف.
أسلوب “المصالحات” المحلية جرب من قبل, مع نجاحات متفاوتة, العام الماضي في حمص ومنطقة دمشق. يصف التقرير أحد الأمثلة في التل, قرب دمشق:” كان هناك اتفاقا غير رسمي يقضي بغياب النظام وقواته الأمنية من المدينة ويتم إدارة عمل المؤسسات والمنطقة بأسلوب الحكم الذاتي عن طريق قوة أمنية خاصة, وطالما لم تنطلق أي هجمات من قبل المتمردين من المنطقة, فإن النظام لن يرد”.
يقول التقرير إن بعض حالات وقف إطلاق النار الناجحة فاوض فيها فادي صقر, قائد منطقة دمشق للمجموعة شبه العسكرية الموالية للنظام والتي تعرف باسم قوات الدفاع الشعبي. في محافظات أخرى لدى هذه المجموعة “سمعة سيئة لكونها ميليشيا متوحشة خارجة عن السيطرة”, وذلك وفقا للتقرير, ولكن في دمشق, “كانت الأكثر تقدما في إبرام اتفاقيات دائمة مع المتمردين”.
كما طالب التقرير بتطبيق نفس أسلوب وقف إطلاق النار في حلب. مناطق أخرى ربما تجدي فيها عملية التهدئة نفعا وهي مناطق الغوطة الشرقية, والمنطقة المحيطة بدرعا في الجنوب وفي الصحراء الشرقية لسوريا.
صرح مسئول بارز في النظام لمعدي التقرير بأن ” الحل الوحيد هو المصالحات المحلية. ومن أجل البدء يجب على الدولة أن تستعيد جميع أنحاء سوريا, كما يجب أن يكون هناك احترام لحقوق وكرامة الجميع, بمن فيهم المتمردون أنفسهم, في مقابل أن يحترموا هم الدولة ومؤسساتها”. واقترح المسئول السوري إصدار عفو عام عن المتمردين كما أضاف أن في وسعهم الاحتفاظ بأسلحتهم أيضا.
يشبه التقرير عملية التهدئة هذه بما حققه الجنرال دافيد بيتراوس في تهدئة حدة العنف في العراق عام 2007. مسئول سوري وصف بأنه “أرفع مستشار أمني واستراتيجي للرئيس السوري” أشار إلى هذه المقارنة بكل صراحة, حيث قال :”كانت المصالحات التي قام بها الأمريكان في العراق صالحة لأولئك الذين قبلوا بالدولة, وبالتالي يجب قبول الدولة السورية”.
المشكلة الكبرى مع توصيات المجموعة التي أعدت التقرير هو أنه بالنسبة للمتمردين, فإن هذا النهج ربما يبدو لهم كاستسلام للنظام. لقد أصبح الأسد نقطة جذب للجهاديين, وطالما بقي السلطة, فإنه من الصعب أن نتخيل أن يرى المتمردون السنة أي عملية مصالحة أكثر من كونها مجرد هدنة مؤقتة.
تقول مجموعة الوساطة الأوروبية :” هناك مسار يمكن أن يعود بنا للخروج من الجحيم”. إذا كان لدى إدارة أوباما أي استراتيجية بديلة متماسكة, دعونا نسمعها.