عندما طرحت داعش نفسها على الساحة السياسية، لم يكن أحد يتوقع أن تتوسع وتقوى بهذا الشكل السريع، فقد توسعت بشكل غريب وأضحت قوة كبيرة جداً خلال فترة قياسية، عسكرياً- تنظيمياً- مالياً، مما دفع دول التحالف الغربي بقيادة أمريكا لأن تدعو إلى الوقوف في وجه هذا التنظيم الخطير الذي يهدد الأمن والسلم ليس في الشرق الأوسط وحسب بل وفي العالم اجمع، واتفقت أكثر من 40 دولة عالمياً وإقليميا لمواجهة التنظيم بكل الوسائل العسكرية، وفعلاً استخدمت كل من أمريكا- فرنسا وبريطانيا سلاح الجو لضرب قواعد وتجمعات داعش، وفي وقت أصبحت داعش قوته هائلة وسيطر على العديد من المدن الكبيرة في العراق وسوريا، بالإضافة إلى مساحات واسعة من الأرض في هذين البلدين. ومن الأمور الملفتة للنظر هي أن داعش استولت على العديد من المدن والبلدات دونما قتال، بل تسلمتها تسليماً من المسؤولين العسكريين وبالاتفاق التام معهم، وكان هذا واضحاً في الموصل بالعراق، والرمادي… وغيرهما من المدن الكبيرة. وهكذا في سوريا حيث تسلمت داعش الرقة وعين عيسى وما فيهما من سلاح دون قتال. هكذا تسلمت داعش أسلحة وذخائر تكفي جيش بلد لسنين، ثم سيطرت على جزء كبير من البترول في البلدين، مما وفر لداعش ملايين الدولارات.
إن الأساليب التي مارسها داعش ضد السكان في العراق وسوريا بوجه عام والأكراد كقومية، والمسيحيين والايزديين كديانة، تشمئز منها النفوس، فهي بدأت بقطع الرؤوس وحرق البشر وهم أحياء والتعدي على حرمات المواطنين واغتصاب البنات القاصرات وبيع النساء في الأسواق وحرق البيوت وطرد الناس من منازلهم فقط لأنهم ليسوا عرباً أو ليسوا مسلمين، وهكذا فان الأعمال التي قام بها داعش لا يمكن إلا وصفها بالهمجية والبربرية، وهي تخالف كل الشرائع والقوانين التي سنها البشر على مر العصور. ورغم هذه الأعمال الوحشية من جانب هذه المنظمة فهي ليست منعزلة عن المجتمع، وإنما ينضم إليها كل يوم قوافل جديدة، خاصة المسلمين من دول الغرب، أمريكا- فرنسا وبريطانيا وغيرها…
إن هذه الظاهرة السيئة في التاريخ البشري التي تمثلها داعش والتي تقوم على إثارة النعرة الدينية والقومية بأقصى مظاهرها الشنيعة، غريبة حقاً عن آمال البشر ومطامحهم في القرن الحادي والعشرين، مما يدعو كل إنسان شريف يؤمن بحقوق الإنسان وبالتعايش بين البشر، أن يقف في وجه هذه المنظمة الإرهابية التي باتت تمثل قوة كبيرة للشر وللقيم المنافية لطبيعة البشر وهي لا توفر أي أسلوب غير أنساني في سبيل القضاء على خصومها.
أما العوامل التي ساعدت على انتشار وتوسع داعش بهذه السرعة الغريبة فهي:
1- رفعت داعش في بداية ظهورها على المسرح السياسي شعار (إقامة الدولة الإسلامية في العراق والشام) وهذا الشعار جذب الشباب المسلم المتطرف الذي يرى بأن الإسلام هو منقذهم الوحيد، فانخرطوا في صفوفه، إلى جانب أن العديد من الشباب القومي العربي المتطرف أيضاً، انضم إلى هذا التنظيم عسى يشكل موئلاً لهم للوصول إلى تحقيق أمجاد العرب في العهد الإسلامي، ويقول العارفين بتنظيم داعش أن قيادته الأساسية العسكرية والسياسية تتكون من قياديين كانوا سابقاً يقودون حزب البعث في سوريا والعراق، ويجمع هؤلاء على أن الإسلام عزز مجد العرب ورفع راياتهم عالياً، ومن هذا المنطلق يقول السيد ميشيل عفلق احد زعماء التيار القومي العربي في كتابه (المصير) إن العربي يجب أن يكون مسلماً. وهذا الذي دفع عفلق لان يعتنق الإسلام الذي أفصح عنه صدام حسين بعد وفاة عفلق، حيث دفن في مقابر المسلمين وقال بأنه اعتنق الإسلام بشهادته وسمى نفسه “محمد”.
2- القلاقل وعدم الاستقرار الذي ساد البلدين سوريا والعراق خلال نصف قرن، دفع داعش بان يستفيد من هذه الواقع ويتوسع وينتشر من خلال هذه الأوضاع التي ساد فيها الفوضى وضياع المسؤولية في الكثير من القطاعات الحكومية والعسكرية، حتى أن داعش غنم كميات هائلة من الأسلحة في ظل أناس وخلايا نائمة ساعدته للحصول على ما كان يبتغيه، وسيطر على العديد من المدن الكبيرة والبلدات والقرى ومناطق واسعة في كلا البلدين.
3- الأنظمة الديكتاتورية والقمعية التي سادت العراق وسوريا والبلدان العربية عموماً، دفعت أوساط الشباب والمثقفين إلى تلمس السبل الآيلة إلى التغيير والتخلص من هذه الأنظمة والقمع الممارس ضد المواطنين في هذين البلدين (بأي ثمن) وكان هذا دافعاً هاماً من دوافع التفاف الناس حول داعش وشعاراته البراقة.
ولكن مهما يكن الأمر من قوة داعش وإمكاناته العسكرية والمادية والتنظيمية فان المستقبل سيدفنها كما دفن العديد من أمثالها في مزبلة التاريخ، وان قطع الرؤوس وحرق الناس أحياء والتعدي على النساء واغتصابهن، سوف تأتي هذه الأعمال بنهاية مأساوية لهذا التنظيم الإرهابي، وان هذه الظاهرة السلبية سوف تدفن ولن يجني قادتها شيئاً سوى الخزي والعار…
عبد الحميد درويش
سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا
السليمانية- 9/8/2015