لم تخمن غالبية المصوتين (93 بالمائة) لصالح استقلال إقليم كردستان ـ العراق، أن يؤدي هذا الاستفتاء إلى قطيعة كبيرة مع العالم وأن تسقط مدن وبلدات في المناطق المستقطعة (المتنازعة) عليها واحدة تلو أخرى بيد القوات العراقية والميليشيات الرديفة لها دون مقاومة تذكر وبدعم إيراني وصمت دولي.
كانت نكسة، خسارة كبيرة للكُرد، فاجأت جميع، حتى الأكثر المتشائمين من عملية الاستفتاء.
صحيح العامل الذاتي غير متوفر بشكل كاف في الإقليم، حيث هناك أزمة عدم الثقة ووجود شبه إدارتين وبرلمان معطل، ولكن، العامل الخارجي أيضاُ كان له دور بارز في سقوط تلك المدن والمناطق.
فلولا الضوء الأخضر الأميركي لما حدث ما حدث، وتبدو أميركا وضعت في حساباتها، العمل على ترويض وتهيئة السيد حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي على أمل أن يتخذ قرارات صعبة بالضد من عقيدته المذهبية والفكرية وضد ما يسير عليه نظام الحكم العراقي الحالي ككل مثل تحجيم النفوذ الإيراني في العراق مستقبلاً ولو ببطء من خلال ربطه بالمملكة العربية السعودية لدعمه في مختلف الصعد. وحثه أيضاً على تنفيذ بنود الدستور بما يقضي في بناء دولة الشراكة لكل المذاهب والمكونات.
ومن جهة أخرى، أرادت أميركا كسر هيبة وشوكة القيادات الكُردية ممن رفضوا الطلب الأميركي في تأجيل الاستفتاء، وخاصة أن حكومة كُردستان بدأت تنسج علاقات اقتصادية ونفطية ضخمة مع الشركات الروسية، وكذلك في وقت بدأ خطر تنظيم “داعش” يختفي ويتلاشى ولم تعد أميركا بحاجة كبيرة إلى البشمركة.
وفي هذا الصدد تلاقت المصالح بين الدولتين (إيران وأميركا)، فقد استفادت الأولى من الانقسامات الكُردية الداخلية والامتعاض الأميركي من الكُرد والرفض الدولي العام للاستفتاء لتحقيق أهم الأهداف لها بأدوات عراقية.
أولاً، سيطرة على حقول النفط في المناطق المستقطعة وخاصة نفط كركوك لخدمة صناعاتها وربطها بموانئها.
ثانياً، رسم القوس الإيراني من الخليج العربي إلى البحر المتوسط واكتمال المد من مضيق هرمز إلى اليمن حيث الحوثيين.
ثالثاً، إنشاء حاجز إيراني (مذهبي) للجم الطموحات التركية في خارج حدودها الجنوبية.
والهدف النهائي للحملة العسكرية ليس فقط المناطق المستقطعة بل هو تهديد مباشر للإطاحة بحكومة هولير، أو إجبارها على الاستسلام والرضوخ كلياً لإرادة بغداد كمحافظة ومحافظات وليس كإقليم، وإذا استمر الصمت الدولي في ظل الهجمات العراقية ستختار هولير عنصر مقاومة لصد هذا المد والاجتياح.
أما تركيا فقد كانت تهدد كُردستان ليلاً نهاراً ونسقت ووافقت على خطط إيرانية ولم تستفد شيئاً إلى الآن سوى وأد محاولة الكُرد في تحقيق حلمهم وتطلعاتهم القومية مؤقتاً كي لا تخترق العدوى حدودها، وإن لم تتحرك تركيا ستخسر إقليم كردستان كشريك اقتصادي كبير لها وكجزء مهم لمنع تأسيس القوس الإيراني في وجه حدودها الجنوبية، وهي التي لا تزال تحتفظ بقوات وقواعد لها في إقليم كردستان. لذلك من غير وارد أن توافق تركيا على هذا الوضع الجديد وأن تسلم مفاتيح المنافذ الحدودية إلى الحشد الشعبي التابع لإيران.
تحاول هولير الآن الخروج من الصدمة ومن قوقعة العزلة والحصار والبدء بعملية التفاوضية مع بغداد، وستكون هذه المفاوضات بمثابة استراحة المحارب، ولن تمنع من عودة التوترات والحرب من جديد، لأن بغداد لن تطبق المادة 140 من الدستور حول المناطق المستقطعة والتي هي إحدى أهم أسباب الخلافات البينية منذ كتابة الدستور العراقي الجديد.
كان الأحرى بالإقليم وقبل البدء بمعركة الاستحقاق في تقرير المصير أن يفعل مؤسساته الوطنية ويوحد إدارتين (سليمانية وهولير) خلال السنوات المنصرمة وألا يتكئ على أميركا والمحور الغربي كلياً بل إيجاد حلفاء وشركاء آخرين، لهم وزن على الساحة الإقليمية والدولية وليس فقط الاكتفاء بفتح الممثليات والقنصليات.
هؤلاء الكُرد (أصدقاء الجبال) يدفعون ثمن انقساماتهم، عنادهم، تمردهم المتأخر على الرأي الأميركي، الأميركي الذي يريد ابتلاع كل شيء ومنح كلام معسول، منمق وضخ الأسلحة لتحقيق غاياته فقط.
بقلم: خالد ديريك