حمـــيد خلـــف: مـقارنـــة مــع الثــورة الـفرنســـية

Share Button

عندما وصلت معاناة الشعب الفرنسي الى اسوء مراحلها من القمع و الاستبداد و الاضطهاد و الفقر و الحرمان 12081531_1638627393081426_264832907_nفي ظل حكم الملك لويس السادس عشر . و لم يعد من الممكن استمرار هذه المعاناة . لا بل من الاستحالة و بسبب ذروة الانحطاط للنظام الملكي الذي فقد كل مبررات وجوده . و ازدادت الهوة الفاصلة بينه و بين الشعب الفرنسي و كذلك تدخل الكنيسة السافر فى حياة الناس و البلاد . لم يقف الأمر عند هذا الحدّ بل عملت الكنيسة على محاربة العلم و العلماء و ربطهم بالشعوذة . مما مهد الطريق أمام الثورة و يعدّ هذان السببان من أهم الاسباب التي ادت الى قيام الثورة الفرنسية . فكانت حادثة سجن باستيل
سبباَ مباشراَ في اشعال الشرارة الاولى للثورة . و التي امتدت لتشمل كل المدن الفرنسية
حيث اتخذ الثوار الساحات و المقار الرسمية منطلقاَ لهم . و منذ السنة الاولى من اندلاع
الثورة اتخذت قرارات ثورية و جذرية هامة . كالغاء سلطة الكنيسة و جعل جميع ممتلكاتها
ملكاَ للشعب و حل جميع الجماعات الدينية و الغاء جميع امتيازات رجال الدين و اصدار اعلان حقوق المدنية للمواطن و مبدأ العدالة الاجتماعية . و يعتبر الفيلسوف جان جاك روسو و فولتير و غيرهم من ملهمي الثورة حيث استطاعوا تعبئة الشارع الفرنسي ضد سلطة رجال الدين و سلطة الملك لويس السادس عشر . فاذا كانت الثورة الفرنسية و التي دامت عشر سنوات من اطول الثورات في التاريخ في القرن الثامن عشرميلادي و اكثرها دمويةَ و عنفاً .
بسبب تكالب الانظمة الملكية و الامبرطورية في اوربا ضد الثورة التي كانت تحمل شعارات عصرية تقض مضاجع هذه الديكتاتوريات . الا ان هذه الثورة فتحت افاقاً جديدة و واسعة امام الشعوب الاوربية فقد كانت نبراساَ أضاءت لتلك الشعوب دروب الحرية و أطلقت العنان للعقول لتتحرر من القيود و الطغيان و السلطة الدينية و ظلم الانظمة الملكية المطلقة التي اطبقت على رقاب شعوبها . لذا تعتبر الثورة الفرنسية واحدة من اكبر
المؤثرات في الفكر الاوروبي و محرك لشعوبها نحو القضاء على الانظمة الديكتاتورية الملكية في كل اوربا و بناء انظمة ديمقراطية تعددية فيها و غّيرت وجه اوربا و شكلت خارطة سياسية جديدة في كامل اوربا . اما في سوريا فان بذور الثورة كانت موجودة حقاَ منذ سنوات بسبب الظلم و الفقر و القهر و الجرائم الدموية التي ارتكبها النظام الاستبدادي الديكتاتوري ضد الشعب السوري .

و كان حادثة اطفال درعا بمثابة الشرارة الاولى لاندلاع
الثورة . حيث اتخذ الثوار من المساجد و دور العبادة منطلقاَ للاحتجاجات و المظاهرات
ضد النظام . و يعتبر الشيخ عرعور على راس الشيوخ و رجال الدين الذين عملوا على
اسلمة الثورة و تطييفها و كانت البداية في انحراف الثورة عبر القنوات الفضائية .
بعكس الثورة الفرنسية تماماَ . يقول فولتير ” ان الذين يجعلونك تعتقد ما هو مخالف للعقل .
قادرون على جعلك ترتكب أفظع الجرائم ” و هنا بدأت الثورة تنزلق الى منزلقات خطيرة
حسب ما خطط لها و تمت سرقتها من خلال افسادها عبرالفضائيات الدينية و المال السياسي
و اختراق صفوف الثوار في محاولة لتحريف الثورة عن أهدافها . و تم افشالها بدعم خليجي
لانها فزعت منها خشية ان تنتقل عدوى الديمقراطية اليها فأسرعت الى تفعيل و تنشيط التيارات
السلفية عن طريق التمويل المفتوح . و تقاطعت مصالح الخليج وغيرها من الدول المجاورة
مع مصالح النظام و استطاعوا نزع سلمية الثورة و الدفع بها الى العسكرة و التطييف
و من ثم الى الارهبة . فاستخدم النظام و حلفاءه القوة المفرطة في قمع الثورة واظهارها
للعالم بانها مجموعات ارهابية مدعومة من الخليج و اسرائيل و تركيا و انها تحاول النيل
من الدولة و اخراجها من محورها الممانع و المقاوم . و تكالبت عليها الدول في تاجيج
هذا الصراع الدموي و توافدت اليها مجموعات ارهابية من كل حدب و صوب .
فتحولت الثورة تدريجياَ الى حرب اهلية . حتى اضحت ارض سوريا ساحة لحرب اهلية
خطيرة يتصارع فيها امراء الحرب الارهابية فيما بينهم . احدثت هذه الحرب جراحات
عميقة في الجسم السوري جغرافياَ و ديموغرافياَ . بحيث تحولت سورية بحكم الواقع الى
كيانات طائفية و قومية مقسمة . و ربما ستكون هذه الحرب في سوريا هي من اعنف
الحروب الاهلية و اطولها في القرن الحادي و العشرين خاصة و بعد ان تدخلت روسيا
عسكرياَ لمساندة النظام بالتفاهمات غيرمعلنة مع امريكا و ربما ستدخل كوريا الشمالية
و الصين و دول اخرى لصالح النظام لاحقاَ . و من هنا تبدو انسداد افق الحل السلمي
للازمة بسبب تعقيدات و تداخل مصالح الدول الكبرى من جهة و تنافرها من جهة اخرى .
كما ان من الصعوبة تلتئم هذه الجراحات و تجف انهار الدماء بسهولة و عليه استحالة
ان تتوافق الاطراف المتصارعة ان تعيش في ظل سوريا موحدة و سيكون التقسيم على
اساس طائفي و قومي هو الحل البديل و الانسب و سبيلاَ لانهاء هذه الحرب .
و ستؤدي بالتالي الى تغّير ملامح المنطقة . او ربما تعيد صياغة الخارطة السياسية
في الشرق الاوسط كاملة .

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 648 من الديمقراطي

صدر العدد الجديد 648 من جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، ...