ليس خارج التوقعات في حرب مزدحمة بالطائرات واللاعبين والحسابات ان تقع صدامات وحوادث معزولة عن القتال. ولا فرق سواء كانت مقصودة ومنظمة أم غير محسوبة ولا مطلوبة. فالتنسيق مهما يكن دقيقاً في تنظيم سير الطائرات في سماء سوريا بين روسيا وكل من أميركا وفرنسا وتركيا واسرائيل، يبقى عرضة لوقوع حادث خطير مثل اسقاط المقاتلات التركية لطائرة حربية روسية. والسؤال الفوري، وسط السجال بين موسكو وأنقرة حول اسقاط الطائرة في الأجواء السورية أم في الأجواء التركية، هو: هل كان الحادث رسالة من تركيا وحلف الناتو الى روسيا السورية أم تطبيقاً لقواعد الاشتباك دفاعاً عن السيادة حسب الرئيس رجب طيب اردوغان، وهو ما عدّه الرئيس فلاديمير بوتين طعنة في الظهر وحماية للارهاب؟ هل كان قراراً تركياً، بالاضطرار، أحرج الناتو أم بالخيار، لامتحان بوتين ودفعه الى الانتقال من الأحلام الى الواقع، ولاختبار رد فعل الناتو؟
مهما يكن، فإن الأخطر من اسقاط الطائرة هو التصعيد بين روسيا والناتو على حافة الصدام. وهذا ما بدا خارج الحسابات في الاجتماع الطارئ للحلف بناء على طلب أنقره. فما يطلبه الناتو هو سحب فتيل الأزمة وتبريد الأجواء، لأن الصدام بينه وبين موسكو هو عتبة مخاطر كبيرة جداً لم يشأ اي طرف تجاوزها حتى ايام الحرب الباردة. وما اتخذه بوتين من اجراءات ضمن ما سماه العواقب الوخيمة للحادث على العلاقات مع تركيا هو من النوع الذي يمكن التراجع عنه عندما تتبدل الظروف والحسابات. لكن الشيء الوحيد الذي لا يسامح فيه بوتين، هو اي عمل يراد منه أن يُرى ضعيفاً كما يقول وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند.
ولا أحد يعرف ما يخبئه سيد الكرملين لتركيا على طريقة المثل القائل الثأر يؤكل بارداً. فالحادث وقع، بالصدفة أو لا، بعد يوم من زيارة ناجحة الى طهران بدأت بلقاء طويل مع المرشد الأعلى علي خامنئي. وهو، في أية حال، تذكير بالخسائر مع الربح، وبأن بوتين لا يستطيع ان يفعل كل مما يريد ضمن استراتيجية: روسيا تقصف من الجو، وايران تتحرك تحت مظلتها على الأرض لمساعدة النظام. فضلاً عن ان روسيا التي تقصف مواقع المعارضين أكثر من مواقع داعش، تحاور المعارضين، وتحافظ على الأبواب المفتوحة مع السعودية ومعظم الدول العربية والاسلامية، وتمسك مع أميركا بخيوط اللعبة، ولم تكن خارج الشراكة مع تركيا خلال قمة العشرين في انطاليا.
وحرب سوريا أخطر من كل التصورات والسيناريوهات.