إلى جانب الرئيس أوباما, معظم الأمريكان يرفضون التدخل العسكري المباشر في سوريا. إذ يعتقدون أن ذلك سوف يزج الولايات المتحدة في حرب شرق أوسطية أخرى غير معروفة العواقب. ولذلك فإنهم يفضلون الحل الدبلوماسي.
أنهم محقون. ولكن سوريا ليست بذلك التهديد البعيد كما يعتقد البعض, والمساعدات العسكرية المحدودة والمتقطعة التي تقدم للمعارضة السورية يمكن أن تعزز أمن الولايات المتحدة وأن تجعل من فرص تحقيق الحل الدبلوماسي أكثر قربا.
صحيح أن قيادة القاعدة الرفيعة في باكستان طلبت من الجهاديين في سوريا تركيز جهودهم على إسقاط الرئيس بشار الأسد, والاهتمام بالأعداء الآخرين فيما بعد. ولكن نفوذ قيادة القاعدة أصبح أكثر محدودية فيما بين أتباعهم مما كان عليه الأمر من قبل.
أحد أكبر الجماعات, الدولة الإسلامية في العراق والشام, رفضت توجيهات القيادة للتوجه للقيام بعمليات أكثر طموحا, مما حدا بزعيم القاعدة أيمن الظواهري للتخلي عنها لصالح الجماعة ذات التوجه السوري الأكبر, جبهة النصرة. ولكن عوضا عن التراجع, تفوقت الدولة الإسلامية على جبهة النصرة في سوريا, وتحدى زعيمها أبو بكر البغدادي السيد الظواهري على قيادة القاعدة.
أي تقارب بين الجماعتين سوف يشكل تحديا بالنسبة لأمن أمريكا. القاعدة في شبه الجزيرة العربية هي الجماعة الأكثر قدرة بين فصائل القاعدة المختلفة حيث دبرت محاولة عام 2009 قام بها عمر الفاروق عبد المطلب من خلال وضع قنبلة تحت ملابسه لتفجير طائرة فوق ديترويت, كما أرسلت حزمة من المتفجرات للولايات المتحدة المتحدة عام 2010 , وهددت بمهاجمة عدد من السفارات الأمريكية عام 2013. كما وفرت ملاذا آمنا لأنور العولقي المواطن الأمريكي الذي كان له أتباع في جميع أنحاء العالم باعتباره منظر القاعدة قبل مقتله في غارة نفذتها طائرة دون طيار عام 2011.
ولكن ومع استمرار الفوضى في اليمن, فإن حكومتها تعمل بصورة حثيثة مع القوات الأمريكية, مما أعاق عمليات القاعدة في شبه الجزيرة العربية. لو وجدت قاعدة جديدة ومجموعة من الموارد في سوريا من خلال حليفتها الدولة الإسلامية فإنها يمكن أن تصبح أكثر قدرة على ضرب الولايات المتحدة. مثل هذا التطور يمكن أن يعني أيضا أن أساليب الولايات المتحدة الجديدة في مواجهة فصائل القاعدة – التي تتمثل في تبادل المعلومات الاستخبارية والتعاون في أمن الحدود- سوف تكون أقل فعالية.
كل ذلك سوف يضع الرئيس أوباما في موقف صعب: شئنا أم أبينا, في الوقت الراهن فإن نظام الأسد وخصوم الولايات المتحدة المتمثلون في إيران وحزب الله يشكلون أفضل مدافع في مواجهة المجموعات الجهادية العابرة للحدود التي تكسب المزيد من الأرض في سوريا وحولها وتزداد قوة يوما بعد يوم. ولكن ذلك لا يعني أن على الولايات المتحدة أن تقبل, ناهيك عن تشجيع, الرعب المستمر في الصراع السوري. ولكن ذلك لا يعني أيضا أن يدعم أوباما مجرد إسقاط الأسد, ولكن عليه أيضا أن يضمن أن الحكومة التي سوف تحل مكان نظامه سوف تكون معتدلة وقوية.
إن تسوية تقاسم السلطة التي تسعى إليها الولايات المتحدة والتي سوف تضع المتطرفين من السنة والشيعة جانبا, والدبلوماسية الأمريكية يجب أن تستمر من أجل استكشاف السبل الكفيلة لتحقيقها بما في ذلك المشاركة الحذرة مع إيران.
في ضوء المواقف المتصلبة لكل من متطرفي القاعدة وإيران وحزب الله في سوريا, فإن الدبلوماسية لوحدها لن تكون كافية على الأرجح. الولايات المتحدة بحاجة إلى الذهاب لما هو أبعد وتقديم مساعدات سرية مستمرة للجماعات السورية المعارضة المعتدلة. حصول ذلك سوف يشير إلى عزم وقوة الولايات المتحدة وشركائها, وتقديم الضمانات بأنها تنوي مواجهة القاعدة والجماعات السنية الأخرى التي تشكل خطرا على الانتقال السياسي السلمي في سوريا.
بعض الخطوات إضافة إلى ما ذكر اتخذت فعلا. فقد ألمحت الإدارة إلى أنها تكثف تدريبها السري وبرامج التنسيق مع الجماعات المعارضة المعتدلة, وقد ظهرت أدلة على أن الولايات المتحدة تزودهم بصواريخ مضادة للدبابات.
مثل هذه الخطوات لها وظيفة مزدوجة, من ناحية, فهي تؤكد لإيران وحزب الله أن الولايات المتحدة ملتزمة بالخروج بنتائج لا يمكن أن تعزز المتطرفين السنة, ومن ناحية أخرى, ولأن المعارضة المعتدلة هي الأخرى في مواجهة مع الأسد وحلفائه الخارجيين, فإن المساعدات العسكرية السرية الأمريكية تزيد من كلفة المشاركة العسكرية لكل من إيران وحزب الله, وتجعلهم أكثر ميلا للقدوم إلى طاولة المفاوضات.
ويمكن عمل المزيد. يمكن أن تدرس واشنطن إنشاء قوة نخبة موثوقة إلى حد كبير وتدريب مقاتلي المعارضة بحيث يمكنهم مواجهة الدولة الإسلامية وجبهة النصرة, والمساعدة في حماية المجموعات المختلفة في مواجهة الجهاديين المتطرفين وتشكيل نواة لتحقيق الاستقرار في سوريا.
قد تبدو هذه الاستراتيجية متناقضة مع استراتيجية الإدارة الأكبر, والمتمثلة في تفضيل القوة الناعمة على العنف كأداة للسياسة الخارجية. ولكن على النقيض من ذلك, على الولايات المتحدة أن تصل إلى حل دبلوماسي في سوريا, وبالتالي إثبات فعالية القوة الناعمة, وعليها أن تقوم بكل ذلك دون المساس بالأمن القومي.
لتحقيق هذه الغاية, ومن خلال إظهار تصميم أمريكا على مواجهة الإرهاب الجهادي لإيران وروسيا, فإن دعم برامج التدريب وتقديم المعدات للمعارضة السورية يمكن أن يدعم الجهود الدبلوماسية. ومن خلال تخفيض مستوى التهديدات الإرهابية العالمية, فإن ذلك يمكن أن يساعد في ضمان أمن الأرض الأمريكية.