للقانون الدولي اشتراطاته التي تمنع التعدي على مناطق ذات سيادة من دون تخويل أممي، صحيح أن ذلك لم يحدث حين بسطت طهران كفها في سورية ومعها «حزب الله»، لكن الأدب في ذلك أن إيران لم تقر أنها أرسلت قوات إلى سورية، وأن القتلى والأسرى مجرد حجاج تاهوا طريقهم. روسيا التهمت لقمة كبيرة من أوكرانيا بحجة صيانة القومية الروسية قبل أن يستوعب أحد المشهد.
هذه الاختراقات لا تبرر أبداً الاستخفاف بالنظام السوري وعدم الاهتمام به في مجال الحرب على الإرهاب، أو حتى مجرد الالتفات إليه، خصوصاً أنه قدم رسائل توسل يعلن فيها حرصه ورغبته الصادقة في التحالف الدولي، مؤكداً أنه المحارب الأول للإرهاب.
على رغم كل جرائم النظام السوري، فإن التعدي على أراضيه لا يجوز بأي حال من الأحوال من دون موافقته. وفق هذا القياس، فإن أي حملة تستهدف دمشق تجب موافقة النظام عليها، لأنه لا يزال يسيطر على أجزاء منها، أما ما عدا ذلك، فإن لكل أرض أميرها الخاص ومنطقة سلطته، علماً بأن دمشق لم تعد محافَظة، والمقصود الجزء المركزي منها، بعد اقتطاع الريف وحي جوبر.
لا معنى لموافقة النظام بخصوص الرقة، فهو لا يجرؤ على رفع علم في أي جزء منها، أما مجرد التفكير في دخول جندي واحد، فإن مصيره سكين «داعش»، فكيف يوافق على ما لا يملك؟ وكيف تكون الرقة جزءاً من سلطته وهو لا يتجرأ على إجراء مكالمة هاتفية إليها؟ هذا الطلب الظريف لا يستفز المجتمع الدولي، بل الجماعات المنتشرة في سورية، فمن الممكن أن يشترط «الجيش الحر» موافقته للوصول إلى حلب، وموافقة «جبهة ثوار سورية» على أي نشاط يقترب من القنيطرة، أما مناطق الأكراد فهي خارج كل الحسابات.
دولياً لا يوجد شيء اسمه سورية، باستثناء كرسي في هيئة الأمم يقتعده بشار الثاني (بشار الجعفري)، وهو يوشك أن يصبح حقاً للـ «الجيش الحر»، باعتباره الممثل الشرعي للسوريين الذين يطعمهم النظام كل يوم براميل متفجرة بعد أن فقد كل براميل نفطه ومداخيلها.
لو أن النظام السوري قال لا بد من موافقة طهران أو موسكو لكان الأمر منطقياً، فهما دولتان موجودتان فعلاً، وحضورهما في الجزء المتبقي من دمشق وبعض القرى المتناثرة يفوق سلطة وليد المعلم، فكيف يستأذن العابر في حق يخص الثابت والمقيم؟ ما السلطة التي يملكها النظام وجميع معابره ترتفع عليها أعلام شتى، حتى إن المعبر مع لبنان الذي يبدو ظاهرياً تحت سلطته، يخضع عملياً لأعلام «حزب الله».
الواقع يبيّن أن النظام السوري يجب أن يتحول إلى حكومة منفى، فلم تعد له علاقة بسورية من حيث الفعل سوى الإجرام الذي لا يوفر طفلاً ولا امرأة، بينما يجبن عن التحليق في أجواء الرقة خوفاً مما سيصيبه، فهو لا يفهم سوى لغة القوة، سواء أكانت منه أو عليه.
ما الذي يمكن النظام فعله حين يصل التحالف الدولي الرقة؟ بل كيف سيصل إليه الخبر وهو لا يملك أي وجود سوى عبر وسائل الإعلام، لذلك أنصح السيد المعلم أن يجلس إلى «الحدث»، وحين يسمع خبر أول طلعة جوية يصدر بياناً حاداً ينتقد اختراق أراضي الجوار من دون موافقة مسبقة.
شخصياً أتعهد للنظام السوري أن التحالف لن يصل دمشق إلا إذا سيطر عليها «داعش»، أما صاحب الحق الطبيعي فهو «الجيش الحر» الذي يمثل السوريين ويقترب كثيراً من دمشق، بينما النظام مشغول بالاستنجاد بروسيا وإيران، ولدى كل منهما مشاكل تجعله في ذيل القائمة، فلم يبق أمامه سوى ثلاثة خيارات: «داعش»، أو الجيش الحر، أو قوات التحالف.