سكان بلدة التمانعة في سوريا أعدوا أنفسهم عند سماع صوت المروحية التي كان يشير وجودها إلى حصول هجوم وشيك. سقط برميل متفجر, ولكن بعد سماع صوت التفجير المألوف, ملأ غاز سام غير مألوف الجو.
مسعف في القرية أطلق على نفسه اسم أبو نبيل قال في مقابلة أجريت معه عبر السكايب :”لقد كانت رائحة غريبة أزكمت الأنوف وخنقت الناس في المنطقة”.
وأضاف إن الهجوم, كان أحد هجومين حصلا في أسبوعين متتاليين في التمانعة, ومن بين العديد من الهجمات التي حدث عنها السكان الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون حيث قالوا إن إنهم استهدفوا بغاز الكلور السام, وهي مادة ضارة يمكن أن تتسبب في أذى وضرر ولكنها في العادة لا تعتبر سلاحا كيماويا”.
سوريا وبعد أكثر من ثلاث سنوات من الحرب الأهلية, لم يعد يمزقها الكر والفر بين حكومة بشار الأسد والمتمردين, حيث يراوح التقدم مكانه لكلا الطرفين. في الوقت الحالي, ربما يكون للحكومة اليد العليا, ولكن قواتها تضعف وتعتمد بصورة متزايدة على المساعدة الخارجية وهي غير قادرة على استعادة السيطرة على أجزاء كبيرة من البلاد يسيطر عليها حاليا المتمردون والمجموعات المتطرفة.
وبدلا من ذلك, فهي تتبع استراتيجية قاسية وبطيئة للسيطرة على الأراضي التي بوسعها السيطرة عليها وفي نفس الوقت تجعل حياة الناس بائسة في المناطق التي تقع خارج نطاق سيطرتها. الأسلحة المفضلة – البراميل المتفجرة والحصار والتجويع- تعكس تقلص قدرة الحكومة العسكرية إضافة إلى الرغبة المستمرة في استخدام القوة العشوائية.
يقول أندرو تابلر, وهو زميل في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى :” الصراع يتجه للأسوأ, معدلات الموت والنزوح تتزايد, الدول المجاورة تبني مخيمات جديدة للاجئين ولا يظهر الأسد أي مجال لمناورة من شأنها أن تدخل المعارضة في أي شكل من أشكال التسوية”.
ومع استمرار الحرب, واستمرار القتل في كلا طرفي الصراع, يحاول الأسد إعطاء صورة بأنه يسيطر على الوضع ويتجه نحو تحقيق نصر كاسح. فقد دعت حكومته إلى انتخابات رئاسية جديدة – على الرغم من تشريد ثلث سكان البلاد – وعلى الرغم من بعض التأخير, فإن الأسد مستمر في تسليم مخزونه من الأسلحة الكيماوية المعلنة عنها.
ركز الغرب على وقف العنف أو إمكانية الوصول إلى حل تفاوضي لوقف الأزمة في المستقبل القريب. ولكن المضي قدما في الانتخابات, وكما يقول الخبراء, سوف يؤدي كحال تسليم الأسلحة الكيماوية, إلى ترسيخ الأسد وتأكيد تقسيم البلاد الفعلي لفترة طويلة.
أشاد الرئيس أوباما بتقدم البرنامج في مؤتمر صحفي عقده في طوكيو يوم الأربعاء. حيث قال :” ما يجري هو نتاج لقيادة الولايات المتحدة. حقيقة أننا لم نضطر إلى إطلاق الصواريخ لتحقيق ذلك لا يعد عدم احترام للمعايير الدولية, إن ما جرى يمثل نجاحا”.
مع هذه الخلفية, اندفع الأسد إلى الأمام حاملا استراتيجية توجيه العقوبة لمن يعتبرهم اعداء له – وهو ما يعني أن الكثير من المراكز المدنية لم تقصف فقط بل تتعرض للتجويع والان ووفقا لبعض الروايات تقصف بغاز الكلور وتحرم من الحاجات الإنسانية الأساسية.
سرب تقرير من الأمم المتحدة يوم الخميس ذكر فيه تفاصيل المشاكل التي يتعرض لها احد النقاط القليلة التي حصل عليها إجماع دولي عندما مرر مجلس الأمن في فبراير قرارا يدعو إلى الوصول غير المشروط للمساعدات الإنسانية.
حيث رسم التقرير الصادر عن الأمين العام للأمم المتحدة صورة قاتمة حول الشهر الثاني بعد تبني القرار, واتهم فيه الأطراف المتصارعة في كلا الطرفين بمنع وصول المساعدات لما يقرب من ربع مليون سوري.
ومع ذلك, زادت وكالات الأمم المتحدة قليلا من المساعدات الغذائية مما كانت عليه من قبل, ولكنها لم تصل إلا إلى ما يقرب من 262 منطقة محاصرة أو يصعب الوصول إليها في جميع أنحاء البلاد. أكثر الإشارات وضوحا في التقرير تعرضت لمنع وصول المساعدات الطبية, ووصفت ذلك بأنه :” أمر غير مقبول وغير مبرر, وخرق واضح للقانون الدولي العام”.
في بعض الحالات, رفضت الحكومة ضمان الوصول إلى مناطق المعارضة, وفقا للتقرير. وفي حالات أخرى, فإن وجود جماعات متطرفة من المتمردين او مقاتلين آخرين جعل من مهمة إيصال المساعدات أمرا بالغ الخطورة.
وحول الأمر إلى مجلس الأمن, الذي من المقرر أن يناقش الموضوع الأسبوع القادم.
وجاء في التقرير أيضا إن :” المدنيين غير محميين, والوضع الأمني يشهد تدهورا وإن إمكانية إيصال المساعدات الإنسانية لأولئك الذين بحاجة لها لا يشهد أي تقدم”.
الحرب الأهلية بعيدة كل البعد عن نهايتها, مع قيام الأسد وبدعم من ميليشيات مدنية ومقاتلين من حزب الله بالعمل على تشديد قبضتهم على وسط البلاد وطرد المتمردين من المناطق القريبة من الحدود اللبنانية.
في حين يعلن المتمردون تحقيق بعض الانتصارات في مناسبات معينة في بعض المحافظات, إلا أنهم لا زالوا غير قادرين على الوصول إلى المناطق ذات الكثافة السكانية العالية ولا يقدمون سوى القليل من الخدمات والحماية للمجتمعات المدنية المضيفة لهم.
هجمات الكلور الأخيرة, كما يقول معارضو الحكومة, أدت إلى مقتل عدد قليل من الأشخاص, ولكنها اظهرت حجم عدم اكتراث الأسد وعدم خشيته من تحمل مسئولية ذلك.
يقول حسان حسان, وهو كاتب سوري يعمل لصالح صحيفة ذا ناشيونال التي تصدر في أبو ظبي :” هذا أسلوب تخويفي يستخدمه النظام عندما يريد أن يقول إن أمريكا لا تخيفنا وأنه لا زال في وسعنا القيام بذلك”.
وردت تقارير تشير إلى حصول العشرات من هذه الهجمات في الأسابيع الأخيرة, كما بث ناشطون مقاطع فيديو تظهر الضحايا الذين كانوا يرجفون بعنف يتنفسون بصعوبة.
الأسبوع الماضي, نفى بشار الجعفري سفير سوريا في الأمم المتحدة قيام سوريا باستخدام غاز الكلور وقال إنه لم يكن سلاحا كيماويا أيضا, ووصفه بأنه “مكون عادي يستخدم لإزالة البقع عن الغسيل أو لتنظيف أحواض السباحة”. وزير الخارجية الروسي من جانبه قال يوم الجمعة إن التقارير “مفبرك”.
وزارة الخارجية الأمريكية قالت إنها تدرس في التقارير التي أشارت إلى استخدام غاز كيماوي سام, وأن منظمة حظر الأسلحة الكيماوية تعتبر الآن بمثابة لجنة تحقيق منظمة ومختصة في الموضوع, كما ذكرت وكالة رويترز, مشيرة إلى مصادر غير معلومة.
على الرغم على التركيز على الأسلحة الكيماوية, إلا أن الأسلحة التقليدية لا زالت تعتبر الأكثر تسببا في قتل السوريين.
غارة جوية شنتها الطائرات الحكومية في مدينة الأتارب شمال سوريا يوم الخميس استهدفت سوقا للخضار, أدت إلى اشتعال النار في السيارات وتحويلها إلى ركام, ونشرت الجثث في الشوارع, وفقا لمقاطع فيديو بثت على الإنترنت.
أحد المقاطع يظهر رجلا ممسكا بطفل يبدو أنه قتل في الهجوم.
“وين أغانيك, وين رقصاتك”, سألت الأم الثكلى طفلها وهي تقبله من خديه.
ثم وجهت اللعنات إلى الأسد وصرخت في الكاميرا :” إنه في الثالثة من العمر! ما الذنب الذي ارتكبه؟”.
المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يتابع أحداث الصراع من خلال مراسلين يعلمون في الداخل, قال إن ما لا يقل عن 30 شخصا قتلوا في الهجوم.
ومع ارتفاع حدة الحرب, فإن الحكومة السورية مستمرة في التجهيز للانتخابات الرئاسية التي من المفترض أن تجري في 3 يونيو.
هناك مرشحان أحدهما نائب في البرلمان وآخر وزير سابق دخلا فعلا في سباق الرئاسة. الأسد لم يترشح بعد, على الرغم من أنه أشار إلى أنه ينوي القيام بذلك.
معظم المراقبين الخارجيين يرون ان الانتخابات لا تعدو ان تكون مجرد مهزلة.
يقول السيد تابلر, الذي كان في دمشق عام 2007 عندما فاز الأسد بالاستفتاء لقضاء فترة رئاسية جديدة بنسبة وصلت إلى 97.6 من الأصوات:” في الدول الشمولية فإن الأمر مجرد نكتة لا أكثر”.