في كتابها ” مشكلة من الجحيم” كتبت سمانثا باور (سفيرة أمريكا الحالية في الأمم المتحدة) حول سياسة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي فيما يتعلق بالإبادة الجماعية في بوروندي وراوندا ما يلي :” العمليات العادية لبيروقراطية السياسة الخارجية والمجتمع الدولي سمحت بحدوث مداولات وهمية مستمرة ونشاط مكثف وقلق شديد, حتى حينما كان الشعب الرواندي يموت”.
التداول المستمر, والنشاط المعقد والقلق الشديد هي السمة المميزة لمنهج الأمم المتحدة حاليا في الأزمة السورية. متحدثا من دبي الأسبوع الماضي, قال سيمون آدامز, المدير التنفيذي للمركز العالمي لمسئولية الحماية بأن سوريا تشكل أحد أكبر حالات الفشل التي واجهتها الأمم المتحدة في هذا القرن لحد الآن. كما وصفها أيضا بأنها “استعراض غير مسبوق للامبالاة القاسية”.
قرار الأمم المتحدة الأخير رقم 2165, الذي تم تمريره يوم الاثنين هو محاولة لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى 4 مليون سوري سواء في المناطق التي يصعب الوصول إليها أو التي تقع تحت الحصار. وفي جميع الأحوال, فإن القرار يشكل تراجعا كبيرا عما كان مجلس الأمن ذكر أنه مطلوب في السابق.
في محاولة لاسترضاء روسيا والصين, تم تخفيف اللغة للقول بأن مجلس الأمن “أكد” بدلا من “قرر” أنه سوف “يتخذ المزيد من الإجراءات في حال عدم الانصياع لهذا القرار أو القرار رقم 2139 من قبل الطرف السوري”.
برأيي, هذا القرار فارغ تماما.
على مجلس الأمن أن يسترشد بالمبدأ الأول وهو “الحماية من الضرر“. “الجمود الدائم” لمجلس الأمن ربما يعطي الانطباع بوجود مسعى كبير لاسترضاء أولئك الذين يريدون من المجلس التحرك. على كل حال, فإن كل فشل سواء في تمرير قرار مجلس الأمن أو الالتزام بتلك القرارات التي مررت من قبل ربما يكون له عواقب مميتة غير مقصودة.
كما أشار آدامز, حكومة الأسد واعية تماما لما يحدث في مجلس الأمن. حيث يقول آدامز أنه وبعد كل خطأ من مجلس الأمن يصعد بشار الأسد من العنف, ويتلقى ثقة أكبر بأنه لن يكون هناك أي عواقب مترتبة على الفظاعات التي يرتكبها ضد الشعب.
عادة ما يتم انتقاد فشل مجلس الأمن في القيام بأي تحرك مجد لأنه لا يمنع العنف. ولكن تحليل آدامز يوحي بأن فشل مجلس الأمن يساهم فعليا في زيادة مستوى العنف.
مع كل مبادرة مجهضة, يحول الأسد عنفه تجاه الأبرياء الذين عادة ما يستهدفهم. بعبارة أخرى, يمكن لمجلس الأمن أن يؤدي أفضل في حماية الأبرياء إذا توقف عن محاولة الوصول إلى قرارات جديدة في الوقت الذي يسير فيه على بقايا القرارات السابقة.
أفضل مثال على العواقب غير المقصودة لأخطاء المجتمع الدولي حصل في أغسطس الماضي, وذلك بعد استخدام الأسد لغاز السارين في دمشق, مما أدى إلى مقتل المئات من الأشخاص. عندما وصلت أمريكا وروسيا إلى قرار حول الأسلحة الكيماوية, استغل الأسد هذه الفرصة لإحداث دمار أكبر عن طريق استخدام الأسلحة التقليدية. لا يعني ذلك أنه لم يكن من المفترض التوصل إلى اتفاق حول الأسلحة الكيماوية, ولكن ما كان ينبغي السعي إليه بقوة متساوية هو اتفاق حول استخدام الأسلحة التقليدية.
الصحفيون الغربيون عادة ما يشيرون إلى حالات القصف العشوائي كما لو أن الضحايا المدنيين للغارات كانوا قريبين من أهداف عسكرية مشروعة. ولكن الحقيقة هي أن هؤلاء المدنيين هم الهدف المطلوب.
في هذه الحالة أليس من الأفضل العودة إلى مبدأ “الحماية من الضرر”؟ قرار فاشل آخر ربما يعطي الانطباع بأن هناك أشخاص يعملون بجد في نيويورك للوصول إلى حل, ولكن الأمر سوف يتم إدراكه في دمشق على انه جواز مرور لارتكاب فظاعات جديدة, وذلك إذا تم اتباع نمط العمل السابق.
بعيدا عن القضايا السياسية الأوسع, بالنسبة للمنظمات غير الحكومية مثل منظمة “الهدف” العاملة في سوريا, فإن القرار غير مكتمل ويمكن أن يكون خطرا في جميع الأحوال. على عكس المنظمات غير الحكومية, لم تظهر الأمم المتحدة أي قدرة على مراقبة توزيع المساعدات بطريقة صحيحة لضمان وصولها إلى المستفيدين. علاوة على ذلك, من المتوقع أن المساعدات سوف تتعرض للتفتيش عند الحدود, وذلك لموافقة نظام الأسد على قائمة المستفيدين. وبالتالي فإنه من المستبعد تماما أن تصل هذه المساعدات إلى المستفيدين أو أن تنجح هذه المساعي.
إذا كان مجلس الأمن يريد أن يبدو وكأنه يقوم بالعمل لتبرير رواتب الآف من الموظفين الذين يشغلون أنفسهم طوال اليوم أمام أجهزة الحواسيب في نيويورك, فإن عليه أن يعمل على تجاوز الفيتو أو أن يعمل على إزالة ظروف الحالات الإنسانية القاسية. أو أن يقوم بأمر استثنائي من خلال محاولة وضع القرارات السابقة التي تمت الموافقة عليها موضع التنفيذ الصحيح. على سبيل المثال, القرار رقم 2139, الذي مرر في فبراير والذي حظي بإشادة واسعة, يحدد طريقة معقولة وآليات عمل ناجعة لإيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود المحلية لكثير من المناطق التي يصعب الوصول إليها في سوريا.
هناك مثل شعبي مفاده أن الرجال الحكماء يتكلمون لأن لديهم ما يقولونه, ولكن الأغبياء يتكلمون لأنهم يريدوا أن يقولوا شيئا.