السياسة الأميركية الخارجية: استراتيجية جديدة بعيوب قديمة غير فاعلة

Share Button

كان السبب الظاهر لخطاب الرئيس باراك أوباما في كلية ويست بوينت الحربية الأربعاء أن يؤكد مجددًا التزامه بسحب 33 ألف جندي ما زالوا في افغانستان بحلول العام 2016. لكنّScreen shot 2014-03-07 at 7.57.50 PM_0

مسؤولين كبارًا في ادارته قالوا إن هدفين أساسيين آخرين كانا وراء الخطاب. الأول، الشروع في رسم معالم استراتيجيته الأمنية الجديدة لمرحلة ما بعد افغانستان بالارتباط مع مكافحة الجماعات الارهابية في الشرق الأوسط وأفريقيا، وفي الوقت نفسه لجم طموحات روسيا والصين. والثاني، مواجهة منتقدي سياسة أوباما في الداخل، وطمأنة زعماء دول صديقة لا يشعرون بالارتياح إلى سياسته الخارجية. لذا جاء الخطاب حافلًا. ترميم السمعة وإلا! نقل موقع ديلي بيست الاخباري عن مسؤولين أميركيين قولهم إن أوباما سهر ليل الثلاثاء الأربعاء يضيف نقطة تلو أخرى، ويعيد صياغة نقاط عدة. ويبدو أنه يدرك أن قوته بصفته القائد العام للقوات المسلحة ومهندس السياسة الخارجية الأميركية معلقة بخيط واهٍ في الداخل والخارج، وعليه أن يرمم سمعته الآن، وإلا فالانحدار قدره. وهناك من يرى أن أوباما بخطابه الأربعاء استجار برمضاء الشرق الأوسط من نار افغانستان، وابعد من ذلك إلى حرائق أفريقيا الارهابية والقبلية. ويتساءل مراقبون عما حدث لكل تأكيداته بشأن التركيز على منطقة آسيا. ويمكن القول إن أوباما خلَّف وراءه كابوس هجمات 11 ايلول (سبتمبر) والبحث عن اسامة بن لادن لتصفيته.

وكان لسان حاله يقول إن مصدر الخطر الجديد من الارهابيين ليس طالبان وما تبقى من تنظيم القاعدة في افغانستان بقدر ما هو منطقة الشرق الأوسط، مهد الارهاب، كما يراه البعض، وكذلك من معاقل الارهاب الجديدة في ليبيا ومالي ونيجيريا والصومال وبؤر ساخنة أخرى غالبية الأميركيين لا يعرفون اين تقع. وأكد أوباما لجمهوره ايضًا توديع الحروب الأرضية واسعة النطاق كوسيلة لمكافحة الارهابيين “الجدد”. جديدة قديمة لكن استراتيجية أوباما الجديدة تبدو مماثلة إلى حد كبير لاستراتيجيته القديمة، خصوصًا تشديده على الابتعاد عن العمل الأحادي، وتعبئة الحلفاء والشركاء للعمل الجماعي، والاعتماد على العقوبات والعزل، والعمل العسكري متعدد الأطراف، إذا كان عادلًا وضروريًا وفاعلًا. وهذا هو في الحقيقة ما تفعله الولايات المتحدة في افغانستان منذ زمن، وما فعلته في العراق حيث شارك حلفاء الولايات المتحدة بآلاف الجنود. ويرى محللون أن أوباما مصيب في الانسحاب من افغانستان وترك المعركة لأصحابها، الأفغان أنفسهم، لكنهم يأخذون عليه القيام بذلك من دون استراتيجية واضحة، ومن دون خطة لتنظيم جارات افغانستان، كي تبدأ بالتحرك من أجل مصالحها هي وخوض المعركة ضد المتطرفين الاسلاميين في تلك المنطقة. ويصح الشيء نفسه على سوريا، إذا قام بمجهود جديد لاسقاط نظام الرئيس بشار الأسد من دون خطة عملية لها فرصة طيبة للنجاح. لا يُعتد بها لعل أوباما يعتقد أن صندوق مكافحة الارهاب الجديد الذي طلب من الكونغرس تمويله سيميّز سياسته الخارجية. والمفترض أن تُرصد للصندوق 5 مليارات دولار، من أجل دعم الأصدقاء والحلفاء بالسلاح والتدريب وغير ذلك. لكن أوباما، ومن قبله جورج بوش، انفقا مئات المليارات على التسليح والمساعدات الاقتصادية في افغانستان والعراق، ورغم ذلك جاءت النتائج متواضعة، بل لا يُعتد بها. وسيتعين على أوباما أن يقدم أكثر مما طرحه في خطابه، ليثبت أن استراتيجيته هي حقًا استراتيجية جديدة، ويمكن أن تكون استراتيجية فاعلة، وأن مدرسته في الركون إلى خطوات صغيرة لن تؤدي إلى خطوات أكبر لاحقًا في مواجهة اخفاقات محتملة كما حدث في العراق وافغانستان. من دون استراتيجية المطلوب من أوباما أن يرسم استراتيجية تحدد كيف تستطيع الدول الأخرى أن تساعد الافغان على الحد من مخاطر نهوض طالبان من جديد.

وهناك أساس معقول لذلك، يتمثل في أن جميع الدول المجاورة لافغانستان تقريبًا لديها مصلحة في مستقبل هذا البلد أكبر من مصلحة الولايات المتحدة. فهي الأشد تعرضًا لخطر المتطرفين الارهابيين الافغان وتجارة المخدرات وتدفق اللاجئين. وفي سوريا، يتحرك أوباما لتدريب فصائل معتدلة في المعارضة علنًا، بالاضافة إلى المساعدات التي تتولى تقديمها وكالة المخابرات المركزية بعيدًا عن الأنظار. ويرى محللون أن زيادة الدعم للمعارضة السورية لن تكون مجدية إلا إذا صاغ البيت الأبيض استراتيجية صالحة لسوريا، تأخذ في الاعتبار أن الأسد إذا كان لا يربح حربه ضد الشعب والمعارضة فانه ليس في طريقه إلى الهزيمة. وما من مساعدة مهما بلغ حجمها للفصائل المعتدلة ستغيّر هذه الحقيقة المرة لكنها حقيقة لا مراء فيها من دون استراتيجية جديدة فاعلة.

أرض مهزوزة يعني هذا أن على أوباما أن يغير طريقته ويقدم مساعدات ذات معنى للمعارضة، وهذا ما لن يفعله كما هو واضح حتى الآن، أو عليه أن يغير هدفه في اسقاط الأسد، كما يقترح الكاتب والمسؤول السابق في الحكومة الأميركية ليسلي غيلب، ناقلًا عن مسؤولين كبار في ادارة أوباما أن الرئيس أخذ فعلًا يغيّر هدفه، وهو مستعد الآن للعمل مع الأسد إلى حد ما، فضلًا عن العمل مع الفصائل المعتدلة من المعارضة ضد الجهاديين الذين أصبح البيت الأبيض يرى انهم الخطر الحقيقي والرئيسي. ويذهب هؤلاء المسؤولون أبعد من ذلك قائلين إنهم يتوقعون من خصوم ومنتقدين لادارة أوباما أن يؤيدوا هذه السياسة الجديدة، بمن فيهم دول خليجية كبيرة. اختتم أوباما خطابه منوّهًا بقوة الولايات المتحدة مقارنة مع دول العالم الأخرى. والحق أن الولايات المتحدة ما زالت تمتلك اقوى جيش وأكبر اقتصاد في العالم، لكنها بقيادة أوباما ما زالت تقف على ارض مهزوزة، مع الأصدقاء والأعداء على السواء.

 

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 648 من الديمقراطي

صدر العدد الجديد 648 من جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، ...