“صباح الخير” قال المذيع على أثير التلفزيون السوري. فرد عليه المراسل السعيد من أحد مراكز الاقتراع “صباح الديمقراطية” مع توجه الرئيس بشار الأسد إلى صندوق الاقتراع
في 3 يوينو ليدلي بصوته. ومع تحقيقه الفوز لفترة ثالثة تستمر سبع سنوات بنسبة تصل إلى 89% من أصوات الناخبين, يأمل الأسد بأن الانتخابات التي عقدت فقط في نصف المناطق المأهولة من البلاد والتي تسيطر عليها قواته نسبيا, سوف توفر لنظامه شرعية جديدة. والأمر الأكثر أهمية أنها تظهر أنه يسيطر عسكريا على الأرض وربما حتى أنه بدأ بدفع مد متمردي المعارضة إلى الخلف.
كان التقدم بطيئا, ولكن خلال التسعة شهور الماضية أو ما يقرب من ذلك تقدم النظام على الأرض, والفضل في ذلك يعود إلى حزب الله اللبناني الشيعي, والمرتزقة المتنوعين والجيش الموازي الذي يحظى بتدريب إيراني والذي يطلق عليه اسم جيش الدفاع الوطني. قبل عام أخرج المتمردون من القصير, على الحدود اللبنانية. وفي شهر مارس من هذا العام طردوا من القلمون, مما قطع خطوط إمداد المتمردين. والآن يتعرض المتمردون لخطر الحصار في حلب, المدينة الشمالية التي كانت منقسمة بين النظام والمتمردين خلال العامين الماضيين.
تعتمد قوات النظام على الدعم الخارجي (خصوصا من إيران وروسيا) والأساليب الوحشية, التي تتضمن استخدام غاز السارين والبراميل المتفجرة ضد المدنيين ومنع وصول المساعدات إلى سوريا عن طريق تركيا. ولكن لدى الأسد مزايا أخرى أيضا. حيث يملك استراتيجية أوضح من تلك التي لدى المعارضة. وهو يعمل بصورة أكثر تنسيقا ويحصل على دعم سخي من حلفائه. ولا يعاني من الانقسامات الداخلية التي يعاني منها المتمردون.
خلال الشهور الستة الماضية تحول المتمردون من حربهم ضد الأسد إلى جبهة أخرى ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام, وهي من أكثر الجماعات الجهادية تطرفا والتي تحوي على أكبر عدد من المقاتلين. حتى جبهة النصرة التي حظيت بمباركة القاعدة كفرع لها في سوريا, تقاتل ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام.
وجود الجهاديين منع سابقا الداعمين المحتملين في الغرب والخليج من إرسال المزيد من المساعدات العسكرية, بسبب عدم تأكدهم في يد من سوف تقع هذه الأسلحة. تركيا, التي تسيطر على طرق الإمداد الرئيسة للمتمردين, أغلقت ثلاثة معابر تسيطر عليها الدولة الإسلامية في العراق والشام. كما أنها وضعت جبهة النصرة على قائمة الجماعات الإرهابية.
مؤخرا, بدأ حلفاء المتمردين المعروفين – خصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وقطر والسعودية- بزيادة جهودهم لمساعدة أولئك الذين يرون أنهم يستحقون المساعدة. حيث يشعرون بالامتنان لهم بسبب شنهم الحرب ضد الدولة الإسلامية. كما أنهم ينسقون الجهود لمساعدتهم بصورة أفضل. عدد متزايد من المقاتلين المختارين في كل من شمال وجنوب سوريا يتلقون التدريب في الأردن وقطر والسعودية, ويعطون أموالا ليقدموا الرواتب كما أنهم يزودون بمضادات الدبابات على الرغم من أن الكميات المقدمة لا زالت محدودة. في هذه الأثناء, يقال إن الممولين الخليجيين قطعوا تمويلهم عن بعض الجماعات الإسلامية الأكثر تشددا, بما فيها الجبهة الإسلامية وهي عبارة عن تحالف يسيطر عليه أحرار الشام وهي جماعة سلفية.
نتيجة لذلك, فإن المتمردين خصوصا أولئك الذين يتلقون الدعم الجديد, نجحوا في التقدم قليلا – في محافظة حماة في الشمال وفي إدلب وغرب حلب, إضافة إلى القنيطرة القريبة من الحدود مع إسرائيل. المساعدات التي قدمت مؤخرا كانت قليلة جدا بحيث أنها لا يمكن أن تغير موازين القوة على الأرض, ولكنها غيرت الدينامية بين المتمردين أنفسهم .الجماعات المعتدلة التي لم تكن موجودة من قبل مثل حركة حزم, أو التي ضعفت بشكل ملحوظ قبل ستة شهور مثل الجبهة الثورية السورية, تم ضخ النفس فيهم ومساعدتهم بشكل ملحوظ.
في نفس الوقت , الجماعات الأخرى, بما فيها الإسلامية, يتدافعون ليصوروا أنفسهم بأنهم أكثر اعتدالا. في 17 مايو وقعوا وثيقة مبادئ فيما بينهم . يقول محب الدين الشامي من مكتب الجبهة الإسلامية في اسطنبول :” الهدف هو إعادة التأكيد على مبادئ الثورة الأصلية والمتمثلة في إسقاط النظام والحصول على الحرية”. وفي الجبهة الجنوبية, اتفقت مجموعة من الجماعات المعتدلة من دمشق والجنوب على مدونة للسلوك أيضا.
من وجهة نظر الحكومات الغربية, خصوصا الأمريكية, فإن مصدر القلق الأكبر يتمثل في أن الحرب الأهلية ربما تؤدي إلى انتشار الإرهاب – في سوريا وفي بلادهم وبالتالي فإن هذا ما يبرر حرصهم على رؤية الدولة الإسلامية في العراق والشام تتراجع على يد المتمردين المعتدلين . منذ يناير بدأت عملية طرد الدولة الإسلامية من محافظة إدلب ومدينة حلب واضطرت إلى الإنسحاب إلى ريف المدينة الشرقي والعودة إلى معقلها القوي في الرقة بعيدا في الشرق وهي المحافظة الوحيدة التي خرجت برمتها عن سيطرة الأسد.
الدولة الإسلامية في العراق والشام من جانبها, بالكاد قاتلت النظام بقدر ما عملت على إنشاء مخابراتها الخاصة وقاتلت خصومها من المتمردين في دير الزور في الشرق, في الواقع هناك دلائل على تعاون الدولة الإسلامية بصورة سرية مع نظام الأسد. بعض الجماعات المناوئة للدولة الإسلامية حولت نصف قواتها لهذه الجبهة الثانية. الدولة الإسلامية مدعومة بشكل كبير بالتعويضات التي حصلت عليها بسبب اختطافها للصحفيين. عندما واجهت القوات الحكومية, كان هدفها في الواقع الحصول على الأسلحة وليس السيطرة على الأرض. يقول صيدلاني من دير الزرو :” هذه أيام المجرمين؛ الأسد والدولة الإسلامية في الشام والعراق يحرزون النصر”.
علامة الاستفهام الأكبر التي تسيطر على نوايا الداعمين الرئيسيين للمعارضة, خاصة أمريكا هو كما تقول نعوم بونسي من مجموعات الأزمات الدولية في بروكسل : “الأسلوب الاستراتيجي سوف يتضمن زيادة الدعم للمجموعات الموثوقة غير المؤدلجة”. ولكن السياسة الأمريكية ليست واضحة بعد. قبل أن يلقي خطاب السياسة الخارجية في 28 مايو, قيل إن باراك أوباما كان لا زال مرتبكا مرة أخرى حيال مساعدة المتمردين. وفقا لإحدى التحليلات في واشنطن فإن الهدف هو تقديم مساعدات للمتمردين للتحرك كقوة مواجهة إرهاب فعالة ضد جماعات مثل الدولة الإسلامية, ولكن ليس بالقدر الكافي لترجيح كفتهم ضد الأسد. يقول دافيد ريتشارد وهو قائد متقاعد من الجيش البريطاني :” إما أن تشكل جبشا أو لا تقوم بشئ”.
إذا استمر المتمردون في تلقي الأسلحة الخفيفة, والقليل من مضادات الدبابات وعدم تلقي أي مضادات طائرات فإن خطوط المعركة سوف تترسخ أكثر فأكثر, مما سوف يؤدي إلى بداية تقسيم للبلاد. حيث يمكن أن تسيطر جماعات متخاصمة مختلفة على أجزاء من الأراضي ويشمل ذلك الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وحزب الاتحاد الديمقراطي وهو حزب كردي يعرف باسم بي واي دي والذي يبدو أنه يتعاون مع الأسد ويسيطر على أجزاء من الشمال. جبهة النصرة بدأت تنمو في الجنوب ويعود ذلك في جزء منه إلى أنها تدفع رواتب للمقاتلين تصل إلى ما بين 100-200 دولار أمريكي في الشهر.
ونتيجة لذلك فإن الفوضى الدامية سوف تكون هي السائدة, دون أن يحقق أي طرف النصر. العديد من السوريين في دمشق يكرهون النظام, ولكنهم في نفس الوقت لا يفضلون المعارضة كثيرا, حيث يرون أنها خسرت أو على الأقل لم تربح على أرض المعركة. والأهم من ذلك كله أن العديد من السوريين الآن يريدون أن تتوقف الحرب بأي ثمن كان. يقول أبو حمزة وهو قائد مجموعة متمردة في القابون,وهي ضاحية من ضواحي دمشق مبينا لماذا ينضم المقاتلون للجماعات المتطرفة مثل جبهة النصرة :” في النهاية أدركنا أن الناس يريدون أن يأكلوا”. هذه الحقيقة الصادمة, وليس الحديث عن شرعية كاذبة وفرتها الانتخابات الزائفة هذا الأسبوع, هي أحد الأسباب التي تبين سبب بقاء الأسد في السلطة لحد الآن.