احتدم أمس التنافس الدولي لـ «تثبيت النفوذ» داخل الأراضي السورية، فاستبق وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس اجتماع الدول الضامنة غداً الذي وصفته موسكو بـ «الاستثنائي»، وأكد أن بلاده «قد تأسف حال سحبت قواتها»، وأضاف أن باريس أرسلت تعزيزات من القوات الخاصة إلى شمال سورية، في تأكيد لأنباء كانت أغضبت أنقرة بشدة. بموازاة ذلك، دخلت إسرائيل على الخط، وكشفت بالخرائط عن قواعد إيرانية قريبة من دمشق، في تلويح جديد بإمكان استهدافها.
وتوقع ماتيس، خلال جلسة استماع في لجنة شؤون القوات المسلحة داخل مجلس الشيوخ الأميركي، «حصول دفعة جديدة في جهود مكافحة داعش» في الأيام المقبلة. معلناً أن بلاده تعتزم «توسيع محاربة التنظيم من خلال إشراك دول المنطقة، وهذا أكبر تغيير نقوم به الآن». وأكد: «نحن لا نسحب قواتنا الآن»، مشيراً إلى أن إرهابيي «داعش» يكثفون عملياتهم. ولدى سؤاله إذا كان وجود شركاء محليين من دون قوات أميركية يشكل مخاطرة، قال ماتيس: «أنا واثق أننا على الأرجح سنأسف على ذلك». وكشف أن «الفرنسيين أرسلوا قوات خاصة إلى سورية لتعزيز مهمتنا خلال الأسبوعين الماضيين». وزاد: «ستشهدون جهداً جديداً في وادي الفرات في الأيام المقبلة».
وبدا أمس أن ثمة تنافساً بين المسارات السياسية الثلاثة الخاصة بسورية، جنيف وآستانة وسوتشي. ففي باريس، عقد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان مساء أمس اجتماعاً ضم نظراءه البريطاني بوريس جونسون، والسعودي عادل الجبير، والأردني أيمن الصفدي، في إطار ما يسمى بـ «المجموعة المصغرة»، في حضور ممثل عن الولايات المتحدة، وشاركت فيه للمرة الأولى ألمانيا، وتم خلاله التباحث في المسار السياسي لتسوية النزاع في سورية. وقال مصدر فرنسي مطلع إن الاجتماع، الذي عقد على هامش مؤتمر مكافحة تمويل الإرهاب، «استهدف إعادة تعبئة الشركاء من أجل مواصلة الجهود التي بدأتها فرنسا بعد الضربة العسكرية في سورية». وأكد «وجود عزم مشترك على المساهمة بنشاط في تسوية النزاع السوري، وإعادة إحياء مسار جنيف، والتقدم على صعيد إنشاء اللجنة الدستورية». ولفت إلى أن انضمام ألمانيا يرجع الى «كونها المموّل الأول في أوروبا لمقتضيات الأزمة السورية».
وتستبق تلك التحركات اجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث الضامنة، روسيا وتركيا وإيران، في موسكو غداً، الذي من المنتظر أن يتطرق إلى تنسيق مواقف البلدان الثلاثة في ضوء التطورات العسكرية على الأرض، ومستقبل الحراك السياسي.
ووصفت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، في مؤتمر صحافي أمس، اللقاء بـ «الاستثنائي»، فيما أشار بيان للخارجية التركية أن الاجتماع «سيتناول جميع أبعاد التعاون الجاري في إطار آلية آستانة، كما أنه سيتناول الخطوات في المستقبل». أما مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا، فأكد أن «عملية آستانة استنفدت طاقاتها بالكامل نظراً للعدد المحدود من الأطراف المنخرطة فيها». وأوضح في لقاء مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، أن المفاوضات بهذا الشكل «كانت مبادرة جيدة، لكن دعونا ننظر إليها من منظور آخر. ثلاثة بلدان فقط منخرطة فيها وليس 15… كان من المفترض أن تؤدي العملية إلى وقف تصعيد النزاع، ولكن التصعيد وقع». وأشار إلى أن مسار «سوتشي، كان سيعتبر مبادرة ممتازة للحوار السوري، لو نجم عنه تنظيم اللجنة الدستورية، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن».
بالتزامن مع ذلك، قال مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة داني دانون خلال اجتماع لمجلس الأمن أمس، إن إيران جندت أكثر من 80 ألف مقاتل شيعي في سورية. وأضاف ملوحاً بخريطة: «ما تستطيعون رؤيته هنا هو مركز إيران المركزي للحشد والتجنيد في سورية… في هذه القاعدة التي تبعد ما يزيد قليلاً عن خمسة أميال عن دمشق، يتدربون للقيام بأعمال إرهابية في سورية وأنحاء المنطقة».
ولا تخفي إسرائيل انزعاجها من الإعلان الروسي رسمياً بأن موسكو ستزود سورية منظومة الدفاع الجوية المتطورة «أس 300». ويعتبر معلقون عسكريون أن القرار الروسي هو رسالة للولايات المتحدة قبل أن تكون لإسرائيل، مفادها أن روسيا هي التي تقرر مستقبل التطورات في سورية. وكتب أحدهم أنه بالرغم من أن تفعيل هذه المنظومة قد يستغرق وقتاً، لكن تزويدها لسورية يعتبر أخباراً ليست سارة لإسرائيل، «إذ أن من شأنها أن تحدّ من الطلعات الإسرائيلية الجوية اليومية تقريباً في سماء سورية».