الانتخابات التركية… أرقام ودلالات ومؤشرات

Share Button

تعكس القوائم التي وافقت عليها اللجنة الانتخابية طبيعة الحراك السياسي الجاري في المشهد التركي، قبل نحو شهرين من موعد الانتخابات البرTurkey Kurds Electionلمانية المقررة في السابع من حزيران (يونيو) المقبل، حيث ستكون هذه الانتخابات مفصلية في الحياة السياسية التركية، نظراً إلى أن البلاد لن تشهد أية انتخابات بعد هذا التاريخ بنحو أربع سنوات. يشارك في هذه الانتخابات 20 حزباً من أصل 31، تتنافس على 550 مقعداً وسط استحقاقات سياسية كبيرة، تتعلق بثلاث قضايا أساسية، هي: الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي كما يرغب أردوغان، وعملية المصالحة التركية – الكردية، ووضع دستور جديد للبلاد.

في قراءة أولية لخريطة القوى المتنافسة في هذه الانتخابات، يمكن التوقف عند خمس قوى أساسية، هي:

1- حزب العدالة والتنمية الحاكم، يمكن القول أن السمة البارزة لقوائم الحزب هي خروج أكثر من أربعين في المئة من النواب السابقين من قائمة المرشحين استناداً إلى المادة الرابعة من النظام الداخلي للحزب، والتي تمنع النائب من الترشح لدورة رابعة، وتعكس القائمة الجديدة للمرشحين توازناً دقيقاً بين أنصار الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، والسمة البارزة للقائمة، هي غلبة نفوذ المحافظين على حساب الإصلاحيين، ومع أن الحزب كان قرر إبعاد الذين لهم علاقة قرابة بالقيادة العليا إلا أنه لوحظ وجود 14 اسماً مقرباً من أردوغان أبرزها اسم صهره براءة البيراق زوج ابنته الكبرى إسراء. كما لوحظ في القوائم وجود 42 سيدة محجبة من أصل 99 مرشحة.

2- حزب الشعب الديموقراطي الكردي، لعل المؤشر الأهم لهذا الحزب هو قراره خوض معركة الانتخابات كحزب مستقل للمرة الأولى بعد ان كان الأكراد يخوضون الانتخابات البرلمانية كمستقل، ومن ثم تشكيل حزب سياسي جديد من داخل البرلمان، وكان هذا الأسلوب بمثابة التفاف على القانون الذي يفرض الحصول على 10 في المئة من الأصوات للدخول إلى البرلمان، وعليه ثمة من يرى أن قرار الحزب كان بمثابة مغامرة سياسية فيما يرى كثيرون أن الحزب سيتجاوز هذه النسبة، بخاصة بعد أن حصل المرشح الكردي للانتخابات الرئاسية صلاح الدين ديميرتاش على نحو 10 في المئة من الأصوات، ولعل ما شجع الحزب على اتخاذ مثل هذا القرار هو زيادة نفوذه في الوسطين الكردي والتركي، بخاصة مع انطلاق عملية السلام بين حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية. ولعل السمة الثانية البارزة لهذه القائمه هي الصبغة اليسارية بشقيها الكردي والتركي. والسمة الثالثة هي زيادة نسبة السيدات في القائمة، إذ بلغ عددهم 268 سيدة مقابل 262 رجلاً، وهذه أعلى نسبة من السيدات في قوائم الأحزاب التركية المرشحة لهذه الانتخابات.

3- حزب الحركة القومية، السمة البارزة لقائمة هذا الحزب هي محاولة التوافق مع الأوساط القومية التقليدية، وترشيحه المرشح الرئاسي السابق والأمين العام السابق لمنظمة التعاون الإسلامي البروفيسور أكمل إحسان الدين أوغلو على قائمته عن مدينة إسطنبول، وكذلك محاولته تعزيز العنصر النسائي في قائمته حيث لوحظ وجود 61 سيدة في القائمة.

4– حزب الشعب الجمهوري، لعل السمة البارزة لقائمته وجود عدد كبير من الإعلاميين ورجال المال والأعمال والاقتصاد، وهو ما يشير إلى رغبة كبيرة في التغيير الأيديولوجي وطرح برنامج اقتصادي في مواجهة حزب العدالة والتنمية الذي نجح بفضل هذا الملف في توجيه ضربات قاسية لحزب الشعب الجمهوري الذي يعد من أعرق واقدم الأحزاب التركية، إذ إنه يعد الوريث التاريخي لحزب أتاتورك، وقد لوحظ أيضاً وجود عدد كبير من النساء في قائمته حيث بلغ عددهن 103 مرشحات.

5- تحالف حزب الاتحاد الكبير بزعامة مصطفى ديستجي مع حزبة السعادة الذي يمثل إرث زعيمه الراحل نجم الدين أربكان، ويحاول هذا التحالف ضم الأوساط القومية والإسلامية المعارضة لحزب العدالة والتنمية إلى صفوفه، ويقال أن الحزب نجح في ضم كتلة وزير الداخلية السابق نعيم إدريس إليه عن مدينة إزمير، ومعروف أن إدريس كان من أتباع جماعة الداعية فتح الله غولن، حيث حاولت حكومة حزب العدالة والتنمية بأقصى ما تستطيع إبعاد أتباع غولن من القوائم الانتخابية. واللافت هنا هو دعوة حزب السعادة لحزب الحركة القومية بزعامة دولت باهجلي للانضمام إلى التحالف الجديد مقابل تجاهل حزب السعادة دعوة حزب العدالة والتنمية له لتشكيل تحالف انتخابي، وإذا ما لبى حزب الحركة القومية دعوة حزب السعادة، فإنه من شأن هذا التحالف أن يصبح قوة مؤثرة في حساب حزب العدالة والتنمية نظراً إلى أن جمهور الطرفين هو من المنابت القومية والدينية نفسها. من دون شك هذه الانتخابات ستكون مفصلية في الحياة السياسية التركية في المرحلة المقبلة، لا لاختلاف الأجندة السياسية للأحزاب المتنافسة، بل لما سيترتب على نتائج هذه الانتخابات من أولويات واستحقاقات سياسية ستؤثر في تحديد طبيعة السياسة التركية في الداخل والخارج وكيفية إدارة المرحلة المقبلة. فحزب العدالة والتنمية يسعى إلى الفوز بـ367 صوتاً كي يتمكن من تمرير النظام الرئاسي في البرلمان من دون الحاجة إلى التحالف مع حزب آخر، وإن لم يكن ذلك ممكناً فإلى 330 صوتاً كي يتمكن من إجراء استفتاء حول النظام الرئاسي مع أن لا مؤشر إلى الآن إلى إمكان نيله مثل هذه الأصوات. في المقابل، فإن حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية يريدان الفوز بأكبر نسبة من الأصوات لكسر احتكار حزب العدالة والتنمية للسلطة من خلال غالبيته في البرلمان وسيطرته على الرئاسات الثلاث (البرلمان، الحكومة، الجمهورية) وإذا ما نجح الحزبان إلى جانب حزب الشعوب الديموقراطية الكردي في هذه المهمة، فإن المشهد التركي سيتغير في شكل كبير، إذ من شأنه الانتقال إلى حكومة ائتلافية ليس بالضرورة أن يكون رئيساً الحكومة والبرلمان من حزب العدالة والتنمية، وهو ما سيعمق من جروح أردوغان ويصعب من تحقيقه تطلعاته الكبيرة. إلا أن الاستحقاق الأهم هنا يتعلق بنتيجة حزب الشعوب الديموقراطي الكردي، فإذا تجاوز نسبة 10 في المئة فسنكون أمام مشهد كردي جديد في عموم تركيا لعل من أهم ملامحه:

1- تحول الأكراد إلى قوة برلمانية كبيرة تقدر بحدود 60 نائباً، بما يعني أنهم سيصبحون قوة مؤثرة في كل القرارات والنواحي الدستورية والقانونية في الحياة العامة التركية.

2- إن عملية السلام بين الأكراد وتركيا ستدخل مرحلة جديدة، وربما يصبح حزب الشعوب الديموقراطية القوة الأكثر تأثيراً في هذا المجال، بخاصة أنه يحظى بدعم من عبدالله أوجلان ورعايته، بما يعني رفع سقف الحقوق وشروط التفاوض مع الجانب التركي.

3- صعود نفوذ اليسار بشقيه الكردي والتركي، وهو صعود يجمع بين اليسار التركي التقليدي الذي عاد من جديد إلى الساحة عبر عمليات أمنية في المدن الكبرى وبين التطلع إلى استلهام تجربة صعود اليسار في اليونان أخيراً.

4- في حال عدم حصول الحزب على نسبة 10 في المئة، فإن ثمة مًن يرى أن مسار العلاقة بين الأكراد والحكومة التركية سيتجه نحو صــدام كبير، ليس لأن أصوات الحزب ستــذهب إلى حزب العدالة والتنمية وفقاً لقـــانون الانتخابات التركي، بل لأن الأكراد سيتجهون إلى تشكيل برلمان محلي في دياربكر تطلعاً إلى شكل من أشكال الحكم المحلي كما تقول مصادر الحزب، وهو ما يعـــــني بالنسبة إلى أنقرة شكلاً من أشكال الانفصال الذي لن تقـــبل به حتى لو اضطرت لخوض حرب جديدة مع حزب العمال الكـــردستـــاني. مهما يكن، فمن الواضح، أن معركة الانتخابات التركية ســـتكون ساخنــة ومفــــصلية وحافلة بالمفاجآت والاحتمالات.

 

 

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 648 من الديمقراطي

صدر العدد الجديد 648 من جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، ...