اردوغان بين نزعة الانتقام وحكم القانون – حسن جنكو

Share Button

تميز العقد الأخير من حكم أردوغان لتركيا بنجاح نسبي في العديد من المجالات على الصعيدين الداخلي والخارجي، حيث تمكنت 13820565_1120351974692568_1325202316_nحكومة العدالة والتنمية بقيادة أردوغان من تحقيق مكاسب اقتصادية مهمة وبوتيرة متسارعة فضلا عن تحييد المؤسسة العسكرية، ومحاولة إبعادها عن الحياة العامة، خطوات دفعت بالناخب التركي ليجدد الثقة بهذه الحكومة لأكثر من دورة انتخابية، لا سيما بعد انفتاحها على الكرد وإفساح المجال لهم للتعبير عن حضورهم ومشاركتهم في مؤسسات الدولة، وإجراء مفاوضات غير مباشرة مع حزب العمال الكردستاني في مسعى لإنهاء القتال الذي أنهك هذا البلد لعقود من الزمن ما أنعش الآمال لدى الشعبين الكردي والتركي بتطويق القضايا الخلافية بين الطرفين، وإيجاد حل سياسي لهذه القضية التي كلفت تركيا أثمانا باهظة ماديا وبشريا، كما أن الانفتاح على المحيط الاقليمي وتطبيع العلاقات مع العديد من الدول العربية وغيرها مكاسب تسجل لهذه الحكومة التي كان من الممكن أن تتبوأ موقعا رياديا في منطقة تغلي بالصراع والاحتراب، وتسهم في حل الكثير من القضايا والملفات الشائكة في جوارها العربي. لكن مسيرة النجاحات تلك لم تستكمل بل توقفت خاصة بعد ثورات الربيع العربي التي أنتجت حكومات ذات طابع إسلامي، وبروز الجماعات الجهادية المسلحة في أكثر من ميدان واستهتارها بقيم الدولة المدنية والحياة الديمقراطية.
تراجع أردوغان عن إرثه السابق المعروف بالاعتدال ليكون حاضرا في تأييده للمتطرفين الإسلاميين، ليدخل في أزمة سياسية مع مصر بعد عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي، ويجعل من تركيا محطة عبور للمتشددين القادمين من أوربا وغيرها للقتال في سوريا خاصة بعد بروز دور حزب الاتحاد الديمقراطي(PYD) في كردستان سوريا، والتوقف عن مفاوضات السلام مع حزب العامل الكردستاني في تركيا. سياسات بدت للمتابعين غير موفقة لا سيما بعد محاولاته تحويل نظام الحكم في تركيا من برلماني إلى رئاسي لاستحواذ كل السلطات والتحكم بكافة مفاصل الحكم والإدارة ليأتيه الرد الأول للتعبير عن الامتعاض من تلك السياسات استقالة عبدالله غول من رئاسة الجمهورية كأقرب المقربين لأردوغان وأحد أبرز رموز حزب العدالة والتنمية، ومن بعده داوود أوغلو رئيس وزرائه السابق.
إجراءات أردوغان وسياساته كوّنت انطباعا سلبيا لدى العديد من الأوساط داخل تركيا وخارجها بعد تصريحاته التي أوحت بأنه رجل سلام ويقف مع المظلومين وأن لديه المقدرة في تحريك الملفات المعقدة وحلها، تورط أردوغان في دعم داعش وغيرها من الجماعات المسلحة، ودخل في أزمة حقيقية مع روسيا إثر إسقاط القوات التركية للطائرة الروسية، واعتبار روسيا دولة معتدية تعادي طموحات الشعب السوري، فضلا عن العلاقات المتأزمة أصلا مع إسرائيل، بسبب حادث سفينة الحرية، وعدوله عن تلك المواقف بين ليلة وضحاها ليقدم الاعتذار لروسيا، وربما عاجلا يعتذر لنظام الحكم في سوريا لتطبيع العلاقات مع أعداء الأمس دون مقدمات، خطوات أفقدته توازنه وكل ما بناه في السابق ليسقط مريعا على الأقل أمام المعجبين بسياساته .
إذا ، أردوغان بات على مفترق الطرق بعد محاولة الانقلاب الفاشلة والأحداث الدراماتيكية في داخل تركيا وخارجها، فالشعب التركي الذي هبّ لنجدة الحكومة الشرعية إنما كان بدافع حماية القانون والدولة المدنية ورفض سلطة العسكر لا حبا بشخص أردوغان وتكتيكاته المريبة، حيث لم يرفع أحد من المناوئين للانقلاب العسكري صورة أردوغان، وإنما خرجوا للميادين والشوارع تحت العلم التركي فقط.
إن قوة حكومة أردوغان نابع من إرادة الشعب والديمقراطية النسبية، فلا يمكن أن يُكتب لهذه الحكومة النجاح برغبة أردوغان الانتقامية وتصفية خصومه المشاركين في الانقلاب، فالانتقام يولد الانتقام وربما يُدخل تركيا في متاهات لا يمكن الخروج منها، كما لا يجوز لأردوغان أن يضع الشعب التركي أمام أمرين أحلاهما مرّ أولها القبول بدكتاتورية أردوغان الغاضب الراغب في الانتقام من خصومه، وثانيها حكم الجيش الذي ذاق الشعب التركي بكل أطيافه أنواع المرارة وخاصة الشعب الكردي.
ليس هناك خيار لحل القضايا التي تعاني منها تركيا اليوم، سوى العودة إلى حكم القانون لتأخذ العدالة مجراها في محاكمة المتورطين في الانقلاب العسكري الفاشل، ووقف العمليات العسكرية ضد الشعب الكردي والعودة إلى مفاوضات السلام مع حزب العمال الكردستاني، وحل القضية الكردية حلا ديمقراطيا ينصف هذا الشعب الذي عانى طويلا من الظلم والاضطهاد، وإحساسه بأنه شريك حقيقي في بناء الدولة، ولديه كل الحقوق وتقع على عاتقه كل الواجبات التي تقرها دساتير الدولة التركية على أسس العدالة والمساواة بين جميع المواطنين على اختلاف انتماءاتهم السياسية والدينية والعرقية. عندها يمكن أن تستقيم الأوضاع في تركيا، ويهتدي القائد المهزوز بمؤشر البوصلة في الاتجاه الذي يجنب تركيا مما يخبئه قادم الأيام.

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 648 من الديمقراطي

صدر العدد الجديد 648 من جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، ...