إبراهيم حاج عبدي: «شخصيات طارئة» !

Share Button

لم تتوقف تداعيات الأزمة السورية عند حد، إذ عصفت، خلال أكثر من أربع سنوات، بكل شيء، ففضلاً عن 204 - الحياةالدمار والقتلى أحدثت تغييراً في الذهنية وتعديلاً في المفاهيم، وكان للدراما التلفزيونية نصيب وافر من هذا التبدل الطارئ.

حتى وقت قريب كانت الشخصية الكردية غائبة تماماً عن الدراما السورية التي حرصت لعقود على إغفال أي حضور للأكراد الذين يمثلون، وفق إحصاءات تقديرية، نحو 15 في المئة من سكان سورية. كان الرقيب البعثي السوري متوجساً من مفردة الكردي وحذراً في تمرير أي إشارة أو تلميح يدلل عليها. كانت الدراما السورية تجسد، بمعنى من المعاني، صورة وطن يتباهى بـ»الرسالة الخالدة» وبشعب متجانس لا مكان فيه لغريب الوجه واليد واللسان.

لكن هذا «الفلتر البعثي العروبي» تمزق على نحو أفرز شخصيات كردية باتت تظهر بسخاء في مسلسلات سورية انتجت في الآونة الأخيرة، مثل «بانتظار الياسمين» و»دامسكو» و»قلم حمرة» وغيرها. وإذا كانت الشخصية الكردية، الفريدة في ظهورها، والتي أدت أغنية باللغة الكردية في فيلم «وقائع العام المقبل» لسمير ذكرى في ثمانينات القرن الماضي قد شكلت «فتحاً درامياً»، فإن هذه الشخصية باتت تظهر في الدراما التلفزيونية بزخم لا يمكن تفسيره سوى بـ «تطويع الدراما» لأغراض سياسية آنية.

السينما، بدورها، رحبت بهذه الشخصية على نحو لافت كما هي الحال في فيلم «الرابعة بتوقيت الفردوس» الذي انتجته مؤسسة السينما السورية، أخيراً، وأخرجه محمد عبد العزيز الذي أفرد خطاً درامياً واسعاً لعائلة كردية قادمة من الشمال البعيد إلى دمشق وتتحدث بلغتها الكردية على الشاشة.

لم تلتفت الدراما، إذاً، إلى هذه الفئة الكردية من باب إظهار التنوع العرقي والطائفي والاثني في سورية، وليس الهدف هو تصحيح «مسار درامي مضلل» أغفل هذا التنوع لعقود، وإنما هذه الطفرة جاءت بغرض التدليل على نوع من التسامح والأريحية إزاء الأقليات التي باتت شعاراً يرفعه النظام السوري لا لحمايتها، بل لحماية نفسه. بهذا المعنى، تحولت الأقليات إلى ورقة رابحة وسط الفوضى التي تعيشها سورية، فتلقفت الدراما هذه الورقة وراحت تشهرها في التوقيت المطلوب، فهي في الماضي لم تكن منصفة حين تجاهلتها، وهي الآن ليست صادقة في هذا التهافت على إظهارها.

وعلى رغم التحول، فان العقلية الإقصائية لا تزال تتحكم في مزاج صناع الدراما ومن يوجهونهم، ذلك أن ظهور هذه الشخصيات الكردية هو أشبه برفع العتب، وهي على الأغلب تظهر ككومبارس هامشي لا يؤثر في جوهر الفعل الدرامي، ولا تعبر عن ثراء الثقافة الكردية التي كان يمكنها أن تثري الفن السوري بصورة عامة، لكن الرقيب النجيب لم يشأ أن يعترف بهذه الحقيقة البسيطة، إلى أن جاءت الثورة ولم يعد في وسع أحد أن يكمل الصورة الناقصة التي تكرّست عبر السنوات.

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 648 من الديمقراطي

صدر العدد الجديد 648 من جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، ...