قدمت أمريكا جميع أنواع السلاح بما فيها الكيماوي لنظام صدام حسين في الحرب العراقية الايرانية التي دامت ثمان سنوات وبعد أن انتهت الحرب باتفاق الجزائر الذي تنازل فيه النظام العراقي عن شط العرب مقابل القضاء على الثورة الكوردية آنذاك ظنت أمريكا أنها أمنت مصالحها وأوقفت احتمال تمدد الهلال الايراني عبر الثورة الكوردية ..
بعدها اكتشف الأمريكان أن حساباتهم كانت خاطئة وقاموا بفرض الحصار على كل من النظامين الايراني والعراقي عقودا من الزمن تخللها الكثير من عمليات الردع العسكرية أو ما سمي بعمليات القوة المحدودة التي كانت تستخدمها أمريكا لفرض توازن يقطع الأيادي التي كانت تشكل خطرا على مصالحها في تلك الحقبة …
وبعد أن أثبتت تلك العمليات محدوديتها وعدم جدواها على الأمد البعيد تدخلت في العراق عسكريا ودفعت ثمنا باهظا بلغ أكثر من 5500 قتيل وخسائر مادية دمرت الاقتصاد الأمريكي أمام الاقتصادات الأوروبية والصين والروس …
ثم انسحبت من العراق بخسارة سياسية كبيرة نتج عنها تسليم العراق بعد كل تلك الخسائر للنظام الايراني على طبق من ذهب …
نتيجة السياسات الأمريكية الخاطئة والتي تجاهلت فيها ديمغرافية المنطقة من جهة و ديكتاتورية تلك الانظمة التافهة التي نتج عن اسلوب التعاطي الامريكي مع الخارطة الجيوسياسية والكبت الذي تعرض له المكون السني في العراق وسوريا ظهر تنظيم داعش الارهابي الذي دمر المنطقة بايعاز أمريكي حيث ظن الامريكان أنهم بتدمير البناء القديم سيصححون أخطاء الماضي ويعيدون بناء المنطقة حسب ما تقتضيه المصالح الامريكية في المنطقة ويقضون نهائيا على حلم ايران في التمدد والوصول عبر الهلال إلى مياه المتوسط الدافئة من جهة .. وايضا يقضون على حلم الروس بالسيطرة على العالم عبر شبكة امدادات غاز بروم وتمكين نابوكو غاز الامريكية لامداد اوروبا بالغاز وتأمين الكاريدورات لدول الاتحاد السوفييتي سابقا للتحرر من هيمنة الروس العسكرية والاقتصادية وتنصيب منظومة الدرع الصاروخية في تلك الدول ( دول ستان المحيطة بروسيا ) ومحاصرتها مما قد يمكن استمرار سيطرة امريكا على العالم عبر سياسة القطب الواحد ( نظرية قلب الأرض ) …
حين تدخلت امريكا عسكريا في سوريا بدى للعالم انها تنجح الى حد بعيد في سياساتها وخصوصا في الصراع الاخير الذي ظهر بينها وبين الروس في الصحراء السورية وضفاف الفرات (التنف – الرقة – دير الزور ) …
حين برزت أزمة استفتاء اقليم كوردستان ظنت امريكا ان الوقت سابق لاوانه لفرض نظام جديد على المنطقة وانها لازالت بحاجة البعبع الايراني الاسود للتحجج به في تنصيب قواعد الصوريخ في الدول المحيطة بها والتي تقع على مقربة من الروس والتي كانت في الحقيقة موجهة الى الروس لا الى الايرانيين ..هذا من جهة
من جهة اخرى لم تشأ ان تخسر عددا من حلفائها الاستراتيجيين في المنطقة كالأتراك مثلا في هذا الوقت وخصوصا وان موانئ تركيا تعتبر منافذ المشروع الامريكي الى العالم ….
امريكا بتخليها عن الكورد في كركوك جعلت الكورد يقذفون الكرة الى قلب مرماها الاستراتيجي مباشرة بالانسحاب من خط منتصف الهلال كرد فعل على الغدر الامريكي في كركوك وبات المشروع الامريكي الان برمته على كف العفريت …
الآن بامكان الايرانيين ان يصلوا الى بيروت سيرا على الاقدام وهم يلطمون أكتافهم …
الآن بات على الامريكان الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع الايرانيين في العراق لانقاذ مشروعهم …
فليتفضل الأمريكان ويحموا مصالحهم بأنفسهم اذ قرر الكورد الاستراحة بضعة أيام قبل العودة من جديد
هذا من جه ..
اما الموقف السياسي للمنطقه حقيقة لاتناقض في الموقف الأمريكي من التمدد الإيراني في المنطقة، بالعكس ما تقدم عليه امريكا في دعمها للعبادي انما يصب في خدمة مشروعها وليس العكس، بات معروفاً ان شيعة العراق ينقسمون بين المالكي الموالي 100% لإيران والمعزول عن عمقه القومي العربي، وبين العبادي المتعاطف مع إيران ولكن في الوقت نفسه الملتزم بعمقه القومي العربي، وبالتالي التزامه بالجامعة العربية التي تسيطر عليها السعودية ومصر والأردن وغيرها من الدول القومية العربية السنية، إذا ستنجح امريكا في التوافق بين ممثلي العرب السنة وممثلي العرب الشيعة والتزاوج بينهما وهذ بحد ذاته يشكل سداً أمام النفوذ الإيراني ، ويساهم في عودة التوافق المذهبي والقومي ، وما زيارة عبادي الى (السعودية، مصر والأردن )، إلاّ لدفعها في هذا الاتجاه الذي يخدم المشروع الأمركي، ولذلك ضحت امريكا بالكرد مقابل دعم عبادي وتعزيز حضوره الوطني والعربي والإقليمي ……