سؤال سيبقى طرحه لعشرات السنين.
لكن الظاهر على أننا سنختلف على الإجابات, كون “داعش” هي أحد أجندات لإدارة الأزمة في المنطقة وليست صاحبة مشروع لدولة إسلامية كما تدعي.
وبالتالي, المنطقة برمتها تحت سطوة من المتغيرات التي لايمكن أن تكون لأهلها إرادة فيها.. وإلا لما شاهدنا مساحة سوريا مباحة لتدخلات خارجية خارجة عن إرادة أهلها وكذلك مجلس الأمن.. والحروب الدائرة فيها بلا عنوان, إلا أنها تهدف إلى شيء ما وقد نختلف عليها أيضاً كوننا لسنا مشاركين في رسم الخارطة لمستقبل المنطقة.. ومن هنا أيضاً يشرع لنا الوضع المرتبك أن نختلف على طبيعة الصراع, وكذلك على الجهات المتصارعة بدون إستثناء, حتى تلك التي نحن ننتمي إليها.
فبعد ستة سنوات من الحرب, والإقحام الدولي بكل أشكاله من دون تحديد هدف محدد يبعث في نفس كل سوري نوع من خيبة الأمل وزعزعة ثقته بأحقية الثورة التي إنطلقت بهدف تحقيق الحريات وإعادة كرامة الناس إليه.. فبدلاً من تحقيق ذلك, أُلحقت بالشعب السوري الهزائم والقتل وتدمير ممتلكاته, عوضاً عن ذلك, أنتجت الحرب شرخاً حاداً بين المجتمع السوري ومكوناته, وخصوصاً بين السنة والعلويين, والذي سيؤدي إلى صراع لايمكن إنهائه تحت المظلة الدولية ولا (ببوسة شوارب) لأن الجرح عميق لايمكن أن يندمل.
لذلك, أن المخفي بحد ذاته نوع من أنواع الحرب على إرادة السوريين وهم في مواجهة الموت والتهجير نحو المجهول, مبتغاه إيصال الشعب السوري إلى الإستسلام وقبول أي شيء للعودة إلى ما كان عليه قبل إندلاع الثورة في آذار 2011, لكن ذلك أصبح في عداد المستحيل, لأن إرادة من يديرون الأزمة في سوريا وكذلك العراق يهدفون إلى غير ذلك لطالما أن الفوضى قد بدأت واستمرت على شكل صراع عسكري وأمني, وأن أجنداتهم من يتمسكون بالأرض ويفرضون إرادتهم على سيرورة الأزمة لفرض حلول قد يكون فيه الشعب السوري هو الخاسر الأكبر.
دعوات كثيرة أُطلقت من قبل بعض من النُخَب السورية لمناقشة حقيقة ما تجري في سوريا من صراعات داخلية وإقليمية ودولية بهدوف الوصول إلى توافقات وحلول…, إلا أن تلك الدعوات تصطدم بحواجز بنوها تلك الدول التي تدير الصراعات في المنطقة وخاصة في سوريا لموقعها الجيواستراتيجي وتأثيرها على المحيط الإقليمي.
وسط هذه الدلالات المغلفة بسواد وضبابية المشهد مع فقدان الآفاق لحل معهود وتحديد مقوماته, نرى الخلافات تتعمق بين القوى والفعاليات السياسية السورية, وخاصة تلك التي رمت بنفسها في أحضان جهات خارجية بهدف التمويل المالي ودعم الحراك “الثوري” في سوريا, والتي أدت إلى فقدان إستقلالية تلك الفعاليات في إتخاذ قراراتها التي يجب أن تخدم قضيتها الوطنية, وذلك تلازماً مع إختلاف الأهداف والرؤى المتناقضة بين تلك الدول الداعمة. وبالتالي, فإن الصراع سيتعمق أكثر بين فئات ومكونات الشعب السوري خدمة لمشروع دولي وإقليمي, ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تسمح تلك الدول أن تنفصل تلك الفعاليات السياسية والثورية السورية عن دائرة مؤثراتها, أو أن تخرج عن طاعتها لطالما أنها ممزقة عن بعضها البعض, هذا عوضاً عن أن الشرخ بين مكونات الشعب السوري آخذ نحو التوسع بشكل مخيف.. في وقت أننا نرى بأن ” حتى محاربة داعش والإرهاب عليها خلافات حادة بين مكونات الشعب السوري وقواها السياسية ” وبالتالي, ستكون “داعش” محل جدال مستمر بين ما هي صاحبة مشروع لدولة إسلامية وبين على أنها مشروع لإدارة الأزمة في المنطقة, والتي تحولت إلى الإقليم ومن ثم عابرة للدول.. فهي تخدم في حقيقة الأمر محددات الدول الصانعة للأزمات في المنطقة من أجل تمرير سياساتها وتحقيق مصالحها وأمنها الإقتصادي والقومي.
——————-
أحمـــــد قاســـــم