للبحث عن طبيعة التعاون والشراكة بين روسيا وإيران من أجل إنقاذ نظام الرئيس بشار الأسد وتحقيق مصالح البلدين في سوريا, والأبعاد الجيو ـ إستراتيجية لهذه الشراكة لابد أن نحاول الإجابة على مجموعة من الأسئلة: طبيعة والظروف التي أدت إلى عودة روسيا إلى الشرق الأوسط, وما هو الدور الإيراني الذي أدى بروسيا للتدخل العسكري في سوريا, وطبيعة الشراكة الروسية ـ الإيرانية في سوريا, ومدى صلاحية هذه الشراكة مع حدود جغرافيتها؟ في حقيقة الأمر, أن الوجود العسكري الروسي في شرق المتوسط وفي سوريا قد تحوّل إلى جزء من المعادلة الجيوسياسية على المستوى الإقليمي, وهذا يعني بأن النفوذ الروسي بات يغطي منطقة واسعة تشمل تركيا وإيران ودول الخليج نتيجة لتراجع الدور الأمريكي في المنطقة في عهد أوباما. ويشكّل التمدد الروسي الحالي من بوابة ” عاصفة السوخوي ” في سوريا تحدياً كبيراً لنفوذ أميركا ومصالحها في المنطقة. حيث أن عملية الإنسحاب الأمريكي من العراق في أواخر العام 2011, وسياسة التردد تجاه الأزمة السورية شكلت ” فراغاً أمنياً ” إستغلته روسيا ونجحت خلال أشهر من تدخلها في سوريا وفرضت نفسها كقوة أساسية مؤثرة في مسرح العمليات, واستطاعت بالفعل أن تعيد المبادرة الهجومية لقوات النظام ومعها القوات الحليفة. إن التغيير الذي أحدثه التدخّل العسكري الروسي لايمكن إعتباره عملية عابرة في مسار الأزمة السورية, بل شكل تبدلاً في الواقع الجيوسياسي لمنطقة الشرق الأوسط وشرق المتوسط من خلال القاعدتين العسكريتين الروسيتين في اللاذقية وطرطوس مع بقائهما لسنين عديدة مقبلة. وسيكون بإمكان روسيا إطلاق دوريات جوية وبحرية لمتابعة أي تحرك عسكري في البحر المتوسط وأجواء سوريا. ” سيقود هذا التطوّر الجديد، في رأي بعض الخبراء الأميركيين إلى تشكيل محور عسكري روسي-إيراني، يهدّد التوازن في كامل منطقة الشرق الأوسط، كما يجعل إمكانية احتواء النفوذ الروسي مهمة شبه مستحيلة. في الواقع لا بد من الاعتراف بأنّ التعاون العسكري بين طهران وموسكو يتطوّر بسرعة، وذلك ضمن فكرة جامعة بينهما تتركز على ضرورة احتواء النفوذ الأميركي في المنطقة، وذلك من أجل خدمة المصالح الإستراتيجية الروسية في المنافسة الجارية مع أميركا، ومن أجل تحقيق طموحات إيران في أن يكون لها دور أساسي من حدود افغانستان إلى الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط.” وجدت روسيا وإيران أنّ سوريا التي تواجه أزمة سياسية وأمنية عميقة منذ اندلاع الأحداث عام 2011 تشكّل الأرض المشتركة المناسبة لإرساء قاعدة من التعاون السياسي والعسكري، مع امكانية نقل هذا التعاون إلى حالة شراكة، يمكن الاستفادة منها من أجل توسيع نفوذهما في المنطقة وترسيخها، على حساب الولايات المتحدة وشركائها الغربيين. جاء التدخّل الروسي في سوريا في الوقت الذي كانت فيه إيران وحليفها الرئيس بشار الأسد يواجهان أوضاعًا عسكرية صعبة بعد سقوط العديد من المناطق المهمة في سوريا إضافة إلى أن اللاذقية وطرطوس أصبحتا في مدى مرمى قوات المعارضة.. ورأت إيران أيضًا بأنّ هذا التعاون مع روسيا، ولأوّل مرة منذ سقوط حكم الشاه، سيعزّز من موقع إيران الإقليمي، وسيزيد من ثقتها بنفسها، ويدعم سياستها الخارجية، خصوصًا وأنّه سيهدّد المصالح الأميركية في المنطقة. ومع أن الأزمة السورية قدمت الفرصة لروسيا وإيران لإقامة شراكة جديدة, في وقت كانت فيه حكومة دمشق تواجه هزيمة شبه حتمية, فإن استراتيجيتها في سوريا ما زالت متباعدة بسبب الخلافات حول مجموعة من القضايا الأساسية:
1ـ الخلاف على بقاء بشار الأسد في السلطة.
2ـ الخلاف على مسار الحل السياسي للأزمة في سوريا.
3ـ التوافق الأمريكي الروسي على وقف الأعمال القتالية.
4ـ الموقف من الأكراد.
5ـ قيام إيران بتنظيم عدة ميليشيات داعمة للنظام السوري،
وبعضها أتى إلى سوريا تحت قيادة الحرس الثوري. 6ـ العداء الإيراني المعلن لإسرائيل. 7ـ علاقات روسيا مع المملكة العربية السعودية. ومع كل هذه التطورات يبدو بأنّ روسيا باتت تسعى من خلال القاعدتين في سوريا ومرسى براني في شمال غرب مصر وقاعدة همدان في إيران إلى تعزيز وجودها العسكري في منطقة الشرق الأوسط وتحويل البحر المتوسط إلى محور جديد مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وهكذا يمكن توقع احتدام المنافسة في منطقة الشرق الأوسط بين محورين: الأول، يضم إيران وروسيا، والثاني، يضم دول مجلس التعاون الخليجي المدعوم من حلفائه الاقليمين ومن الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة.