لن أدخل في تحليل الواقع وما حلت بسوريا من كوارث وبشعبها من مآسِ, لأن الواقع والوقائع حاضرة في أذهان كل الناس بتفاصيلها وجدول الكوارث والمآسي محفور في ذاكرة كل إنسان سوري, كونه شارك في دفع فاتورة نتائج العمل من أجل التغيير مروراً بما لم يصنعه هو بل أتى من خارج إرادته ذاك الذي غيَّرَ المسار ودفعه إلى المجهول مع دفع المشهد السوري نحو إتجاه كان لايخدم أبداَ تلك الشعارات التي بدأت بها ” ما سميت بالثورة ” لتحل الفظائع من القتل والتدمير والتهجير بمشاركة الكل ـ حتى الذي أخذ من الصمت موقفاً له ـ وبالتالي, كان لابد من أن يتدخل المجتمع الدولي مع تدخلات دولية لأهداف مختلفة وإدارة الأزمة خارج إرادة شعبٍ بدأ صرخته من أجل الحرية والآن يصرخ من الألم الذي طغى على كل أحاسيسه ومشاعره من دون أن يستطيع تحديد ما يريد لغده وهو بين مسيرة نحو المجهول أو مشرد في الشتات أو قابع في داره ينتظر الأسوأ.. مع غياب أهله من النخبة التي من المفترض أن تكون حاضرة في مثل هذه الحالات لإنقاذ البلد والشعب معاً والتقليل من الخسائر في أدنى حدود من الممكنات.
اليوم, ونحن نتابع الحضور الدولي على الأرض السورية في جغرافيتها المنقسمة التي لاتنسجم مع مكوناتها بتاتاً ومغايرة لمغالاة البعض الذي يرقص ويهتف على أرواح مئات الآلاف من القتلى باسم ” الثورة ” أو باسم ” الله والخليفة ” يبقى المبعوث الأممي (ستيفان دي ميستورا) وحده يجمع الأفكار لإخراج نص بصياغة قد تكون قابلة لوضع أساس ترتكز عليها مباديء عقد تجتمع عليها الفئات والمكونات الإجتماعية التي مزقتها الحروب بشكلها الجنوني ورمتها في أصقاع العالم وغياهب الأرض في بلدان متفرقة والتي أصبحت تشكل أزمة أخرى لبلدان شكلت واحة تتسع تلك الموجات من الهجرة هرباً من الموت.
سبع سنوات من الرعب, الكل يسأل عن آفاق للحل, حتى المبعوث الدولي بدوره لايملك جواباً محدداً.. لكن هناك من يتمسك بالخيط ويتابع متدرجاً باتجاه قد يوصله إلى منصة يستند عليها في جمع يُصْلَحُ أن يُكَوِّنَ بداية النهاية للحرب التي أثبتت أنها لاتهدف إلا إلى دمار هذا البلد.
فمن حق الناس أن لايصدق شيئاً لطالما أن المجتمع الدولي أبدى عجزه لوضع حدٍ لهذه الحرب والدول العظمى مختلفة في توجهاتها ومنظارها للحلول مع تمسكها بمفاصل الأزمة وإبعاد الشعب السوري عن تشكيل مركز للقرار وتقرير المصير بعيداً عن التدخلات الخارجية!. لكن ومع ذلك يبدو أن تلك الدول وصلت إلى حدِّ القناعة المشبعة لفرض حلول ترضي البعض لكنها ضد طموحات البعض الآخر على المستويين الدولي والإقليمي وكذلك على مستوى الشعب السوري ومكوناته المختلفة أيضاً.
كنت قد لمحت في بدايات الأزمة السورية, وخاصة بعد أن بدأت مرحلة الحرب على أن سوريا أصبحت تتجه نحو الدمار ولا يمكن وقف هذه الحرب إلا بتدخل دولي وبغطاء من مجلس الأمن.. لكن عدم حصول توافق دولي بين الأعضاء الدئمين في مجلس الأمن تعذر للمجتمع الدولي التدخل و السيطرة على المشهد المتدهور في سوريا وخاصة بين روسيا وأمريكا.. والكل يعرف مدى تأثير الحالة على المشهد وأخذه نحو المزيد من التعقيد وما آلت إليها إلى اليوم…
اليوم, وبعد مرور أكثر من سبعة أعوام على الأزمة في سوريا يقتنع العالم بأن هذه الأزمة لايمكن حلها إلا بتوافق دولي, وأن تركها بيد السوريين بدون مساعدة دولية على المستويين التشاوري والعسكري ستُدَمّر ما بقيت من سوريا وستشكل ملجأً لكل الإرهابيين في العالم, وبالتالي, سيتم القضاء على المنظومة الدولية في المنطقة وعلى مصالح العالم وعلاقاتها المتوازية… إذاً, لابد من قوة متفهمة لمستقبل المنطقة تستند على الشرعية الدولية ولائحة حقوق الإنسان أن تحاصر الأزمة وتدفعها نحو الحل.. وأعتقد أن بوادر الحلول بدأت تظهر مع لقاء (فلاديمير بوتين ودونالد ترامب) في هلسنكي… ومع إختلافات في التصاريح بين الطرفين وخاصة في مجال تحديد الأولويات للحل ( الهيئة الإنتقالية للحكم, وصياغة دستور جديد, والإنتخابات ) يبدو أن روسيا تريد حرق مراحل الحل في إطار القرار الدولي 2254 ومقررات جنيف1.. لكن على ما يبدو أن الصعوبة تكمن في الموقف الإيراني الذي يؤكد على هزيمة المعارضة والإبقاء على الحكم نظراً لتشابك العلاقات الخاصة بين النظامين في دمشق وطهران واستحالة فك هذا التشابك إلا بتغيير أحد النظامين.. فهل ستوافق روسيا على الطلب الأمريكي بشأن التواجد الإيراني في سوريا؟
خارج هذا الملف ” ملف التواجد الإيراني في سوريا ” أعتقد أن الوصول إلى المشتركات سيكون سلسة وسهلة لطالما الشعب السوري بغالبيته وصل إلى قناعة أن الحلول لايمكن أن تكون في قضاء طرف على الآخر, وأن العقلانية وقبول التشاركية في البلاد هي السبيل الوحيد لإعادة بناء الدولة وضماض الجروح.. والذي أعتقده هو صياغة دستور جديد للبلاد والذي يعمل عليه المبعوث الدولي بمساندة واستشارية دولية.. وأعتقد أن الدستور سيحدد كامل العلاقات الإجتماعية المختلفة مع الحكم في إطار دولة تسودها العدالة والمساواة والمواطنة المتوازية التي تحدد فيها حدود حقوق كافة مكونات الشعب السوري في إطار ملكيتها للدولة ومشاركتها في الإدارة, وخلافاً لذلك لايمكن أن تبنى سوريا من جديد نظراً للشرخ العميق الذي أبعد المكونات عن بعضها البعض إضافة إلى العداوة بين الطائفتين الرئيسيتين ( العلوية والسنة من العرب ) السوريين نتيجة لهذه الحرب المجنونة.. ومن يروج للتقسيم أعتقد أنه لايطلب خيراً لكل السوريين بكل مكوناتهم, حيث أن سوريا غير قابلة للتقسيم وأن شكل النظام الذي يمكن التوافق عليه قد تكون الفيدرالية أو ما شابهها بعيداً عن المركزية التي فشلت في بناء الدولة وإدارتها منذ ما يقارب مئة عام.
ما تشبه الوصاية الدولية تنتظرها سوريا كمرحلة أولية للبدء بتنفيذ خارطة الطريق والسير بموجبها نحو فرض الحلول من قبل المجتمع الدولي بعد الإنتهاء من وضع أسس وبيانات لتلك الخارطة الممكنة للتنفيذ, وصياغة مباديء الدستور بعد القضاء على الإرهاب و الفرض على النظام الإيراني وحزب الله الخروج من سوريا.. لأن وجود قواتهما على الأرض السورية لايمكن القضاء على الإرهاب, وبالتالي, لايمكن إيقاف الحرب ودفع سوريا نحو الأمن والأمان والإستقرار والبناء وعودة اللاجئين وإنتاج نظام يحلم به الشعب السوري على المباديء التي ذكرتها آنفاً.