-
بالنسبة لإتفاقية ( سايكس بيكو ) أعتقد أن من يطالب بإلغائها هم طرفان.. الطرف العربي الذي
يرمي من وراء إلغائه هو إلغاء دولة إسرائيل.. والطرف التركي الذي يهدف من ورائه العودة إلى الحكم العثماني…
أما نحن الكورد ما لنا من إلغائه أو بقائه ونحن ما كنا مستهدفين بالأساس غير أننا كنا من التركة العثمانية والحلقة الأضعف في إدارة وعقد الإتفاقيات الدولية, حيث تم تقسيم التركة ونحن كنا مشمولين بذلك من دون أن يكون لنا بالأساس دولة وتم تقسيمها.. لذلك أعتقد أن الإتفاقيات الدولية التي تم عقدها بين الدولة التركية و طرفي إتفاقية سايكس بيكو ( كسيفر ولوزان ) مثلاً ولا للحصر.. هي التي لم تلبي طموحات الشعب الكوردي آنذاك, وذلك بغياب الطرف الكوردي الذي لم يكن يمثل عقبة في وجه تنفيذ بنود تلك الإتفاقيات بالأساس.. أعتقد أن الحالة التي نعيشها اليوم قد تشبه في الجوهر تلك الحقبة من التاريخ ولكن بفارق واضح.. هناك حراك كوردي مجتمعي وسياسي واعي للمرحلة, وهو متمسك بحقوقه القومية التي لا يمكن أن تتحقق إلا بدولته المستقلة وذات سيادة, عضو فاعل في المجتمع الدولي لطالما أن التعايش المشترك بين شعوب المنطقة على ما يبدو في الأفق قد يبدو غير ممكناً في ظل تصاعد القوى الشوفينية والعنصرية إلى جانب تصاعد قوى التطرف الديني والمذهبي ليس للكورد فيه أية مصلحة.
ومع ذلك, قد يبدو الأمر معقد جداً في ظل التحرك الدولي الذي يشوبه الخوف من مستقبل غير مضمون على الصعيد الإقليمي وثقافة شعوبها التي تتميز برفض الآخر وعدم قبول التعايش المجتمعي المتنوع من حيث العرق والمذهب بشكلٍ متساوٍ في الحقوق والواجبات كشركاء في إدارة الدولة الواحدة.. وهذا ما يتبين من مواقف النخبة التي كان من المأمول أن تكون أكثر إنفتاحاً على الآخر.. ولكن ومع ( الربيع العربي ) أكدت الأحداث والمواقف عكس ذلك, فبدلاً من تحقيق العدالة والمساواة وبناء دول ديمقراطية على أنقاض الدكتاتوريات تبين أن التطرف والعنف بات أكثر حظاً في الإنتشار بين المجتمع الواحد ( كليبيا واليمن ومصر والعراق ) والآن سوريا مرشحة أن تكون أكثر إثارة لتلك النعرات التي يمكن أن تدمر البلد بأكمله وإبادة الشعب بدلاً من القبول بالتعايش السلمي بين مكونات شعبها المتنوع.. فبدلاً من الخلاص من حكومات الإستبداد التي ينتجها حزب البعث العربي الإشتراكي, هناك يبدو في الأفق على أن البعث نفسه وتحت مسميات مختلفة يحاول السيطرة على الدولة والمجتمع حتى و إن تم إسقاط سلطة بشار الأسد, فلا يبدو حقيقة البديل الذي يمكن أن يطمئن مكونات الشعب السوري, كون القوى المؤمنة بالديمقراطية وحقوق الإنسان غير قادرة أن تتمسك بزمام المبادرة ودفع مسيرة الحرب باتجاه السلام بإرادة دولية وشرعيتها.. السقف الأعلى الذي يقبله البديل هو المواطنة “المتساوية” لكل السوريين مع بقاء هوية الدولة ( هوية المكون الأكبر ) ويتم تداول الحكم عن طريق إنتخابات مباشرة من دون إعطاء خصوصية لكل مكون دستورياً.. فلو راجعنا دستور البعث وألغينا المادة الثامنة منه التي تشرع لقيادة البعث للدولة والمجتمع, سنرى أن ما يطرح اليوم على أساس البديل الديمقراطي فهو ليس أكثر ديمقراطية من ديمقراطية البعث ” المشوه “.
للعودة إلى إتفاقية ( سايكس بيكو ).. أعتقد أن العلة ليست في الإتفاقية بقدر ما هو العلة في مفاهيم المجتمع الذي ترفض البديل الذي يمكن أن يكون الحل النهائي لنزاعات المنطقة عرقياً ومذهبياً.. فالدولة العثمانية لا يمكن أن تعود, ولا يمكن إزالة إسرائيل من المنطقة. ليبقى الأمر لمن هو ألأقوى لفرض إتفاقية وخارطة وتوزيع جغرافي من جديد تتوافق مع حقيقة وجود الكتل البشرية قومياً ومذهبياً, ترسخ الإستقرار وفقاً لتلاقي مصالح الشعوب مع الأنظمة القادرة على إدارة الأمن والإستقرار, وأخص بذلك الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي إضافة إلى روسيا إن وافقت على مشروع كهذه لمصلحة الشعوب وليس للأنظمة الحاكمة في المنطقة.. وفي النتيجة واجب على الكورد أن يكون حاضراً ” ومحاضراً ” يمثل قضيته القومية بعيداً عن الأنانيات الحزبية التي تستغلها الأطراف الأخرى تحقيقاً لمصالحها, وأن يكون حضور الكورد من أجل العمل لتحديد مصيره بنفسه ولا يقبل بمن ينوب عنه في أي لقاء أو حوار بين الدول وعقد الإتفاقيات.. فسايكس بيكو كانت إتفاقية ونفذت بكاملها واستقرت جفرافيتها السياسية, فلا يمكن أن نقتلها كونها إنتهت أصلاً مع تنفيذ بنودها بعشرات الإتفاقيات الدولية وأتت من بعدها حرب كونية تم إعادة النظر في كثير من خرائط العالم مع مراحل الحرب الباردة بين القطبين طوال سبعين عاماً.. والآن علينا البحث عن ما هو الممكن المسموح لتحقيق رغبات ومصالح الشعوب في المنطقة, وفي مقدمة تلك الشعوب هو الشعب الكوردي الذي يمثل أكبر قومية على هذا الكوكب لم يسجل له أن يكون محظوظاً في إقامة دولته المستقلة إسوة ببقية الشعوب في العالم.
وفي هذه المناسبة أدين كل من ( حركة المجتمع الديمقراطي TEV-DEM و المجلس والوطني الكوردي في سوريا ENKS ) إضافة إلى الأحزاب الأخرى خارج الإطارين لعدم تفاهمهم على قضية ومصير شعبهم لأسباب ليس لشعبنا مصلحة فيها, ومن دون الدخول إلى التفاصيل.. أعلم بأن كل طرف له مبرراته ما يبرر بها مواقفه تجاه الآخر, ولكن مهما تكن المبررات ” يكفي أنهما يؤتمرون من خارج ( كوردستان سوريا ) مما تزيد من الخلافات و تزيد من أزماتنا الداخلية لنلتحق بمحاور تجهض العملية النضالية التي كانت من الممكن أن تحقق إنتصارات تاريخية. ————
أحمـــــــد قاســــــم 14\5\2016