أي إعلان عن شكل من أشكال النظام من جانب واحد هو بحد ذاته عملية لإفشال مشروع ديمقراطي تعددي.. أما عن الحقوق, فهي خاضعة لمواثيق و شرائع دولية فلا يمكن تجاوزها من قبل فئة غالبة لطالما أن أصحاب الحقوق حاضرين وفاعلين, يصنعون الحدث بوسائل شرعية من أجل تحقيق حقوقهم المشروعة. وهذا ما أكد عليه المجتمع الدولي وتؤكد عليها الدول الراعية لعملية السلام في سوريا.
إذاً, علينا نحن الكورد أن نتفق على مشروع سياسي يتضمن حقوق الكورد المشروعة في البلاد, ومن ثم التفاوض والتحاور ومناقشتها مع مكونات الأخرى من الشعب السوري بمعارضيه وموالين للنظام لتثبيت تلك الحقوق في مسودة الدستور القادم والذي يجب أن تتوافق على صياغته كافة المكونات القومية والدينية… وإلا كيف سنعتبر أن البلاد سيتم إعادة بنائه على أسس ديمقراطية تعددية؟
أما أن نعلن من جانبنا نحن الكورد, كما أعلن عنها حزب الإتحاد الديمقراطي ( PYD ) كفدرالية ” روج آفا ” في هذه الظروف العصيبة والدقيقة والإستثنائية من حياة الشعب السوري, من دون توافق بين المكونات, أعتقد أن الإعلان بحد ذاته هو إجهاض لعملية الفدرلة.. كون أية فيدرالية مناطقية لا يمكن البقاء عليها وإبقائها في الحياة إن لم تكن مسنودة من العاصمة المركزية للدولة. أي أن الإقليم الفيدرالي يحتاج إلى مرجعية مركز القرار الوطني للبلاد.. ومن دون ذلك ليس لذلك المعلن إعتبار سوى على أن المعلن هو إعلان مؤقت سيتم تسويتها بعد إنتهاء الأزمة السورية والإعلان عن سوريا الجديدة بتوافق شعبي ومجتمعي جامع.. عندها فقط يجب التمسك بما يحق لنا من حقوق والتفاوض عليها من دون مساومة أو التخلي عن أجزاء من تلك الحقوق.
لذلك, عندما حدد المجلس الوطني الكوردي حقوق الكورد في إطار دولة إتحادية تعددية فيدرالية, أدرك جيداً بأن ذلك التحديد يجب التفاوض عليه مع شركائه من المعارضة.. وتم ذلك مع دخوله إلى إطار الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية, حيث رفض أطراف الإئتلاف الفيدرالية الكوردية و ” اللامركزية السياسية ” لمستقبل سوريا, إلا أنه إعترف بحقوق الكورد في إطار وحدة البلاد ” اللامركزية الإدارية ” تماشياً مع مواثيق وشرائع الدولية التي تثبت تلك الحقوق كمكون ثاني من حيث النسمة من مكونات الشعب السوري.. فتم التوافق بين المجلس والإئتلاف مع بقاء المجلس على تحفظه المسجل وتمسكه بمطلب الفيدرالية إلى حين يتم تسويتها بين كافة المكونات وإخضاع ذلك لإرادة الشعب السوري الذي هو من حقه أن يختار النظام الذي يرى مناسباً في إدارة البلاد مستقبلاً.. وكان رأي حزبناً في المؤتمر الأخير ( الحزب الديمقراطي التقدمي الكوردي في سوريا ) متوافقاً مع الوثيقة الموقعة بين المجلس الكوردي وقوى الإئتلاف المعارض, مع تبني الفيدرالية كنظام يحقق آمال و طموحات الشعب السوري بكل مكوناته.. إلا أنه وكما أشرت بأن تحديد الحقوق لا يعني إعلانها وتنفيذها على أرض الواقع إن لم تسنى دستورياً وتصدر بشأنها شرائع وقوانين لتنفيذها من قبل حكومة منتخبة للدولة ونحن شركاء فيها.
أما الإعلان عن الحقوق والتطبيق من جانب واحد خارج إطار الدستور ومن دون إرادة دولية, وفي ظروف إستثنائية تفتقد حالة الأمن والإستقرار, وكأنما إستغلال للوضع والظرف, فهو مخالف حكماً لمواثيق وقوانين دولية, عوضاً عن أن ذلك ضرب من الإستفزاز والإخلال بالثقة تجاه المكونات الأخرى, والتي ستحسب لنفسها ألف حساب, وبالتالي ستأخذ موقفاً سلبياً تجاه هذا الإعلان كونها تعاني من حملات القتل والتدمير والتهجير الذي يقوم به النظام تجاهها إضافة إلى تلك المنظمات الإرهابية التي تتفنن في ذبح الناس والقضاء على كل أشكال الحياة.. فبدلاً من أن تتوقف معها, تعلن من جانبك عن شكل نظام وممارسة الحقوق على الأرض, فستعتبر بقية المكونات على أن ذلك خيانة وطنية واستغلال للظرف…. وهذا ما يشاع اليوم بين الشعب السوري نتيجة ما أعلن عنها حزب الإتحاد الديمقراطي ( PYD ) من الكانتونات والفيدرالية من جانب واحد.
المطلوب من بقية أحزاب الحركة السياسية الكوردية في سوريا أن تعمل جاهداً لتؤكد على أن ما يعلنه حزب الإتحاد الديمقراطي لا يمثل إرادة الشعب الكوردي, وأن سيطرته على كوردستان سوريا لا يهدف إلى تحقيق حقوق الكورد في حقيقة الأمر بقدر ما هو نوع من أنواع إدارة الأزمة بشكل عام.. حيث إنها عملية مؤقتة ستنتهي مع إنتهاء الحرب في سوريا بدءً من إسقاط نظام البعث, والإنتقال إلى مرحلة بناء سوريا الجديدة بتوافق مشروع بين مكونات الشعب السوري, وأن الكورد أكثر إلتزاماً في المشاركة الحقيقية لبناء البلاد كونه أصحاب البلاد الأساسيين والأصلاء وليسوا غرباءً بل إنهم شركاء في الأرض كما هو جزء أصيل من الشعب السوري.. وبالأهمية ذاتها واجب على المعارضة السورية والمكونات الأخرى العمل على نفس المستوى من أجل الحفاظ على الترابط المجتمعي والصورة الحقيقية للشعب الكوردي بدون أية تشوهات نتيجة للأعمال الفردية من قبل هذا الحزب أو ذاك.. لأن ضرورة الترابط المجتمعي بين المكونات هي الضمانة الأكيدة لإعادة سوريا إلى صورتها الحقيقية في المنطقة لتكون دولة ديمقراطية تعددية إتحادية, ولتكون عبرة لجيرانها من الدول في مجال التعايش بين مكوناتها والحفاظ على أمن وسلامة الدوليين.