كل عواصم العالم ما كانت تكفي لعقد الآمال عليها, حيث كل العواصم لم تأخذ بالها أن شعباً بأكمله تعرض إلى كارثة لم يراها شعب من قبله, وإلا لكانت تعمل على جرد النظام من الشرعية الدولية وأوقفته عن حدٍ تخفف عن هذا الشعب كل هذه الآلام والأوجاع. بل وقفت متفرجة على أنين الشعب السوري, والمشهد التراجيدي لمسرحية بطلها رأس النظام والمجلس الأمن كومبارس يلعب دوراً لتكملة ما سيصدر من أوجاعنا الآهات التي إهتزت الأرض والسماء, أما مسرح مجلس الأمن الوحيد الذي استقر على عدم التدخل للحفاظ على ” الشرعية الدولية ” إلى أن سيطرت التنظيمات الإرهابية على كامل مساحة سوريا تطار الشعب إلى جانب ممارسة النظام أبشع أنواع القتل والتدمير والتجويع والتهجير.. مليون إنسان بين قتيل وجريح.. مئات الآلاف من المعتقلين والمفقودين.. نصف سكان سورية بين نازح و مُهَجَر, والحرب في أوجها تحركت كل من روسيا و أمريكا باتجاه تغيير اللعبة باسم المجتمع الدولي لتخرجا سيناريو بعنوان جنيف يستند إلى فرض الحوار بين المعارضة والنظام بعد أن تجرد النظام من الإرادة والقرار, وكذلك المعارضة التي توزعت بين معارضات هزيلة لا حول لها ولا قوة إلا من تملكت السلاح وتمارس القتل بمهنية.
الساحة السورية إنفتحت لكل من يمتهن القتل و يتفنن في إدارة الحرب من التنظيمات والدول على حدٍ سواء مع الحفاظ على “السيادة والشرعية” التي لم يرضى مجلس الأمن تجريدها من النظام حتى وإن تجرد النظام من الإرادة وإتخاذ القرار تجاه أي “حل”.. فكانت الرمية إلى جنيف لتكون ملعباً من دون تحديد نهايات بعد أن حددت الرمية الأولى لتكون إنطلاقة ” للأولومبيات ” من نوع تأخذ مساراتها وفقاً للتطورات من أحداث ووقائع على الأرض, ودور كل لاعب يفرض نفسه لتحديد المسار الذي يسهل له تحقيق الأهداف.. ثلاثة ” جنيفات ” بين الخيبة والأمل.. من دون تحقيق أي هدف.. فالنتيجة ( 0على 0 ).. فقط المزيد من القتل والتدمير والتهجير مع تبسمات أكثر نشفاناً لمهندسين في جنيف ( كيري ولافروف ) والحكم الذي جرد منه الصفارة السيد المبعوث الدولي ( دي ميستورا ) الذي لا يحق له تسجيل المخالفات و ( الفولات ).. حيث أن الصفارة قد تعكر الأجواء الرومانسية بين المهندسين المتنافسين على دماء شعب سوريا لتحقيق الأهداف من خلال فريقين غير متكافئين, ولكن الحسم والربح أو الهزيمة ممنوعين على كلا الفريقين ” أو الأفرقاء المتصارعة والمتحاربة على الأرض ” قبل أن يقررا ( كيري ولافروف ) الذين يشبهان في تفننهما لإدارة اللعبة ( سايكس وبيكو ) في مرحلة الحرب العالمية الأولى بين 1914ـ 1918 لعقد إتفاقية مشهورة بينهما لتوزيع التركة العثمانية والإنتداب عليها ومن ثم تأسيس و تشكيل دول ما كانت موجودة بالأساس, وذلك لسهولة السيطرة على المنطقة وإدارتها.
إذاً, فأي حل ننتظره؟
جنيفات والمهندسان على طاولة التوافق لم يمتلكان حتى الآن أدوات الرسم, والأوجاع تتزايد, حتى البحار باتت تشمئز من هذه اللعبة الهيستيرية التي لم تدع لها نهايات حتى الآن بعد خمس سنوات من الطحن بالشعب والممتلكات. إلا أن المخيف في هذه الأيام ما يظهر على السطح من خلال منتجات مؤتمر ( رياض ) لتوحيد المعارضة هو ظهور رموز بعثية تتصدر قائمة المعارضة لقيادة المفاوضات مع البعث الملتم حول بشار الأسد. وهذا ما يدفعنا إلى التفكير جلياً وباهتمام في مسيرة هذه الثورة التي حملت شعار (الحرية والكرامة) والأحداث التي تعاقبت المظاهرات السلمية ومن ثم التسلح ودخول الإرهاب إلى ساحة الصراع, و ” داعش ” التي تشكلت بالأساس من بقايا نظام البعث العراقي وفلوله.. وسيطرة مشهد المذهبي على الصراع والمتحاربين… كل ذلك مؤشرات أن البعث قد إنشق مذهبياً والذي كان يحمل بذور الإنشقاق بالأساس بعد إنشقاق ( عبدالحليم خدام ) وتصفية العديد من الرموز الذين كانوا يعملون في الخفاء, ينتظرون فرصة تسمح لهم بالإعلان عن الإنشقاق على شكل ثورة للإنقضاض على النظام واستلام الحكم من ( العلويين ) حسب فهمهم.. ولا يخفى على أحد بأن هؤلاء الرموز كانوا ولا يزال تساندهم دول إقليمية تلك التي تنافس إيران في السيطرة على المنطقة.
لذلك, أعتقد أن تعقيدات الحل تكمن في العقدة الإقليمية التي لا ترى روسيا و أمريكا حتى الآن طريقة حلحلتها, وأن ما تجري في جنيف من مشاورات أو حوار أو تفاوض, هي بالأساس إستمرارية لإدارة الأزمة السورية وليس البحث عن حل سلمي ” بالأساس لا يقبله النظام إن كان الحل يهدف إلى تسليم الحكم إلى المعارضة “. كانت هناك آراء أو مبادرات طرحت من قبل إيران تهدف إلى إعادة ترميم هيكلية النظام بمشاركة المعارضة السنية بالتوازن مع النظام الذي طغى عليه اللون العلوي.. إلا أن الدول الإقليمية الداعمة للبعث السني رفضت رفضاً قاطعاً ولا تزال. من هنا أعتقد أن الحل المنشود غائباً في الأمد القريب, وأن ما تدور من محاولات وراء الستار للتصالح بين ( طرفي البعث ) وفرض ذلك على كل من روسيا و أمريكا أمر في غاية الصعوبة.. حيث أن الشعب السوري بمكوناته العرقية والمذهبية بات أكثر وعياً لإختيار نظام يحافظ على حقوق تلك المكونات, والتي تؤكد عليها كل من روسيا و أمريكا. وأن تجربة ستة عقود من الإستبداد والظلم من حكومات البعث تبدو أنها كافية ليرفض الشعب السوري أية مساومة على حقوقه من خلال تصالح بين ( طرفي البعث ), كون البعث لا يحمل في فكره أي نوع من الحريات العامة والخاصة, وخصوصاً ما يتعلق ببقية المكونات الغير عربية. صحيح أن روسيا و أمريكا متفقتان على أن الإستبداد في سوريا أصبح من الماضي لا يمكن تكراره وتسليم الحكم إلى جهة من لون واحد, إلا أنهما لم يتوافقان على آلية التغيير و أسلوب السير باتجاه تحقيق نظام ديمقراطي تعددي إتحادي يرضي كل الشعب السوري ومكوناته, وبالتالي أعتقد أن ( جنيف عاجزة بين الخيبة التي تسيطر على المتابعين والمهتمين والأمل الذي لا يفارق الشعب السوري ) للوصول إلى حل منشود يعيد إليه حريته وكرامته.
أحمــــــد قاســـــــم