نعم, اللعبة الدولية بدأت تتغير ملامحها, والإقليم المجاور لساحة الصراع بدأت أنظمتها تتخبط بين دخان القصف الأمريكي من الجو على مرتكزات ” داعش ” حول موصل والعاصفة الرملية التي تتصاعد من بين عجلات وأرجل البيشمركة وهم يلاحقون هزائم ” دواعش ” أمام الملحمة المنتظرة لإنتصار الحرية من خلال بوابة تحرير موصل, لطالما أخذت منها ( دولة الظلام اللا إسلامية ) منطلقاً لنشر القتل والإجرام والإرهاب, لتكون منعطفاً تاريخياً لمرحلة تاريخية فريدة ومميزة تسطرها بأحرف من ذهب على أيدي البيشمركة التي أخذت على عاتقها حمل شمس الحرية لتشق طريقها عبر ظلام كان قد خيم على المنطقة عقوداً مع أنظمة ظالمة زرعت البؤس والشقاء والحرمان في هذه البلدان التي سميت ( بالشرق الأوسط ). بلاد العراق التي لم ترى نور الإستقرار والأمن طوال العهد الإسلامي ( فلا أتعمق بتفاصيل التاريخ ), وكان الكورد جزءً مهماً في هذا الجزء المهم في المنطقة, لكنه لم يشارك في أي صراع من صراعات المنطقة التي كانت تهدف إلى السلطة على بحر من الدماء. ومع ذلك, كان يدافع عن وطنه بهوادة وشدة, يمنع أية عزوة أو هجوم عليه العبور أو الإستيلاء عليه. ومع بروز الدول القومية, وغدر الدول الكبرى به خدمة لمصالحها قسمت كوردستان بين دولٍ في المنطقة, وترك تلك الدول مزروعة بالألغام تتفجر حين الطلب, لم يركن لذلك التقسيم العنصر الكوردي, وزرع في قلب كل طفل إسم وخارطة كوردستان للنضال من أجل تحريره ليعيش حراً على أرضه التاريخي, وذلك إلى يومنا هذا. نحن في مرحلة من التاريخ التي تتبدل فيها كل المعالم الحياتية والمعيشية من خلال تغيير العلاقات الدولية مع الثورة المعلوماتية التي تجاوزت كل الحدود السياسية والطبيعية للدول. وبذلك تقلصت أدوات الدفاع عن نفسها تلك الأنظمة التي كانت تقف في وجه تدفق المعلومة والعلوم بأشكالها العديدة من خلال السيطرة على وسائل الإتصالات العالمية. ومعها تحركت الشعوب باتجاه إقتلاع جدران قلاع الأنظمة بأقل كلفة وأقل ثمن. إلا أن الأنظمة في شرقنا الأوسطي أبدعوا سلاحاً آخر في وجه الأحرار من الشعوب, وهو صناعة الإرهاب من خلال إنشاء مدارس عقائدية دينية وقومية, تخرج من بين جدرانها أناساً إنتحاريين يفخخون أنفسهم لضرب كل شيء يولد الحياة ويدعو إلى الحرية, فكانت ” داعش ” إحدى إبتكارات هذه الأنظمة, لإستعمالها من أجل حرق المنطقة لطالما شعوبها نهضت في وجه حكامها. مع ثورة الحرية في سوريا, وما طرأت عليها من تطورات خطيرة ومتغيرات هائلة ومخيفة, إنكشف لعبة تلك الأنظمة وهدف صناعتها للإرهاب بعد سيطرة ” داعش ” على موصل وما وصلت إليها من نتائج من الإجرام بحق الإنسان وتدميره بنيوياً تحت يافطة عريضة تحمل إسم الإسلام والعودة إلى الخلافة. وتبين بشكل واضح على أن التنظيم لايحمل أي مشروع للدولة, بل إنه غير شعاره القومي بالديني الإسلاموي والسني المذهب ” فقط من أجل إستمرار الأزمة في سوريا والعراق من خلال إستمرار الحروب من أجل الحرب وجمع الأموال خدمة لبقاء الأنظمة الإستبدادية وقمع الحريات… وبالتالي يأتي بقايا فلول البعث للسيطرة ثانية على الحكم بدعم إيراني والنظام في سوريا, يقيناً منهما على أن دولة الحريات العامة والعدالة الإجتماعية على أسس ديمقراطية بدستور فيدرالي تشكل خطراً حقيقياً على دمشق وطهران, وأن البعث أفضل بكثير من هكذا دولة حتى ولو كان معارضاً لهما…” بعد ستة سنوات من عمر الثورة السورية, والدمار الهائل الذي ألحق بالبلد, ومئات الآلاف من القتلى وملايين من المهجرين مع عجز أممي وتعنت روسي على بقاء نظام الإستبداد وتمسكها بالحل العسكري, إضافة إلى إستعمالها للفيتو في وجه أي مشروع حل سلمي, توجهت أمريكا باتجاه تنفيذ قرار كان لا بد منه, وهو قرار تحرير موصل مع استمرار حربها ضد ” داعش ” بتحالف دولي. ولكن هذه المرة هي لوحدها التي تقود العملية بخطة محكمة من دون ترك أية قوة الخوض في تفاصيلها خوفاً من الفشل. وبذلك نستنتج أن العملية سوف لن تتوقف عند تحرير موصل, بل ستستمر باتجاه أنبار ثم ديرالزور السورية والرقة, لتكتمل إلى حلب, حيث المنطقة التي تستولي عليها الجيش الحر بدعم من تركيا. اللعبة تغيرت, والأهداف قد تتغير مع تغيير مواقف دولية تجاه المنطقة. والكورد حاضر بقوة على طاولة اللعبة وبين الرمال المتحركة على الأرض. وذلك من خلال تشكيل غرفة عمليات موحدة مع القوات الأمريكية على أعلى المستويات وبمشاركة من ” قسم من الجيش العراقي ” بعد الإتفاق على مابعد تحرير موصل وعلى كيفية بناء إدارة توافقية لها. أي أن تحرير موصل والأنبار, ومن ثم كل العراق من دون رجعة, وهذا ما يؤدي إلى تدفق قوات ” داعش ” نحو سوريا غرباً لطالما تركوا الجهة الغربية من موصل مفتوحاً ” لغاية وتكتيك حربي ” أولاً, والأهم من ذلك قد يخفضون في ذلك عدد ضحايا المدنيين. لأن تطويقهم من كل الجهات سيستعملون المدنيين دروعاً بشرية, وذلك ستكون الخسائر المادية باهظة. لحساب النتائج التي ستتمخض من هزائم ” داعش ” أمام البيشمركة, كون قوات البيشمركة هي القوات المعتمدة إستراتيجياً من قبل أمريكا, وكونها تملك عقيدة وفكراً مناهضاً للإرهاب, قد تلجأ ” داعش ” إلى القيام بعمليات إنتقامية من الكورد في سوريا, لطالما هزمت أمام البيشمركة في العراق والموصل. وذلك من خلال القيام بهجمات متنوعة على مدينة ( حسكة ) وغيرها من المدن الكوردية وقراها. وهذا يتطلب من الكورد أخذ الحذر والحيطة من مغبة هكذا هجمات التي ستخلف خسارات جسيمة. ومن أجل أخذ الإحتياطات كاملة تجاه تلك المخاطر تستوجب على الإدارة الذاتية وقواها المسلحة وعلى رأسها حزب الإتحاد الديمقراطي الأمور التالية: 1ـ إطلاق سراح المحتجزين لدى أجهزتها الأمنية من السياسيين وخاصة التابعين للمجلس الوطني الكوردي فوراً, مع وقف حملات إعلامية ضد الآخر وإتهامهم بالخيانة… وما إلى غير ذلك من تشويه للسمعة, ليكون حافظاً على حسن النية. 2ـ دعوة الأحزاب والقوى الإجتماعية الكوردية قبل المكونات الأخرى إلى إجتماع فوري لأخذ دورهم في الدفاع الذاتي وحسب الممكنات بغض النظر عن الخلافات السابقة. 3ـ فتح صفحة جديدة مع الأحزاب والقوى المجتمعية من الكورد بعيداً عن الإستعلاء ومطالبتهم بالتشاركية في آداء الواجبات مع التأكيد على الحفاظ على حقوقهم بتوافق متوازن. 4ـ الإعلان عن التعبئة العامة بمشاركة كافة القوى السياسية والمجتمعية لمواجهة المخاطر والتعاون المسؤول مع الأجهزة الأمنية في المنطقة ريثما تزول الأسباب. 5ـ الدعوة إلى فتح حوار لتأسيس نوع من التعاون الجاد والمسؤول خدمة لقضية شعبنا الكوردي ولوطننا سوريا أولاً, وتجاوز كل الخلافات التي تسيء إلى العمل المشترك. أما ما يخص المجلس الوطني الكوردي والأحزاب الأخرى: 1ـ وقف الحملات الإعلامية ضد حزب الإتحاد الديمقراطي مع عملية إطلاق سراح المحتجزين. 2ـ التعاون في الجانب الأمني مع إعلان حزب الإتحاد الديمقراطي عن دعوته للأحزاب كما أسلفت. 3ـ تجاوز كل سلبيات الماضي مع أول جلسة لقاء لإنتاج ما هو صالح لخدمة قضية شعبنا, وعدم خلط الخلافات التي تأتينا من وراء الحدود مع خصوصية قضيتنا في كوردستان سوريا. 4ـ إبداء الإستعداد الكامل للمشاركة في الإدارة بتوافق بين الأطراف بعيداً عن التدخلات الخارجية. 5ـ الإلتزام بمنتجات اللقاءات إن تم ذلك بإذن الله. دعوتي هذا خارج من إحساسي بمسؤليتي التاريخية تجاه قضيتي التي أمضيت عمري من أجل نصرتها, وأن اللحظة التاريخية التي نمر بها تحمل أخطاراً قد لا ترحمنا. أرجو أن لا نضيف مآسي أخرى على ما آسى شعبنا من المآسي, وكما أتمنى أن تكونوا على قدر من المسؤولية لتسطروا تاريخ شعبكم بحروف من ذهب كما يسطرونها إخوتكم البيشمركة على جبهات القتال مع أشرس قوة إرهابية في هذا العصر. المجد والخلود لشهداء الحرية وشهداء كوردستان الشفاء للجرحى والنصر لقضيتنا العادلة ولثورة الحرية. أحمــــــد قاســــــم 18\10\2016