الحكمة في الواقعية السياسية هي تحويل الضعف إلى القوة من خلال ممارسة الدبلوماسية الناعمة تجاه المحيط.
إلا أن في واقعنا السياسي الكردي في سوريا لايوجد أية أبجدية للواقعية السياسية التي نتأمل أن نتعلمها بعد هذه السنين الطويلة من النضال.
يقال عن الكرد في سورية أنهم منظمون ضمن صفوف أحزاب سياسية, وهم يمارسون السياسة منذ تأسيس أول حزب لهم عام 1957.. لكن ومع الأسف الشديد نرى في خطابهم الشعبوية القاتلة, والذي يبتعد كل البعد عن الواقعية السياسية. قلتها مراراً أن ممارسة الأحزاب الكردية في سوريا للسياسة شبيه للراعي الذي يجلب الذئب نحو قطيع أغنامه مع الأسف الشديد.
أذكر القاريء الكريم باتخاذ المجلس الوطني الكردي عند تأسيسه في 26\10\2011 شعار حق تقرير المصير للكرد في سوريا, لكنه عجز عن الدفاع لهذا الشعار كونه غير واقعي. وفي المؤتمر الثاني استبدل بالفيدرالية ( القومية ) وأعتقد أن هذه الفيدرالية أصبحت عبئاً ثقيلاً على كاهله كونها غير واقعية لأسباب ديمغرافية وجغرافية وجيوسياسية…
لكن الجنون الذي أصاب ساسة الكرد هو إعتقادهم بأنهم سوف يقدرون إيصال ديريك بالبحرالأبيض المتوسط, وتم نشرخرائط في هذا المجال, وهناك من وضع دراسات في هذا النحو على أن هدف توصيل المناطق الكردستانية في سوريا ببعضها البعض والربط مع إقليم كردستان العراق هو تأمين خط أنابيب بترول الكردستان إلى البحرالمتوسط وتصديره إلى أوروبا…. مما أفزع الجانبين العربي والتركي على أن مشروع دولة كردستان قائمة لطالما يتم الحديث عنها في أكثر من دائرة, حتى وأن هناك مسعى كردي للتوحيد بين جزئي كردستان سوريا والعراق لإعلان الدولة…؟؟؟
إضافة إلى ذلك, عندما أعلنت قيادة إقليم كردستان عن إجراء الإستفتاء في 25\9\2017 هبت الجماهير الكردية السورية قبل غيرهم من الكرد في كل مكان, وهتفوا بحياة الرئيس مسعود البرزاني على أنه القائد الوحيد المقتدر والشجاع وهو يتحدى كل العالم لإيصال شعبه إلى الإعلان عن دولته المستقلة.. وبعد إجراء الإستفتاء وما آلت إليها الأوضاع يبحثون عن مبرر لفشلهم قبل أن يبحثوا عن مخرج يحول الخسارة إلى الإنتصار كما قام بذلك القادة التاريخيون ( نابليون بونابرت ) وليس الحصر.
الكرد في سوريا أيها الإخوة يحتاج إلى وقفة التأمل, عليه مراجعة تاريخه ” النضالي ” إن صح التعبير!؟ والوقوف على محطات مهمة طوال عقود من الزمن ليحدد أسباب إنتكاساته المتكررة نتيجة لربطه بالخارج السوري (الكردستاني) وليعلم جيداً بأن ظروفه مختلف عن ظروف بقية الأجزاء من كردستان, وبالتالي, لايمكن تحمل أعباء تلك الأجزاء في كل الأحوال, وعليه يجب أن يحدد مهامه الوطنية والقومية في الداخل السوري, ومدى إمكانية التحقيق لأهدافه في الحرية ونيل الحقوق من خلال إلتزامه بالواقعية السياسية التي تخضع بشكل حتمي إلى الظروف الموضوعية التي تحيط به.
أعود إلى الفيدرالية التي إعتمدها المجلس الوطني الكردي.. ولأكون أول المنتقدين له من الكرد, على أن تلك الفيدرالية ( أي الفيدرالية القومية لإقليم كردي في سوريا ) لاأرى فيها إلا إجهاض آخر للعمل الكردي وتعامله مع الواقع بمقياس ” الواقع السياسي ” أرجو أن أكون مخطئاً – تجرأت لإعلان عن هذا الموقف نتيجة لمخاوفي السابقة من إعلان واضح عن مخاوفي من نتائج عملية الإستفتاء, وذلك هروباً من شتائم الشارع واتهامي بأنني ضد الولة الكردية والخيانة, بل أكثر من ذلك أشرت في بعض البوستات على أنني مع الإستفتاء جبناً مني, مع أنني أشرت في أحد مقالاتي عن الإستفتاء على أنني أرى تشابهاً في الظروف بين إتفاقية الجزائر التي أنهت إتفاقية الحكم الذاتي وبين اليوم الذي نذهب فيه إلى الإستفتاء حيث المنطقة على برميل من بارود وتقلبات دراماتكية في مواقف الدول تشوبها مخاطر حقيقية,.. وقلت أرجو أن أكون مخطئاً في تحليلي للواقع المخيف – لذلك أرى من الأوْلى بأن تعود الحركة الكردية في سوريا إلى رشدها لتحديد حجمها وإمكاناتها وتناسباً لذلك الحجم وتلك الإمكانيات تحدد أهدافها القومية والوطنية بواقعية بعيداً عن الشعارات والمزاودات من أجل كسب عدد من المؤيدين. الموضوعية في أخذ القرار هي مدى القدرة على التنفيذ, والواقعية في تحديد الأهداف هي التي تحدد مدى إمكانية تحقيق تلك الأهداف.. أما أن ندغدغ مشاعر الشارع من هنا ونخسر هناك على جبهات الصراع فتلك الكارثة.
نحن شعب غدر بنا التاريخ وخانتنا الجغرافيا. نستحق أن تكون لنا دولة, ولكن كل الظروف الموضوعية وحتى الذاتية ما كانت تسعفنا في المراحل السابقة وحتى اليوم, وبالتالي, علينا أن نؤمن بمقدراتنا ولا نغامر في عملنا السياسي لطالما نحن نحتاج إلى شركاء في هذا الوطن يؤمنون بالديمقراطية وحقوق الإنسان, ويتيحون لنا ممارسة حرياتنا في إطار وطن نكون فيه شركاء. في وطن ديمقراطي تعددي لامركزي, الشراكة في إدارته والإنتماء إليه تكون هويته المعلنة.