هل تعتقدون بأن الأنظمة الإستبدادية الحاكمة في المنطقة ستستمر في ظل زحف العولمة إلى كل بيت وكل بقعة من العالم؟
أتعتقدون بأن الحراك الجماهيري في هذه السنين من فعل النخب والمعارضين الديمقراطيين للإستبداد؟ بينما العولمة هي التي تحرض الناس إلى أخذ المبادرة وتحسين معنى وجوده في الحياة, وما التواصل الإجتماعي الذي فرض على العالم (عالم إفتراضي) إلتصق بع الصغير والكبير ليلاً نهاراً من خلال الفيسبوك والتويتر والتواصل مع من يريد عن طريق ( واتساب وفايبر وغيرها من البرامج الأكثر تقدماً ).
يبدو لي أن الأنظمة الإستبدادية في مآزقها الحقيقية وهي تحتضر آخر مراحلها لطالما فقدت السيطرة على الإعلام و طرق التواصل بين الناس, لطالما تنعقد مؤتمرات عن طريق ( الماسنجر والفيسبوك وغيرها من الوسائل التي تربط العشرات من الأفراد وكل واحد منهم في بلد ).
أتذكر جيداً ما قبل التسعينيات من القرن الماضي كانت أجهزة الرقابة الصحفية في سوريا تراقب كل الجرائد والصحف التي تدخل إلى سوريا بشكل رسمي, وتقطع كل صفحة لاتعجبها وخاصة تلك التي تناول القضية الكردية ولو في أفريقيا…. أي أن كلمة كردي مطبوع على صفحة الجريدة يتم مزقها قبل الوصول إلى الأسواق… أما اليوم نقرأ كل الصحف عبر النت من دون أن نشتري أو نبحث عن الصحف في الأسواق… عدا عن أننا نتابع الآلاف من المفكرين عبر العالم يحرضون الناس ضد الإستبداد ويساندون الأحرار في العالم.
سموها ( الربيع العربي ) لطالما أن الحراك بدأ في الشارع العربي, وكان قبلها الربيع السوفيتي وشرقي أوروبا. كل من ييأس ويتكهن بأن الربيع العربي قد أصابها الجفاف فهو واهم, لأن المرحلة التاريخية التي تعصف بالمنطقة ترفض بقاء هذه الأنظمة الظالمة وعلى شاكلتها. حتى الأحزاب والنخب الثقافية والإجتماعية عليها إعادة النظر في طبيعة وجودها كنخب.
التغيير ليست عاصفة تقلع الأنظمة من جذورها, حيث بدأ في تونس ومرَّ على مصر واليمن ليصل إلى سوريا من دون أن ننسى العراق الذي كان سباقاً بفعل جراحي قامت بها أمريكا.. إيران وشعبها بدأ يتفاعل, وأن سيطرة النظام على التظاهرات لاتعني أن الأمر قد انتهى, بل سيتفاعل أكثر فأكثر إلى أن ينتصر والدور سيأتي على كل الأنظمة الشمولية وذوات الطابع الإيديولوجي لإنتاج أنظمة تليق بالمرحلة التي قد يختارها الشعب لنفسه ويقرر مصيره في الحياة.
من الطبيعي أن تدافع الأنظمة الشمولية عن بقائها وهي تعلم أنها في مراحلها النهائية (والمرحلة النهائية قد تمتد إلى عقود إلا أنها تتجه دائماً نحو الزوال والفعل الإجتماعي الثوري هو من يحدد فترة زوالها ), ومن الطبيعي أيضاً أن تساند تلك الأنظمة لكل نظام ديكتاتوري في المنطقة وكأنها تدافع عن بقائها كما يدافع نظام طهران عن حاكم دمشق, وكذلك روسيا التي ترى لنفسها فرصة سانحة للوقوف مع تلك الأنظمة لعقد صفقات كبرى لطالما أن تلك الأنظمة بحاجة إلى دولة مثل روسيا لحمايتهم داخل مجلس الأمن والأمم المتحدة وهي تمتلك حق النقض ( الفيتو ) حتى ولو كلفت الشعوب المآثر والويلات والكوارث على أيدي أنظمتها الظالمة… من منطلق ( أن العلاقات الدولية تبنى على المصالح ).
ومع كل ما شاهدناه حتى اليوم ومنذ عقدين من الزمن أو ثلاثة عقود تقريباً مع إنهيار الإتحاد السوفيتي في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي يشكل أساساً لمرحلة تاريخية تحِّولُ الشعوب من قرن إلى قرن مع تغيير جذري لطبيعة وجوده ضمن أطر وجغرافية سياسية قد فرضتها في السابق طبيعة المنظومة الدولية تحقيقاً لمصالحها بدءاً من سايكس بيكو ومروراً بمرحلة الحرب الباردة بعد مخرجات الحرب العالمية الثانية وبروز أمريكا كقوة عالمية تقود العالم الرأسمالي في مواجهة الإتحاد السوفيتي ومن يدور في فلكها…
أعتقد جازماً بأن الشعوب ستنتصر على أنظمتها الإستبدادية بطرق أكثر حداثوية من دون بروز ( القائد الملهم للثورات ) حيث ستحل الإنتفاضات الجماهيرية السلمية محل ثورات مسلحة لطالما أن الثورات المسلحة لم تفلح في إسقاط الأنظمة, وسوريا أصبحت تجربة ماثلة للعيان على أن عملية تسليح الثورة كانت بمثابة فخ أسقطت الثورة فيه وجلبت الكوارث للشعب السوري… وبالتالي, ستستمر الشعوب في معارضتها للأنظمة وتناضل بطرق سلمية عن طريق التظاهرات والإنتفاضات والإعتصامات لجر الحكومات إلى مستنقعات السقوط من دون أن تفتح لها مجالاً لإبادة الشعب بالقوة التي تمتلكها من العتاد والسلاح والجيش والمال.