أحمد قاسم: إحــــــذروا من البعث الآخــــــــر

Share Button

الحرباء تتلون مع طبيعة الأرض, وهكذا البعث يتلون بكل الألوان إلا أنه لم يخلع قميصه الملوث بالفكر الشوفيني ehmed qوعقيدة الإستبداد وإلغاء الآخر, كونه يدرك تماماً أنه ينتفي وجوده مع وجود الآخر أيما كان. قد يُخْطيء من يقول بأن البعث ونهجه ينتهي مع إبعاد الأسد بأي شكل من الأشكال.. فالبعث أصبح مدرسة تخرجت منه أجيال طوال فترة حكمه, فلقد تسلحت تلك الأجيال بذلك الفكر الشمولي بصبغة قومية مشوهة, ظناً منها أن ما بعدها ” الدنيا في حالة الخراب “, خمسون سنة من التصحر الثقافي والإنغلاق على الآخر يكفي أن يجهض أي حركة تهدف إلى التغيير والإنتقال إلى مرحلة أخرى من الحكم وإدارة الدولة بعقلية الإنفتاح على الآخر المختلف.
لقد شوه البعث معاني الديمقراطية عندما تبنى هذا النوع من الحكم شكلاً, ومارس الحكم بسلطة إستبدادية في الجوهر والمضمون. شكل ماسمي بـ” الجبهة الوطنية التقدمية ” لإضفاء الشرعية على ممارساته على أنه ديمقراطي في بناء هيكلية الحكم والمؤسسات, إلا أن الحقيقة كانت عكس ذلك, حيث كانت كل التعيينات تُبَتُ من خلال دوائر أمنية بعيداً عن القانون والتشريعات, أو مسالك خاصة تنظم العمل المؤسساتي وشكل بناء هيكلية الحكم وممارسة السلطة عمودياً وأفقياً.. إلى أن أصبح الإنتماء إلى جهة أمنية أهم من الإنتماء إلى الوطن, كان ذلك ضرورة لكل مواطن من أجل الحفاظ على أمنه وتأمين لقمة عيشه.. وأي إنتماء خارج هذا الإطار يشكل خطراً على أمن الدولة يحاسب عليه وفق الأنظمة الأمنية لمؤسسات الدولة ( الأمنية والإستخباراتية ). حتى شملت هذه القاعدة شركاء البعث من الأحزاب في ” الجبهة الوطنية التقدمية “, والغريب أن تلك الأحزاب حتى هذه اللحظة لم تعلن إنفكاكها من تلك الجبهة اللعينة, كون هذه الأحزاب أصبحت تشكل ” ظل البعث ” في إدارة الدولة, وإلا سوف يكون عقاب أي حزب يخرج من القاعدة المتبعة عقاباً قد يكون أسوأ ممن أُتهموا على أنهم يشكلون خطراً على أمن الدولة ( عدا عن أن القضية المركزية للأمة العربية التي تمثلت بقضية فلسطين أصبحت من أهم غطاء تغطى بها البعث على أنه الدولة الوحيدة في مواجهة إسرائيل بعد خروج مصر والأردن من المواجهة حسب الإتفاقيات الموقعة مع دولة إسرائيل ) وأن الدولة السورية وحكمها مستهدفة في كل زمان من قبل الإمبريالية والصهيونية, ويعني ذلك, أن أي تحرك داخلي ضد البعث وسلطته يعني ذلك أنها مؤامرة دولية تستوجب دحرها بأية وسيلة من وسائل القمع والردع, حسب إستراتيجية البعث ( الأمنية ).
الديمقراطية البعثية من خلال ” مجلس للشعب منتخب شكلاً و مُعَيَنٌ من الجهات الأمنية مضموناً, وكذلك مجالس المحافظات والمدن, وعلى نفس القاعدة تأسيس النقابات والإتحادات والجمعيات المختلفة على أنها دوائر مدنية, وفي حقيقة الأمر كانت دوائر إستخباراتية ” كانت بمثابة دوائر تتحكم بها أجهزة المخابرات لتسهيل مراقبة المواطن أينما كان, وملاحقته على أية مخالفة لقواعد السلطة والحكم والإنتماء إلى تلك الأجهزة التي من خلالها يجب التأكيد على أنه إنتماء للقائد الذي تساوى قَدْرَهَ وإحترامة وقدسيتة مع قدسية وقَدْرِ وإحترام الإله… خمسون سنة كان يكفي أن يُشَكَلَ جيشاً من العقائديين المشوهين في عمق فكرهم وتفكيرهم من خلال بث روح الفساد في دمائهم ليكونوا جيشاً إنتحارياً مدافعين عن الفساد والسلطة المطلقة, كونهم أسسوا إمبراطورية من المال عن طريق إمتصاص دماء المواطن في جميع بقاع الوطن, حيث كانت كافة دوائر الدولة هي بمثابة مركز لجمع الأموال من خلال تفشي الرشوة وكأنها أصبحت قانوناً يجب إتباعه, وأن الموظف وراء طاولته لا يمكن أن يخدم المواطن إلا من خلال الإرتشاء, حتى القضاء لم يفلح من هذه القاعدة الخبيثة.
كتبت مرة مقالاً في هذا الشأن, واعتمدت القاعدة النسبية في تحديد نسبة من يستفيدون من الفساد, فكانت النتيجة مذهلة ومخيفة. وكان ذلك في بدايات إنطلاقة الثورة السورية ” وهي كانت في حالتها السلمية “.. عندها أكدت بأن الذين سيدافعون عن النظام قد يكونوا أعلى نسبة ممن يتظاهرون ضد الفساد والإستبداد, كونهم في حقيقة الأمر يدافعون عن مصالحهم, والتي تتأمن في بقاء الفساد وسلطة الإستبداد.
هكذا كانت العراق أيضاً, حيث كانت المعارضة تفشل دائماً في مواجهتها مع النظام, إلى أن تم إزاحته بتدخل دولي, وإلا كان بإمكان النظام أن يقضي على كل المعارضة و بأبشع الصور.. ومع ذلك, فإن البعثيون لم يستسلموا, حيث غيروا ردائهم البعثي وارتدوا رداء الإسلام ليبعثوا في الأرض فساداً وقتلاً ودماراً كونهم لا يؤمنون بعملية التغيير ولا يمكن أن يقبلوا غيرهم حكاماً.. يتكلمون عن ” داعش ” و “الداعش” ليس إلا فلول البعثيين بعد إسقاط النظام في بغداد.. وهل ستصدقون بأن البعث في سوريا سيستسلم مع رحيل ” بشار الأسد ” ؟
أعتقد أن الأمر في غاية الخطورة هذه المرة.. فمثلما قررت أمريكا بعدم التدخل عسكرياً ( على الأرض ) في الشأن السوري لعدم تكرار تجربتها في العراق, مع إقرار روسيا في الدفاع عن نظام البعث الحليف في سوريا ورفضها لتكرار تجربة العراق, إستنهض البعث برداء جديد لإنقاذ نفسه من خلال تسلل نشطائه وكوادره صفوف المعارضة والكتائب المسلحة من جيش الحر, وحتى التنظيمات الإسلامية كجبهة النصرة وغيرها من التنظيمات المتطرفة ( أي أنهم ينتشرون في جميع الإتجاهات للعب دور مؤثر من أجل إنتاج نفسه بشكل ورداء آخر) وبالتالي يحكموا سوريا لمرحلة أخرى, وكذلك العراق بدعم روسي.. فليكن رأس بشار الأسد ضحية لمخطط البعث إن كان المشروع يتطلب ذلك.
لذلك, أعتقد أن التركيز على رحيل ” الأسد ” من دون المس بسلطة البعث وإدانته يشكل الخطر الأكبر على مستقبل سوريا, فلا يمكن أن تكون سوريا ديمقراطية مع بقاء البعث بأي شكل من الأشكال.. فالبعث فكر وعقيدة, هو بؤرة الفساد ورمز الإستبداد ونموزج فريد من الشوفينية والفاشية.. فاحذروا من البعث وأشكاله, واعلموا أن ما تمارس ” داعش ” من أعمال إرهابية هي جوهر إنسانية البعث التي لم يبقى لديه أية سمة من سمات الإنسانية.. نحن اليوم نواجه البعث في العديد من أشكاله, ” بعث راديكالي وليبرالي وإسلاموي وعلماني وقومي… ” فلا يغرنكم تلاوين رداءاته المزركشة والملونة, فهو إمتهن النفاق في أعلى مستوياته.
5\5\2016

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 648 من الديمقراطي

صدر العدد الجديد 648 من جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، ...