أحمد قاسم: أمريكياً… وإدارة الأزمة في كل من العراق وسوريا.

Share Button

منذ أن بدأت الإدارة الأمريكية البحث عن أولويات إهتماماتها مع التغيير الواضح في إستراتيجيتها تجاه المنطقة بعد إنهيار الإتحاد 13178648_911830938925336_528599995496787648_nالسوفيتي ومؤتمر مدريد عام 1990 كانت العراق من أولى الدول التي يجب أن يبدأ بها في التغيير وفق ترتيبات التي إعتمدت عليها نخبة من الباحثين والمستشارين ” على أن العراق هي حجرة عثرة أمام قيام مشروع الشرق الأوسط الجديد.. ” حينها كانت ” العولمة ” العنوان الأبرز لمرحلة إنتقالية من إنتهاء المرحلة التاريخية للحرب الباردة إلى البدء بالتغيير في بنية الأنظمة التي كانت معتمدة وسائدة في تلك المرحلة. ولا يخفى على المُتَتَبِعْ حجم المعارضة التي كانت تتصاعد مع ترتيبات أمريكية بموافقة أوروبية طوال ثلاثة عشر عاماً ( أي من العام 1990 إلى عام 2003 تاريخ تحرير العراق من الدكتاتورية ). كانت سوريا والعراق تقودان حملة ” المناهضة للمشروع الأمريكي ” إعلامياً, وخنق المعارضة في الداخل خوفاً من أن تستفيد تلك المعارضات من الإلتفات الأمريكي إلى المنطقة وإيلاء الإهتمام بها للبدء بشكل جدي في عمليات التغيير تنفيذاً لتلك الإستراتيجية التي تبنتها مع التغيير الحاصل في العلاقات الدولية وترتيب أولويات المصالح مع غياب ” القطب الآخر “.
لقد بدأ الصدام بشكل مباشر بين قوى التغيير والجبهة المعارضة للتغيير مع إسقاط نظام البعث (صدام حسين ) في العراق خلال الضربة العسكرية بتحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. حيث تحركت كل من سوريا و إيران من جانبهما لتعكير الأجواء في العراق والوقوف أمام أي إستقرار أو إتفاق بين القوى المختلفة وخاصة بين ( الشيعة والسنة ) آخذة شعار الجهاد من أجل تحرير العراق من الإحتلال عنواناً بارزاً للتدخل المباشر, وإرسال من خلال ذلك الآلاف من الجهاديين لإفتعال و إشاعة الفوضى قاصدين من وراء ذلك إفشال عملية ” التغيير الديمقراطي ” يقيناً منهما أن التغيير والإستقرار في العراق سيؤثر سلباً على إستمرارية النظام بشكل مستقر في سوريا و إيران.
ومع إستمرار الأزمة, والحرب الأهلية التي أشعلتها كل من النظام السوري والإيراني ” بدواعي على أنهما يساعدان الشعب العراقي من أجل تحرير العراق من الإحتلال الأمريكي ” أدركت القوى الداعية إلى بناء دولة ديمقراطية إتحادية بالتوافق بين كافة مكونات الشعب العراقي على أنقاض دولة الإرهاب والإستبداد البعثي, على أن سوريا وإيران لا يمكن أن تفك بلائهما عن العراق ” كون مصير الدولتين إرتبطت بمصير إستقرار العراق من عدمه ” لذلك كانت الشكاوى تتتالى من الحكومات العراقية ( تتهم النظام السوري على أنه مبعث للإرهاب في العراق.. وسبب للحروب الطائفية التي باتت تهدد وجود الشعب والدولة في آن معاً ).
لقد شكلت قوى الإرهاب في العراق طوقاً خانقاً على التواجد الأمريكي, وأدركت أمريكا أنها لايمكن أن توصل العراق إلى دولة مستقرة لطالما أن سوريا و إيران تعارضان ذلك, مما أدى إلى الإنسحاب الأمريكي وترك العراق بين مخالب الإرهاب والحروب الطائفية, وذلك من دون أن تتخلى عن إستراتيجيتها الدافعة نحو العمل من أجل تغيير منظومة الشرق الأوسط, حفاظاً على مصالحها وأمنها القومي. وبالتالي غيرت قواعد اللعبة مع الأنظمة في المنطقة, مع دغدغة مشاعر قوى المعارضة وتحريكها باتجاه زعزعة صفوة الإستقرار ” المفروض ” على الشعوب بالقوة من قبل الأجهزة الأمنية المرتبطة مباشرة بالحاكم المطلق من جهة.. ومن جهة أخرى التسلل الغير مباشر نحو داخل ” القلعة المخابراتية ” لتلك الأنظمة والعمل على تفكيكها من خلال شراء الذمم الرخيصة ( وما أكثر هؤلاء الرخصاء في دولة الفساد ). أي أن الولايات المتحدة الأمريكية غيرت من قوانين لعبتها تفادياً من التصادم المباشر مع الأنظمة, وتحسباً من الأعمال الإرهابية التي بإستطاعة تلك الأنظمة تحريكها ضد المصالح الأمريكية, كون تلك الأنظمة أصبحت جزءً لا يتجزأ من المنظومة الإرهابية على مستوى العالم ( حيث أن بشار الأسد أعلنها بشكل علني و هدد بها العالم في خطابه المتلفز في 30\3\2011, على أنه مع أي تدخل خارجي ضد نظامه سيشعل العالم بحرب لن تنتهي.. كان ذلك إشارة واضحة على أنه يمتلك ما يكفي من المنظمات الإرهابية ليهدد بها المصالح الأمريكية أينما وجدت ).
ومع ربط إستقرار العراق بالحالة السورية والإيرانية, تكاد أن تكون الأزمة المستعصية أمام المجتمع الدولي والعالم هي أزمة المنطقة وفي بؤر مختلفة حسب رخاوة الأرض وصلابتها. فلا يمكن فصل أزمة العراق عن أزمة سوريا ( وبالعكس ). وأن فرقاء إدارة الأزمة ( هي هي ) والأهداف واحدة.. الدور الإيراني, هو اللاعب الأكبر اليوم, وروسيا من خلال تدخلها المباشر في الحرب ضد المعارضة بحجة الحرب ضد الإرهاب, تسعى إلى الحفاظ على نظام الإستبداد.. وتركيا التي تلعب دوراً قد تختلف في الشكل عن الدور الأمريكي في إدارة الأزمة لكنها في الجوهر لا تعارض أمريكا التي تسعى إلى التغيير المستحيل في الأمد المنظور. إضافة إلى التدخلات الغير مباشرة إقليماً ودولياً تجعل من الأزمة في كلا البلدين على أنها أزمة الدول في فقدان التوازن والتوافق على المصالح, لطالما أن إيران والسعودية وتركيا من دول المنطقة التي لا يمكن أن تتفق وتوافق على إيجاد حلول سلمية, كونها هي الأخرى تستفز من أية تغيير ديمقراطي في سوريا والعراق خوفاً من إمتداد سحب التغيير إلى سمائها, فالوضع في إيران وتركيا لا يختلف عن الوضع الديمغرافي في سوريا والعراق ومكونات شعوبهما.
إذاً لنعود إلى جوهر القضية التي على أرضيتها تستمر الأزمة وتأكل من أبنائها, حيث فقدت العراق أكثر من مليون قتيل, وملايين من المهجرين على خلفية الحروب الأهلية وصراعها مع الإرهاب منذ عام 2003, أما سوريا فهي الآخر التي فقدت حولي نصف مليون قتيل وتدمير عشرات من المدن وتهجير نصف سكانها مع إنسداد آفاق للحل.. لكن الحقيقة يجب أن تقال, فهل فعلاً المجتمع الدولي وعلى رأسها الولايات المتحدة جادين في إيجاد حل لهذه الأزمة التي بدأت بالأساس مع غروب شمس مرحلة الحرب الباردة ؟
أعتقد أن الحل يكمن في تحديد عناصر الأزمة وفعالياتها, والدافع الذي قد يكون سبباً في إستدامتها وإطالة زمنها أو مدتها الزمنية, كون تلك العناصر هي بحد ذاتها لم ترى لنفسها موقعاً وتموضعاً للإستقرار.. فكل عنصر من عناصر الأزمة تريد لنفسها مساحة أوسع للتموضع على حساب العنصر الآخر من دون أن تستطيع التحكم باهتزازاتها التي تتأثر بلهيب هذه الحروب التي تجاوزت الحدود من دون تحديد ما يجب ” إلى أين ستتوقف.”
أعتقد أن النظامين في سوريا وإيران كانا السبب المباشر في توحيد الأزمة بين سوريا والعراق, وأي تفكير في الحل لايمكن عزل الدولتين عن بعضهما البعض لأسباب عديدة, وهي التي أدت إلى تعقيد الأزمة وإطالة أمد الحرب. فلا يمكن البحث عن الحلول بمعزل تدارك الأسباب و إزالتها.. وأولى تلك الأسباب هي الخلاف على شكل الدولة التي يمكن بنائها ترضي جميع الأطراف القومية والدينية, وهي التي لم يتم التوافق عليها حتى الآن. وهي التي تفرض على الدور الأمريكي أن تأخذ منحى إدارة الأزمة وليس إلى حلها, إلى أن تنضج الظروف التي تدفع الأطراف المتصارعة نحو قبول حل توافقي حتى وإن كان على حساب جغرافية الأوطان والبلدان.
أحمـــــــد قاســـــــــــم
12\6\2016

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 648 من الديمقراطي

صدر العدد الجديد 648 من جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، ...