منذ إستيلاء حزب الله الإيراني بقيادة آية الله الخميني في( 11شباط1979 ) على إيران ولعبة الشد والجذب بين إيران وأمريكا مستمرة. أحياناً كانت تصل
إلى مناطق الصدام وتتراجع, وأحياناً أخرى تبرد سخونتها ويلتقي الطرفان على هامش المؤتمرات الدولية لممارسة الدبلوماسية, والبحث عن مساحة آمنة بين الطرفين من أجل الإحتواء كل حسب حاجته لتحقيق مصالحه في المنطقة.
النهج الإيراني المتبع وفقاً لما أوصى به آية الله الخميني له ثوابت لايمكن التخلي عنها بأي شكل من الأشكال. ” تصدير الثورة, والحدُّ من التدخل الأمريكي في المنطقة, وكذلك محاربة الدولة الإسرائيلية – باعتبارها الجبهة الأمامية لأمريكا في محاربة الإسلام حسب وصف الخميني, أنها الذراع الأخطر للشيطان الأكبر في المنطقة – “.
عندما استحال على إيران ( الإسلامية ) تصدير الثورة إلى جوارها من دول الخليج على خلفية مخرجات الحرب التي دامت ثماني سنوات مع العراق, والمتغيرات التي طرأت على المواقف الدولية, أخذت إيران كلٌ من سوريا ولبنان موضع إهتماماتها الإستراتيجية في المنطقة, ذلك, مستفيدة من طبيعة الحكم في سوريا وكذلك الوضع اللبناني المسيطر عليه من قبل سوريا عسكرياً بقرار من الجامعة العربية على خلفية الحرب الأهلية في لبنان. وبالتالي, كانت من السهولة بمكان تأسيس حزب الله اللبناني الشيعي موالٍ لإيران وخاضعٍ لنهج الخميني مع مده بقوة المال والسلاح تحت ذريعة ( المقاومة من أجل تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي لجنوبه ) كان ذلك في عام 1982.
” تفجير موقع المارينز يوم 23 أكتوبر 1983 كان العملية الأضخم وقُتل فيها 241 جندي امريكي و58 جندي فرنسي .” هكذا تم وصفها آنذاك. حيث كانت تلك العملية بمثابة حرب مباشرة ضد أمريكا وقواتها المتواجدة في المنطقة, إضافة إلى ذلك, اكتسب حزب الله تأييداً جماهيرياً على مستوى البلدان العربية وحجز المكانة المتقدمة في المقاومة اللبنانية ضد الوجود الإسرائيلي وبدعم مباشر من إيران نتيجة لقيامه بتلك العملية.
من تاريخه كانت الأزمة في العلاقة الإيرانية – الأمريكية سيد الموقف بين الشد والجذب, وبين الصعود والهبوط متأثرة بطبيعة التحولات والمتغيرات للمواقف الدولية تجاه الأزمات في منطقتنا ( الشرق الأوسطية ) وما أكثرها.. والنظام الإيراني يستثمرها و يُعَمِّقُها بما تتلائم مع طبيعة تدخلاتها من خلال أذرعها المتواجدة في كل المناطق التي تعاني من الأزمات الأمنية وعدم الاستقرار.
إيران لاتخفي يوماً عداوتها مع أمريكا وإسرائيل, ولا تخفي أيضاً موقفها السلبي من جميع الأنظمة الحاكمة في المنطقة وهي تسعى إلى قلبها من خلال تدخلاتها المباشرة, حيث أن قاسم سليماني المكلف بإدارة العمليات العسكرية والسياسية خارج إيران. ( العراق وسوريا ولبنان بما فيها اليمن ) أمثلة حية للعيان.
إن المد الإيراني في المنطقة أصبح يشكل خطراً حقيقياً على أمن واستقرار شعوبها, إضافة على أنه تهديد مباشر على المصلحة الأمريكية وحلفائها, وكذلك على مصالح كل الدول التي ترفض المظلة الإيرانية ومنظومتها المخيفة التي تعتمد على إستخدام الإرهاب ومنظماته المختلفة ضد من يعيق هذا المد. وفي الوقت ذاته, طموحاتها وإصرارها على إنتاج أسلحة الدمار الشامل وخاصة السلاح النووي لتكون الدولة النووية ” اعتقاداً منها على أنها سوف تنفذ مخططاتها الإستراتيجية بما تتفق مع نهج الخميني وتوصياته في تصدير الثورة الى المنطقة الإسلامية من دون رادع عندما تكون قد اكتملت عملية صناعة السلاح النووي وتشعباته المختلفة “.
أعتقد أن ما نراه اليوم من التصعيد في المواقف بين أمريكا وإيران من خلال تشديد العقوبات الأمريكية على إيران وأذرعها المختلفة في المنطقة وخاصة حزب الله اللبناني بعد إنسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي بداية لمرحلة من الصراع لاتُخْلى من الصدام العسكري بين الطرفين وقد يكون إسرائيل أحد الأطراف الرئيسية أيضاً.
” تم التوصل إلى الاتفاق النووي مع إيران، والمعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، في يوليو/ تموز 2015 بين إيران وقوى دولية بعد ما يقرب من 20 شهراً من المفاوضات. وبموجب الخطة اتفقت إيران والولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا والصين وروسيا وفرنسا المعروفة باسم (مجموعة 5 + 1) والاتحاد الأوروبي على رفع العقوبات الدولية المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني مقابل تفكيك طهران لبرنامجها النووي. ”
إن طبيعة الأزمة التي وصلت إليها المنطقة وخاصة سوريا والعراق, إضافة إلى لبنان تشير إلى استحالة سحب إيران يدها من هذه الدول التي أصبحت من (المملكة الإيرانية) ومناطق نفوذها, وبالتالي, أعتقد أن المنطقة تتجه نحو المزيد من الصراع لطالما أن مكونات شعوبها أصبحت أجندات تتصارع بالوكالة ضد بعضها البعض في هذه الدول وخاصة سوريا التي خضعت لتقسيمات جغرافية وعمليات تهجير قسري الهدف منها التغيير الديمغرافي للعديد من مناطقها, يعني ذلك عزل المكونات عن بعضها البعض وجعل كل منطقة خاضعة لنفوذ دولة ترعى مصالحها من خلال تواجدها العسكري بالإتفاق مع تلك المكونات, أي بمعنى آخر, فإن سوريا الآن منقسمة بين مناطق النفوذ, وأن إنسحاب القوى الدولية المتواجدة على الأرض السورية ستخلف بحراً من الدماء بين السنة والشيعة في وقت لايمكن أن تنسحب إيران من سوريا والعراق وإيران حتى وإن كلفتها حروب ودمار شامل.
ولذلك, أن من يبحث عن الحل السلمي مع خروج إيران فهو واهم, ومن يرى أن الحل ممكن مع التواجد والنفوذ الإيراني واهم أيضاً.. النتيجة الحتمية هي التدخل العسكري الدولي بشكل أقوى في المنطقة وفرض خارطة فك الإشتباك بين مكونات الشعوب مع توافق دولي في ظل الشرعية الدولية, أو تغيير النظام الإيراني لصالح القوى الوطنية والديمقراطية.
موقع الديمقراطي Malpera Dîmoqratî
