بعد ﻋﻘﻮﺩ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﺸﻤﻮﻟﻲ ﻓﻲ ﺳﻮﺭﻳﺎ الذي اتبع فيها النظام ﺳﻴﺎﺳﺎﺕ قمعية شوفينية ﺿﺪ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﻜﺭﺩﻱ ﻓﻲ ﺳﻮﺭﻳﺎ،
من ﺣظﺮ للحريات ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ وحرمانه من الحقوق ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻋﺔ ﻟﻠﻌﻴﺶ ﺑﺴﻼﻡ ﻋﻠﻰ أرضه ﻣﺜﻞ ﺑﺎﻗﻲ ﺷﻌﻮﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ، حيثُ مارست أﺟﻬﺰته ﺳﻴﺎﺳﺎﺕ ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺍﻟﻘﻮﻣﻲ ﺍﻟﻤﺘﻤﺜﻠﺔ ﺑمشروع ﺍﻟﺤﺰﺍﻡ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﺍﻟﻜﺭﺩﻳﺔ ﻭﺣﺮﻣﺎﻥ ﻣﺌﺎﺕ ﺍﻻﻻﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺭﺩ ﻓﻲ ﺳﻮﺭﻳﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳﺔ وناهيك عن مصادرة الحريات العامة ومنع الأحزاب السياسية من العمل ، ومع كل هذه السياسات القمعية التي تعرض لها الشعب الكردي بقي الكرد مخلصين لوطنهم سوريا وكانوا دوماً عنصراً ايجابياً في بناء الوطن وتقدمه وازدهاره , وطالبوا مراراً بحل قضيتهم ضمن الوطن السوري واعتبروا قضيتهم قضية كل السوريين .
ومع بداية الثورة السورية انتفض الكرد مع أخوناهم ﺍﻟﺴﻮﺭيين في وجه هذه السياسات القمعية التي لم يسلم أحد منها , حالمين باﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﻼﺩهم ﺳﻮﺭﻳﺎ.
ولكن للأسف بعد مرور الثورة بمنعطفات خطيرة وعدم تدارك البعض لخصوصية الأقليات في هذا النزاع , بدأ التزاحم ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺼﺮﻳﺤﺎﺕ ﻭالخطابات ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻬﺔ ﺑﺎﺗﻬﺎﻣﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﺃﺧﻼﻗﻴﺔ ﻭالمسيئة ضد الكرد في سوريا بأساليب مبتذلة, الذي يدل على حقد دفين لا مبرر له اتجاه شعب يطالب بحريته وحقوقه القومية المشروعة وليس غير ذلك , دونما مراعاة لأبسط حقوق الإنسان أو التزام بالمفاهيم الديمقراطية.
ﺇﺫ ﻟﻢ ﻳﻜﺪ ﻳﻤﺮ شهر ﺣﺘﻰ ﻭيخرج أحدى الشخصيات (المحسوبة) على المعارضة ، ﺑﺈﻃﻼﻕ ﺘﺼﺮﻳﺤﺎﺕ عنصرية ﺗﺴﺘﻬﺪﻑ الشعب الكردي، ﻭتنعتهم ﺑﺸﺘﻰ ﺍﻷﻭﺻﺎﻑ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻳﺔ ، حتى أن ” ﺍﻟﺘﺼﺮﻳﺤﺎﺕ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻳﺔ ” ﺗﺤﻮﻟﺖ ﺇﻟﻰ ﻣﺰﺍﺩ ﻋﻠﻨﻲ، ﻳﺘﺒﺎﺩﻝ ﻭﻳﺘﻨﺎﻭﺏ ﺧﻼﻟﻪ ﺃﻗﻄﺎﺏ الذهنية القومية المنغلقة , فأن مثل هذ الكلام , يدل على مدى ﺗﺮﺳﺦ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻛﺮﺍﻫﻴﺔ ﺍﻷﺧﺮ عندهم , محاولين بذلك تغطية عجزهم و فشلهم في مواجهة الجحيم الذي يعاني منها البلاد .
فيمضي أحدهم بتشبيه الكرد السوريين بالمهاجرين في فرنسا وتارة يرفض أحدهم وجود أراضي كردية في سوريا ,وناهيك عن الاتهامات الوهمية للكرد بالانفصال وممارسة عمليات تطهير عرقي بحق العرب والتركمان .
ولم يقفوا عند هذا الحد بل اعتبروا أن القضية الكردية خسرت أخلاقياتها وتحولت من قضية حقوق الإنسان إلى قضية جرائم ضد الإنسانية و بأن الشعب الكردي مشبوه به في سوريا و يشكل طعنة للثورة السورية .
ويذهب البعض اكثر من ذلك بأن الكرد ليسُ شعباً وبأنهم عرباً ولكنهم نسوا أصولهم وانتمائهم .
ولم يكتف الأمر بأحدهم بهذا القدر من التحامل فترحم على ﻫﺘﻠﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺣﺮﻕ ﻳﻬﻮﺩ ﻋﺼﺮﻩ، ﻭﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺤﻤﻴﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺑﺎﺩ ﺍﻷﺭﻣﻦ، و ﺻﺪﺍﻡ ﺣﺴﻴﻦ الذي ارتكاب المجازر بحق الشعب الكردي , ليدعوا بعمليات إبادة جماعية و تطهير ﺑﻼﺩ ﺍﻟﺸﺎﻡ من الأقليات ,متأملين بأن يقوموا ﺛﻮﺍﺭهم ﻣﻦ (جبهة النصرة واخواتها ) باﻟﻘﻀﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺍﻷﻛﺮﺍﺩ و ﺍﻟﻌﻠﻮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻨﺼﻴﺮﻳﺔ .
ﻭﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﻤﻄﺮﻭﺡ ﻋﻠﻰ هذه الشخصيات، ﻫﻞ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ أرضننا ومدننا ﻳﻌﻨﻲ ” الانفصال ” ؟
ﻭﻫﻞ المطالبة ﺑﺘﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ ﻭحل القضية الكردية في سوريا ﻳﻌﻨﻲ ” القضية الكردية خسرت أخلاقياتها ” ؟
ﻭﻫﻞ ﺭﻓﻀﻨﺎ بأن نكون شركائكم في تدمير وطننا سوريا ﻳﻌﻨﻲ ” بأننا مشبوهون بنا في وطننا سوريا ” ؟
وللحقيقة فقط , ما بدر من هذه الشخصيات من تصريحات ومواقف عدائية تجاه الأقليات لا يؤثر في ﺸﻌﻮﺭ الكرُد ﺑﺎﻻﻧﺘﻤﺎﺀ ﻟﻠﻮﻃﻦ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ , ولا نظن أن أحد ممن يملك القليل من العقل والحكمة يمكن أن يقبل بما ذهبت إليه الأصوات الشوفينية, العاجزة ,المكبوتة بالتعصب والحقد الدفين على الغير طوال العقود الماضية والتي لا تمثل أي مكون من مكونات الشعب السوري ولا تمثل أي جهة سياسية في سورية , أنهم يمثلون أنفسهم لا أكثر , ولهذا يجب على المثقف الكردي أن يعي الحقيقة التي لا يجوز تجاهلها قبل الانجرار إلى مستنقع المهاترات والحروب الكلامية التي لا تخدم أحداً في الوطن السوري, فهناك شريحة واسعة من شخصيات سياسية وثقافية سورية تتفهم القضية الكردية وتؤمن بحقوق المشروعة للشعب الكردي ويسعون لبناء سوريا المستقبل التي سوف تضمن حقوق السوريين كافة.
فهؤلاء العقلاء ﺍﻟﺴﻮﺭﻳﻴﻦ من ﺍﻟﻨﺨﺐ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ بكافة مكوناتهم وتوجهاتهم ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﻮﺍ قبل الآن ﺃﻥ يتداركوا ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻭقطعوا ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ أمام هذه الأصوات , فهم يستطيعون أن ﻳﻠﻌﺒﻮﺍ ﺩﻭﺭﺍً ﻭﺍﻋﻴﺎً ﻓﻲ ﺗﻜﺮﻳﺲ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺍﻟﻮﻃﻨﻲ وخلق ﺧﻄﺎﺏ ﻭﻃﻨﻲ بعيداً عن التشنّج لتحقيق تطلعات الشعب السوري نحو ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ والمساواة ﻭﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ ﻭﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭﺩﻭﻟﺔ ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻨﺔ.
ﻭﺃﺧﻴﺮﺍً ﻓﻨﺤﻦ السوريين بجميع مكوناتنا ﻗﺪﺭﻧﺎ ﺍﻟﺘﻌﺎﻳﺶ ﺍﻟﻤﺸﺘﺮﻙ ﻓﻲ ﻭﻃﻦ ﻳﺤﻤﻲ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ , وبمقدورنا ﺃﻥ ﻧﺠﻌﻞ ﻭﻃﻨﻨﺎ ﻣﻠﻴﺌﺎً ﺑﺎﻟﺤﺐ ﻭﺍﻹﺣﺘﺮﺍﻡ ﻓﻤﺎ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻧﺆﺩﻱ ﺍﻹﺣﺘﺮﺍﻡ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ، ﺃﻱ ﻛﺎن انتمائهُ العرقي أوالمذهبي.