آزاد عنز : غضب البارود وجدائل الكرديات في كوباني

Share Button

اخترقت لولبية حائط الصوت وسقفه، اجتازت الهواء المظلّل للمدينة المركونة في وسط الشمال. لم تلجمها رصاصة أو ما يشابهها. وكيف لرصاصة أن تلجم قذيفة الهاون الطائشة؟ بل ردعها جسد منهك ليرتطم قحف القذيفة بقحف الجسد الذي لم يحظ بالفرار والنجاة من غضب البارود. لا صواب للحرب، لا صواب للقذائف، لا صواب للرصاص، لا صواب يلجم السفك المُراق، بل لعنات متطايرة تطارد أجساداً بريئة وغير بريئة. لعنات لا يشفي غليلها إلّا الدم الطازج. القذيفة اختزلت الجنون كله في جمجمتها لترمي أثواب الموت على أجساد عارية مهرولة على أرض الشمال الأوسط، «أرض كوباني». أجساد لا ينقصها سوى ثوب مطرز بالبارود. وقف المقاتل أعلى مشتى نور ليغتسل بترابها وصاح: سنزهق روح هذه الرقعة المرتدة لنعيدها طاهرة تليق بطهر أجسادنا. لا تُطهَّر الأرض إلا من تحت نعالنا، مدينة مرتدة. هواء مرتد. تراب مرتد. ماء مرتد. أجساد مرتدة. أرحام مرتدة. أكراد مرتدون. هكذا قالها مقاتل مجهول الهوية من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام. صاح بأعلى صوته على قمة التراب المتراكم المركون في الجنوب الشرقي للمدينة التي ستحسم أمرها بعد جدل الرصاص المتبادل. هذا التراب تراكم على عجل نتيجة لقاح شرعي بين تلّ أحمق وهضبة مجنونة فكانت الغلبة للأم في حقن الجنين بخلايا مؤنثة وصِباغ رمادية لتلد هضبة لا تلاً، فكان حاصل القران بين الحمق والجنون هضبة هجينة معدلة وراثياً سموها مشتى نور في ما بعد. اشتدت الموقعة على خفّة من دون مصافحة ومن دون سلام، وتعارك المقاتلون بالقذائف والرصاص. لا صراخ يعلو فوق صراخ الرصاص والبارود. أجساد طحنت أجساداً والبارود طحن البارود على تراب كردي في شمال كردي. لا صواب يلجم السفك المُراق. لا صواب.

انهمر الرصاص على الفراغ المسكون أسفل المدينة من أعلى الهضبة المشرفة على أحوال المحاربين، وأناخ المقاتل من الهضبة يتبع رصاصاته الملأى بالموت. موت يتقيف موتاً أحمق لا يثمل إلا من دماء تعبر أجساداً كردية. وأما فوارغ البارود من الرصاص فلا تحيا إلا إذا ملأتها مقاتلة كردية بعطرها، بعد أن تتخذ أناملها الصغيرة خيار التعبئة. هذا الموت لا ينقرض إلا بعطر كردية. ولكن من سيملأ رصاصتك الفارغة يا بيريفان بعد أن ملأت جمجمتك بالبارود؟ رصاصة واحدة كانت كافية لإعاقة زحف شهوة التنظيم على البكارة الكردية. لا صواب يلجم السفك المُراق. وأي صواب ستبتكره أيها البارود؟

حُطمت المدينة على عجل وتطايرت شظايا الأبنية على عجل أيضاً، بعد أن تحرشت بها القذائف المعتوهة. شظايا الأبنية نافست شظايا القذائف في سحق الأجساد الراكضة من ظلّ الموت إلى ظلّ الحياة. أنصاف أبنية هُشمت وأنصاف أخرى أُبيدت واستؤصلت من أصلها، وبقايا غرف لا تزال معلّقة لا تود الانزلاق والرسوب من العلو. وبينما الأرصفة تحاول الانزياح من مكانها، صاح المقاتل مجدداً: كل كردية على الأرض خيال حورية من حور السماء. كل حورية من حور السماء هي منبت الفرع المتواري في جسد امرأة كردية. وبقي الحال على حاله حتى امتزج ضجيج الهاون بضجيج القذيفة، وتسابقوا في تحطيم ما تبقى من بقايا المدينة. عندها حُرر الركام من الزكام في شمال كان يسمى كوباني. شُوّهت مرآة المدينة، لكن بقيت مشتى النور منتصبة وشامخة.

* كاتب كردي سوري

نقلا عن : الحياة

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 648 من الديمقراطي

صدر العدد الجديد 648 من جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، ...