غسان شربل غني عن التعريف ، كتب في افتتاحية جريدة الحياة بتاريخ /28 / شباط ، بعنوان:
(أهوال وقف النار ) .
رغم أن مضمون المقالة كله مواجع دفينة ، و عنوانها أهوال . إلا أن أسلوبه للنفس كان منعشا” . و إن صياغته في البلاغة كانت بديعة” – كعادته –
و نكهة كلماته تعج عذوبة” ، و ذوقه في انتقاء حروفه رفيع ….. و في الكتابة ظاهرة فريدة .
في مقالته غطس إلى دواخل مأساة السوريين ،
فلامس كل صغيرة و كبيرة بأدق تفاصيلها .
و كم كان مصيبا” في دقة تحليله دون أن تتغلبه قوة النسيان و لو لألم خفيف يخص الوطن أو المواطن .
أشاطره الرأي في جل ما ذكر باستثناء ما يلي :
( المستقبل السوري يكتب بحبر لافروف ، و مصادقة كيري ).
( القيصر وحده القادر على برمجة جرعات السم و توزيعها على المدعوين ، موالين و معارضين ، و الفتك بأعدائه ، و تقليم أظافر أصدقائه ) .
( نجوم المرحلة المقبلة ثلاثة هم : فلاديمير بوتين ، و أبو محمد العدناني – الوكيل السوري للبغدادي – و أبو محمد الجولاني ) .
لا أتفق معه كما بعض المحللين على أن روسيا سيدة الموقف للحرب المجنونة على سوريا ، و لا زعيمها قيصرا” على أرضها شرقا” و مغربا.
و لا متربعا” على نقوش بساط حاكها نساجون أمريكيون ماهرون . و من خيوط أبرزه المصبوغ بدماء السوريين قبل إراقتها ، كما بريق رسوم تعبر عن خطط محكمة وضعها لاعبون أمريكيون فطاحل في فن السياسة ، اكتسبوا خبرات في ملاعب افغانستان و العراق ، و عموم ملاعب المنطقة .
الولايات المتحدة الأمريكية لازالت زعيمة قطب شبه أوحد في العالم ، و هي بنفسها قوية. و إن لم تكن فبحليفاتها من عمالقة الدول الغربية ، و برهط غير يسير من دول المنطقة .
و سياستها ليست وليدة اللحظة ، و لا تقدم بخطوة إلا مع حساب العواقب . كما تتشعب لجزء معلن ، و آخر مستتر .
فعدم انخراطها البري مرده عدم تكرار تجربة العراق ، و أخذ الحيطة من الغوص في الطين السوري .
استراتيجية جديدة اتبعتها أمريكا من خلال تغييرها قواعد اللعبة ، إلا أن ثوابتها راسخة الجذور – و هي الأهم – .
فالسيطرة على منابع النفط على قدم و ساق ، و ما بناء المطارات ، و إنشاء القواعد العسكرية في أكثر المناطق الثرية بالنفط ( الرميلان – كراتشوك – ديريك ..) إلا صيد فاخر و نفيس ، و يستغني عن قاعدة أنجرليك التركية ، ثم أهم من المصب في الساحل الخاضع لنفوذ روسيا ( و شتان ما بين المنبع و المصب ) .
التناغم الأمريكي مع روسيا ، و التدخل العسكري للأخيرة أمر إيجابي يصب الماء في طاحونة مصالح أمريكا . من حيث استنزافها عسكريا” و اقتصاديا” .
و تغطية أجواء سوريا بالطائرات الروسية تحقق لأمريكا أهدافا” عدة منها :
منع إقامة منطقة آمنة ، و هو أمر لتركيا حلم ، و لأمريكا مرفوض .
و ثانيها : إغضاب السعودية و معها دول الخليج ، و زيادة الاحتقان بينها و روسيا ، فهو لأمريكا مستساغ .و ثالثها : بقاء الأسد لمدة غير قصيرة رغبة أمريكية محضة منذ البدء .
و من الخطأ الجسيم الاعتقاد بأن بقاءه مرده الموقف الروسي و الأيراني .
نعم قد يكون دورهما مؤثر في تمديد نبضات بقائه ،
لكن فيض الدماء إلى أكبر شرايينه منبعه القلب الأمريكي ليس إلا .
نعم فعدم سقوط النظام – و إن خر ثلاثة أرباعه – سببه تنظيم جرعات السم ، و توزيعها في جسمه الخاوي بحسب الوصفة الأمريكية الحاهزة قبل التدخل الروسي العسكري ، كما النخر في جسد المجتمع المحتقن . و لو شاءت لهدمت العرش كما في العراق و ليبيا …. و غيرها ،
دون أن يعيقها الفيتو الروسي الصيني ، و لا أن يطيل عمر النظام مقاتلو حسن نصرالله ، أو جنود عمائم الأيرانيين .
و العامل الآخر لاستراتيجيتها مستقرة حالته ، و نبضه منتظم … ألا و هو أمن إسرائيل البعيد من كل مكروه ، كما لا يعكر صفوه أي شائب .
فالانفتاح الأمريكي مع روسيا ، و قبلها أيران خير لها من المواجهة .
و الحكم على شبه صمت الأمريكيين بالضعف و الخذلان وهم ، و عن جادة الصواب بعيد – و إن خف ضجيجه فلا ركاكة في الدور ، و لا هشاشة في الأداء ، و لا قرارات لا واعية ، أو أداء لا مدرك . كما أن السكينة ليست حصيلة” انهزامية” .
بل تريث بانضاج النتائج على نار هادئة ، و بنفس متوازن ( بفتح النون و الفاء ) .
إنه الصمت الطاغي للهزة التي زلزلت كيان سوريا … فأصبح كل شيء فيها يفتح ذراعيه للتقسيم الذي لا بديل من احتضانه – و هو لب مشروعها –
أما مصير المحمدين النجمين ( العدناني و الجولاني ) فمثلما نفخوا فيهما الروح سيزهقونها .