كشف تحقيق صحافي ضخم نشر، أمس، وشاركت فيه أكثر من مئة صحيفة حول العالم، استناداً إلى 11.5 مليون وثيقة مسربة حصلت عليها، أن 140 زعيماً سياسياً من حول العالم، بينهم 12 رئيس حكومة حالياً أو سابقاً، هربوا أموالاً من بلدانهم إلى ملاذات ضريبية.
وأوضح “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”، الذي يتخذ من واشنطن مقراً له، على موقعه الإلكتروني أن الوثائق تحتوي على بيانات تتعلق بعمليات مالية لأكثر من 214 ألف شركة “أوفشور” في أكثر من 200 دولة ومنطقة حول العالم.
وجرى تسريب هذه الوثائق جميعها من مكتب المحاماة البنمي “موساك فونسيكا” الذي يعمل في مجال الخدمات القانونية منذ 40 سنة، والذي – وفق هيئة الإذاعة البريطانية – لم يواجه طوال العقود الأربعة أي مشكلة مع القضاء.
وأضاف الاتحاد أن هذه الوثائق حصلت عليها أولاً صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” الألمانية، قبل أن يتولى هو توزيعها على 370 صحافياً من أكثر من 70 بلداً من أجل التحقيق فيها في عمل مضن استمر نحو سنة كاملة. ولم يوضح الاتحاد كيف جرى تهريب الوثائق.
ومن بين الشخصيات التي ورد ذكرها في التحقيق، الدائرة المقربة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولاعبا كرة القدم ميشال بلاتيني وليونيل ميسي، إضافة إلى شركات مرتبطة بأفراد من عائلة الرئيس الصيني شي جينبينغ الذي يرفع لواء مكافحة الفساد في بلاده، والرئيس الأوكراني بترو بوروشنكو.
وفي رد فعل على التسريبات، ندد الكرملين اليوم، بتسريب “أوراق بنما” معتبراً أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو المستهدف الرئيس بها. وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحافيين إن “بوتين، وروسيا وبلادنا واستقرارنا والانتخابات المقبلة، كلها الهدف الرئيس، وخصوصاً من أجل زعزعة الوضع”، مضيفاً أن “لا شيء جديداً أو ملموساً” حول الرئيس الروسي في التسريبات.
وأطلق على الوثائق المسربة اسم “أوراق بنما”، نسبة إلى شركة المحاماة البنمية التي جرى تسريبها منها.
وأعلنت الحكومة البنمية، أمس، أنها “ستتعاون في شكل وثيق” مع القضاء إذا فُتح تحقيق قضائي استناداً إلى الوثائق المسربة.
في المقابل، ندد مكتب المحاماة بعملية التسريب التي طاولته، معتبراً إياها “جريمة” و”هجوماً” يستهدف بنما.
وقال رئيس المكتب ومؤسسه رامون فونسيكا مورا: “هذه جريمة، هذه جناية”، مؤكداً أن “الخصوصية هي حق أساس من حقوق الإنسان تتآكل أكثر فأكثر في عالمنا اليوم. كل شخص لديه الحق في الخصوصية سواء أكان ملكاً أم متسولاً”.
وأضاف أن عملية التسريب هي أيضاً “هجوم على بنما لأن بعض الدول لا تروق لها مقدرتنا التنافسية العالية على جذب الشركات”، ونفى “ارتكاب أي مخالفة”، معتبراً أن مؤسسته سقطت ضحية “حملة دولية على الخصوصية”. وأكد أنه غير مسؤول عن نشاطات الشركات التي يعمل معها، وقال: “نكرس أنفسنا لإنشاء كيانات قانونية نبيعها لوسطاء مثل البنوك والمحامين… هم لهم زبائنهم الذين لا نعرفهم”، وأضاف أنه جرى إخطار جميع عملاء مؤسسته بهذه “المشكلة”.
ووفق التحقيق، فإن الأشخاص المرتبطين بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين هرّبوا أموالاً تزيد عن بليوي دولار بمساعدة من مصارف وشركات وهمية.
وكتب الاتحاد على موقعه الإلكتروني أن “شركاء لبوتين زورا مدفوعات وغيّروا تواريخ وثائق وحصلوا على نفوذ لدى وسائل إعلام وشركات صناعة سيارات في روسيا”.
ووفق صحيفة “لا ناسيون” الأرجنتينية التي شاركت في التحقيق، فإن الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري كان عضواً في مجلس إدارة شركة “أوفشور” مسجلة في جزر الباهاماس، لكن الحكومة الأرجنتينية أكدت أمس أن الرئيس “لم يساهم أبداً في رأسمال هذه الشركة”، بل كان “مديراً عابراً” لها.
ووفق الاتحاد، فإن “الوثائق تظهر أن المصارف ومكاتب المحاماة وأطراف أخرى تعمل في الملاذات الضريبية غالباً ما تنسى واجبها القانوني بالتحقق من أن عملاءها ليسوا متورطين في أعمال إجرامية”.
بدوره قال مدير الاتحاد جيرار ريليه لـ”هيئة الإذاعة البريطانية” (بي بي سي) إن “هذه التسريبات ستكون على الأرجح أكبر ضربة سددت على الإطلاق إلى الملاذات الضريبية، وذلك بسبب النطاق الواسع للوثائق” التي سُرِّبت.
أما غابرييل زوكمان، أستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، فقال وفق ما نقل عنه الاتحاد إن “هذه التسريبات تظهر إلى أي مدى هناك ممارسات ضارة وإجرامية متجذرة في مراكز الأوفشور”.
ولا تنحصر الأسماء الواردة في التسريبات بعالم السياسة، بل تتخطاه إلى عالم الرياضة وتحديداً الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) الذي لم يستفق بعد من الفضائح المتتالية التي هزت أعلى هرمه في الأشهر الأخيرة.
وفي هذا الإطار، فإن أربعة من الأعضاء الـ16 في الهيئة التنفيذية للفيفا استخدموا، وفق الوثائق المسربة، شركات “أوفشور” أسسها مكتب موساك فونسيكا.
ووردت في هذه الوثائق أيضاً أسماء حوالى 20 لاعب كرة قدم من الصف الأول، بينهم خصوصاً لاعبون في فرق برشلونة وريال مدريد ومانشستر يونايتد، وفي مقدم هؤلاء ليونيل ميسي.
ووفق “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”، فان النجم الأرجنيتي الحائز مرات عدة “كرة الفيفا الذهبية” هو شريك مع والده في ملكية شركة مقرها في بنما. وورد اسم النجم ووالده للمرة الأولى في وثائق مكتب المحاماة في 13 حزيران (يونيو) 2013، أي غداة توجيه الاتهام إليهما بالتهرب الضريبي في إسبانيا.
ومن نجوم عالم الكرة الواردة أسماؤهم في الوثائق، برز أيضاً اسم ميشال بلاتيني الذي استعان بخدمات مكتب المحاماة في 2007، العام الذي تولى فيه رئاسة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، لتأسيس شركة في بنما.
وتعليقاً على هذه المعلومات، أصدر بلاتيني بياناً قال فيه إن المرجع في هذه القضية هو “إدارة الضرائب في سويسرا، بلد إقامته الضريبية منذ 2007”.
ولا تنحصر أسماء الرياضيين الواردة في الوثائق على عالم كرة القدم، بل تتعداه إلى رياضات أخرى، مثل الهوكي والغولف، وفق الاتحاد.
وتشمل الوثائق معاملات جرت على مدى أكثر من أربعة عقود (1977-2005) لشركات تولى تسجيلها مكتب المحاماة البنمي، ومن بينها معاملات أجراها يان دونالد كاميرون، والد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، الذي توفي في 2010، وأخرى أجراها موظفون مقربون من الرئيس الفينزويلي الراحل هوغو تشافيز.
وتعيد هذه التسريبات إلى الأذهان الوثائق السرية التي نشرها موقع “ويكيليكس” الذي أسسه جوليان أسانج في 2006، كما تذكر بالوثائق السرية التي سربها المحلل السابق في وكالة الأمن القومي الأميركية إدوارد سنودن، والتي كشفت نطاق عمليات التجسس التي تقوم بها الوكالة.
وقال سنودن: “شهدنا اليوم أكبر عملية تسريب في عالم الصحافة وهي تتعلق بالفساد”.
وسارعت هيئة الضرائب الأسترالية، اليوم، إلى الإعلان عن تحري أمر أكثر من 800 من العملاء الأثرياء لمؤسسة قانونية للتحقق من وجود حالات تهرب ضريبي محتملة.
وتغطي “وثائق بنما” المسربة فترة تتجاوز 40 سنة، من 1977 وحتى كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وتكشف أن بعض الشركات التي توجد مقارها الرسمية في ملاذات ضريبية تستغل، فيما يشتبه بأنها عمليات غسل أموال وصفقات سلاح ومخدرات إلى جانب التهرب من الضرائب.
وقالت الهيئة “حددنا هويات أكثر من 800 من الأفراد من دافعي الضرائب وربطنا الآن بين أكثر من 120 منهم وبين مقدم خدمات شريك موجود في هونغ كونغ”. ولم تذكر هيئة الضرائب الأسترالية اسم الشركة الموجودة في هونغ كونغ.
ويشمل التحقيق بعض دافعي الضرائب الذين جرى التحقيق معهم سابقاً، إلى جانب آخرين تقدموا لهيئة الضرائب بموجب مبادرتها للكشف عن الدخل خارج البلاد. وسمحت المبادرة الطوعية للكشف عن الدخل والتي انتهت في أواخر عام 2014 بالتقدم للهيئة وتفادي العقوبات القاسية والاتهامات الجنائية.
لكن هيئة الضرائب قالت إن الأفراد الذين يخضعون للتحقيق بينهم أيضاً “عدد كبير من دافعي الضرائب الذين لم يتقدموا من قبل”.