التصحر السياسي التي مرت بها سورية كشف مدى شمولية النظام القائم الذي رفض وجود حركات سياسية أو مدنية تسهم في بناء الدولة والمجتمع ,فأحتكر كل مفاصل الحياة السياسية والأقتصادية والثقافية وأنكر حقوق كافة الأقليات .
وبعيد أندلاع الثورة في بداية 2011 ثأر الشعب السوري مطالبا بالحرية والديمقراطية وإلغاء حكم الحزب الواحد هذه الثورة التي بدأت مدنية سلمية دون أن تكون لها إطار سياسي منظم .وبعد أشهر من الثورة تشكلت عدة أطر للمعارضة التي أدعت تمثيلها للشارع الثائر وأصبحت ناطقة بأسم الثورة ولكنها لم تأت برؤية جديدة تلبي مطالب السوريين وتصون حقوقهم كما أبتعدت عن الشارع .
المعارضة السورية بأطرها المختلفة اخفقت أولا في توحيد صفوفها وأحتواء كافة مكونات الشعب السوري والأعتراف بحقوقهم وإزالة هواجسهم من شكل الدولة الجديدة .فقوى الأئتلاف الوطني التي وقعت وثيقة الأعتراف بحقوق الكرد مع المجلس الوطني الكردي تتهرب من مسوؤليتها تجاه الكرد ولا تعترف بالوثيقة التي وقعتها أحيانا مما شكل مخاوف لدى الكرد وباقي الأقليات على مصيرهم لطالما عانوا من النظام السابق أي أن المعارضة فشلت في طمأنة الداخل السوري .
ثانيا: أخفقت المعارضة في الحفاظ على مدنية الثورة التي تم اسلمتها بشكل ممنهج بل كا لبعض التيارات داخل المعارضة الدور الأكبر في عملية الأسلمة بدعم عربي- إقليمي وأدى ذلك إلى تشكيل فصائل إسلامية عسكرية أدعت الإعتدال أولا ثم ولد من رحمها التطرف الذي يسيطر على غالبية المناطق المحررة .
ثالثا : لم تفلح المعارضة السورية في طمأنة دول الجوار والمجتمع الدولي والحد من مخاوفهم في هيكل الدولة البديلة وذلك عبر رؤية سياسية واضحة جامعة لكل اطرها المتشرذمة حاليا ومن خلال تصاعد دور المعارضة التي تدعو على مزيدًاً من العسكرة ورفضهم الحل السياسي ذلك على حساب المعارضة الأكثر حمكة وعقلانية التي إحيلت إلى الرصيف بسبب الفوضى الخلابة التي تعيش سورية حاليا .
موقف المعارضة الضبابي من بعض الفصائل الجهادية مثل النصرة وأحرار الشام وغيرهم أفقد من ثقة الغرب بالمعارضة الذي شكل تحالفا دوليا لمكافحة الأرهاب دون التعاون مع القوى العسكرية التابعة للمعارضة التي تشكل المظلة السياسية لتلك القوى .
لقد أثبتت قوى المعارضة السورية بأنها معارضة سلطة وليست معارضة تغيير هدفها الإطاحة بهذا النظام لتكون البديل أي تغيير الشكل بعيدا عن المضمون و هي المفاهيم والثقافات التي سائدة والتي عانى منها السوريين لعقود ولإجلها قدموا كل هذه التضحيات. فالشعب السوري لم يعد يهمه من سيحكم البلد بعد الآن بقدر ما يهمه أية قوانين ودساتير ستوضع للأعتراف بكامل حقوقهم .
ممن يدعون صفة التمثيل للشعب السوري عليه اولا تبني رؤية سياسية موضوعية تقوم على اساس الدولة المدنية الحديثة ويصون حقوق الأقليات دستوريا في دولة العدالة التي يكون الجميع سواسية امام القانون بغض النظر عن الجنس أو العرق أو المعتقد والتخلي عن العقلية الأقصائية وتجاوز الأيديولوجيات العميقة.
كما يتوجب عليها إتخاذ موقف واضح من الجماعات المتطرفة والتي تنامت نفوذها في سورية .
أيضا أنتزاع قرارها السياسي الذي تم مصادرته من قبل الدول التي دخلت على خط الثورة السورية والعمل على توحيد صفوفها وبناء خطاب سياسي موحد والدفع بإتجاه الحل السياسي لإنقاذ ما تبقى من الشعب السوري والأ ستفقد مصداقيتها وشرعيتها داخليا وخارجيا ايضا.
أخيرا على المعارضة السورية بكافة تشكيلاتها أن تدرك بان النظام البديل بحاجة إلى أن يفرض أحترامه على الشعب و ليس إرادته كما فعل نظام البعث .