في هذه المقابلة الخاصة مع «القدس العربي» يتحدث المعارض البارز وعضو الائتلاف السوري ميشيل كيلو عن آخر تطورات الأزمة السورية قبيل عودة المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا للقاء الرئيس بشار الأسد ومناقشة أفكار ديبلوماسية طرحها عليه الروس، وعن ميلاد مجلس قيادة الثّورة السورية الذي أثار الكثير من التساؤلات في أوساط السوريين، وجدوى هذا المجلس في توحيد الفصائل المسلحة، وكذلك التوجه الأمريكي القاضي بتدريب مسلحي المعارضة في دول مجاورة بهدف استبعاد من تصفهم واشنطن بالجواسيس ومنتهكي حقوق الإنسان ومتذبذبي الولاءات وغيرها من القضايا الساخنة في الملف السوري.
■ جدل كبير تسببت فيه خطوة تأسيس وإعلان مجلس قيادة الثورة بين السوريين في ظل وجود ائتلاف سوري معارض وحكومة سورية معارضة لماذا هذا التأسيس وفي هذا التوقيت؟
□ الخطوة هدفها إيجاد جواب لحالة التمزق المزرية التي تعيشها فصائل القوى العسكرية السورية وكذلك محاولة لتجاوز الهزائم المتكررة التي مني بها الجيش السوري الحر في مناطق واسعة من سوريا على يد النظام و»داعش» والتي أنزلت مكانته في العمل العسكري من الموقع الأول إلى موقع ثانوي، هذه الخطوة تمليها اليوم تطورات عملية الحرب ضد الإرهاب بكاملها ما يطرح على السوريين سؤالا بالغ الأهمية وهو هل توافقون على تحويل قضيتكم إلى مسألة ثانوية بالنسبة للتحالف الدولي العربي أم يجب عليكم القيام بشيء ما كي تستعيد هذه القضية مكانتها الأساسية في الصراع اليوم وهذا سبيله بصورة حصرية قيامكم بتوحيد صفوفكم وتعزيز مواقعكم؟ هذه باختصار الاعتبارات التي أملت خطوة الإعلان عن الرغبة في توحيد معظم الفصائل العسكرية الناشطة على الأرض أو قسما كبيرا جدا منها.
■ لكن البعض يعبر عن تخوفه صراحة من أن يحل مجلس قيادة الثورة العسكري هذا محل الإئتلاف الوطني المعارض أو محل التنظيمات السياسية السورية المعارضة إن صح التعبير؟
□ لا أعتقد ذلك لأن المجلس الجديد لن يحل محل أحد وهو أعلن بلغة صريحة انه بدرجة أساسية تنظيم عسكري ستكون له قيادة سياسية منه ولن تكون من خارج الإئتلاف أو ضد الإئتلاف، هناك عدد كبير جدا من أعضاء هذه القيادة السياسية أو المرشحين لها هم أعضاء في الإئتلاف، الأمر الآخر كذلك هو إذا كان الإئتلاف يمارس سياسات تقوم على الارتجال والتخبط وكان غريبا عن الواقع على الأرض، هل يجوز لنا أن نعارض أي محاولة لبناء وانتهاج سياسات صحيحة بحجة أنها ضد الإئتلاف أو أنها خارجه؟ شخصيا أعتقد أنه إذا بقي هذا الإئتلاف على حالته الراهنة فهو سيجبر قوى على الأرض ومن داخله على أن تبحث عن بديل له.
■ تحدثت عن المهام العسكرية للمجلس الجديد والولايات المتحدة تقوم في هذه الأثناء بعمليات تدقيق لاستبعاد غير المرغوب فيهم من المعارضين السوريين المسلحين، ما الذي تقرأه في هذا التوجه الأمريكي الجديد؟
□ هذا توجه غير عقلاني ولا يخدم مصالح الشعب السوري، ليست الولايات المتحدة الأمريكية من تقرر أهلية السوريين السياسية أو العسكرية، ما يقرر ذلك هو دور السوريين في الثورة وتضحياتهم من أجلها وقيامهم بما يجب عليهم من واجبات تجاه شعبهم، الولايات المتحدة لعبت دورا رئيسيا في إضعاف ما تسميه التيار المعتدل داخل الثورة السورية، مرة تتعذر بوجود إرهابيين ومتطرفين فتحجب عنه السلاح والعون، وأخرى تذرعت بوجود صراعات دولية تخصها لا تستطيع تجاوزها كي تضغط على الدول العربية وتحرضها على تقديم الدعم اللازم، ومن جهة أخرى تحججت بأنها لا تستطيع الدخول في حرب برية علما أن لا أحد على الإطلاق طلب منها ذلك وعلى الأقل نحن لم نطالبها بذلك كي تقول أنها لا تستطيع أن تنخرط في الصراع رغم أنها انخرطت فعليا في هذا الصراع كما لم ينخرط فيه غيرها، وهي التي لعبت الدور الأساسي في إدارة الأزمة السورية منذ قرابة أربعة أعوام وإلى اليوم. إذن على الأمريكيين أن»يخيطوا بغير ها المسلة ولا يحاولوا يزايدو علينا» هم طرف أساسي في القضاء على القوى المعتدلة داخل الثورة السورية وقد لعبوا دورا كبيرا في إضعافها وعزلها وإخراجها من الفعل وإبعادها عن الساحة حتى يقولوا اليوم انهم يبحثون عنها ولا يجدونها، هل كل هذه الملايين من الشعب السوري التي قامت تطالب بالحرية والمساواة والعدالة والكرامة ليست قوى معتدلة؟ هل خدمت استراتيجية أمريكا منعها المساعدة عن الجيش الحر في إنهاء ظهور وصعود الإرهابيين؟ هل حالت دون صعود الإرهابيين أم انها لعبت دورا كبيرا في صعودهم وتهميش القوى التي كان يمكن أن تقاتلهم وقاتلتهم بالفعل قبل بضعة أشهر وأخرجتهم من بعض المناطق التي كانوا قد احتلوها بين أدلب والرقة. كل هذه الأسئلة أوجهها إلى أمريكا لأنها في نظري مسؤولة بشكل مباشر عن تدمير الطابع المدني والديمقراطي للثورة في سوريا.
■ لكن الأمريكيين يقولون أنه لا بد من استبعاد من يصفونهم بمنتهكي حقوق الإنسان والجواسيس والمقاتلين الذين يبدلون ولاءاتهم بين لحظة وأخرى؟
□ هذا الكلام ليس صحيحا وسياستهم خدمت بالمناسبة أجندة النظام، لأن هذا الأخير كان يقول باستمرار أنه يقاتل أصوليين اندسوا بين الشعب السوري، الآن لا يوجد في سوريا شعب، يوجد فقط أصوليون والأمريكيون كانوا يقولون إنهم ينبذون القوى المتشددة التي اندست وسط المعتدلين، والآن لا يوجد معتدلون بل بقي فقط المتشددون، هذه ليست سياسة عشوائية بل سياسة أمريكية خططوا لها منذ البداية وأنا أجزم بالاعتقاد ان الولايات المتحدة الأمريكية لعبت كل الوقت على خلط شروط تتيح لها تغذية الصراع في المنطقة وتتيح لها أيضا تصفية الحسابات الإقليمية والدولية مع خصومها عبر الصراع في سوريا.
■ لكن هذا التوجه الأمريكي يحظى بمباركة دول عربية بينها قطر والأردن والسعودية وأخرى غير عربية كتركيا ومن هذه الدول من عرضت إستضافة برنامج التدريب على أراضيها، ما قولك؟
□ موقف الدول العربية اليوم يختلف عن مواقفها قبل الحرب على الإرهاب وأعتقد أنه يختلف عن الموقف الأمريكي أيضا، مواقف الدول العربية هي بمعنى ما مواقف سورية داخلية، لأن ما يجري في سوريا هو أيضا بمعنى ما شريك داخلي عربي أي ليس فقط خاصا بسوريا كما تقول الأحداث وتسند الوقائع، ما يجري في سوريا له طابع عربي وما يجري في العالم العربي يؤثر على سوريا وأعتقد أن هذا الوعي يندحر أكثر فأكثر اليوم في السياق العربي، والعرب باتوا يدركون أكثر فأكثر خاصة في الخليج ان الشعب السوري يدافع عنهم ضد إيران ويحميهم من مغامرات وطيش وجنون وأطماع إيران وان عليهم خاصة بعد الحرب ضد الإرهاب أن يبقوا على أولوية المسألة السورية في الصراع السياسي لأن إعطاء الأولوية للحرب ضد الإرهاب وإهمال المسألة السورية سيأتيهم بإيران على طبق من ذهب إلى بلدانهم والأيام بيننا.
■ المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا سيعود قريبا إلى دمشق وعلى أجندته لقاء مع الرئيس بشار الأسد وإطلاع المسؤولين السوريين على نتائج لقاءآته مع المسؤولين الروس، وفي الوقت نفسه جددت موسكو قبيل وصوله تأييدها لدمشق دولة ونظاما كما قالت، ألا يعتبر هذا دورانا في حلقة مفرغة؟
□ بدون أي شك…بدون أي شك، لأن دي ميستورا يلعب في وقت ضائع وغيره كان أشطر، هو يريد أن يجد حلا لمسألة سوريا يقول الأمريكيون انها باتت هامشية مقارنة بالحرب الدولية على «داعش» في العراق، لذلك لا أعرف في أي إطار سيجد دي ميستورا الحل..ولأنه لا يمتلك هذا الحل فهو يحاول أن يقسمه إلى عشرات الحلول الجزئية والصغيرة التي لن تمضي في النهاية إلى أي شيء غير تعميم العنف كما لم يخطر في بال أحد في سوريا من أولها إلى آخرها بحجة وقف العنف. ما يفعله المبعوث الدولي ليس حلا سياسيا بل مجرد لعب في الوقت الضائع، فهو لا يمتلك إطارا دوليا ولا داخليا ولم يحظ بقبول داخلي وبشار الأسد طبعا يتسلى، ونحن نعلم انه كان يقول منذ البداية أنه مع اتفاق جنيف وحين ذهبنا إلى سويسرا تبين انه ضد اتفاق ومفاوضات جنيف، واستثمر المسألة إعلاميا بذريعة انه يدعم مفاوضات جنيف ويساند اتفاق جنيف بينما هو في الواقع لا يريد لا جنيف ولا غيرها، وكل أمله كان منحصرا في ان يرفض الإئتلاف السوري المعارض اتفاق جنيف. وحاول أن يظهر بمظهر المحب للسلام والمقاتل للإرهابيين لانه حين ذهبنا إلى جنيف أعلن رفضه بصحيح العبارة لأي اتفاق، اليوم هو يكرر العبارة نفسها ويحاول اللعب بتحركات دي ميستورا من خلال القول إنه مع حلول وتجميد قتال إلى آخره بينما هو صعد القتال بعد مجيء المبعوث الدولي الجديد الى سوريا لطرح مشروع حلب عشرة أضعاف ما كان عليه الأمر من قبل. لأول مرة يشن النظام الآن بين 30 و 50 غارة جوية في اليوم على منطقة بذاتها بعد مجيء دي ميستورا وبعد كذبة أن النظام يريد حلا سياسيا وتجميد القتال وغيره من هذا الكلام.
■ مقربون من دي ميستورا يقولون إنه سيحمل هذه المرة إلى دمشق أفكارا ديبلوماسية طرحها الروس لتقليص بعض صلاحيات الرئيس بشار الأسد مقابل تسوية سياسية ما ردكم؟
□ اتفاق جنيف يقول أن الحل يبدأ بتشكيل هيئة حاكمة إنتقالية لديها كامل الصلاحيات وتشكل برضى الطرفين أي بيننا وبين جماعة النظام، لإنجاز انتقال ديمقراطي في سوريا، أي إنتقال النظام وكامل الصلاحيات تعني حرفيا صلاحيات بشار الأسد….بشار الأسد لا الروس ولا غير الروس سيستطيعون إنقاذه وهو لن يظل رئيسا لسوريا لا لفترة طويلة ولا قصيرة، وإذا لم يكن هناك إلا بشار الأسد رئيسا فهذا يعني أنه لن تكون هناك إلا الحرب، بشار الأسد يجب أن يخرج، ويدنا ممدودة لكل من يريد من أهل النظام أن يشارك في هيئة حاكمة إنتقالية لنقل سوريا إلى نظام ديمقراطي.
■ موسكو تسعى في الظرف الراهن إلى رعاية حوار سوري- سوري النظام أعطى موافقته على المشاركة فيه والمعارضة من خلال بعض الشخصيات التي زارت روسيا ربما تسير في هذا الاتجاه، هل في نظركم يمكن لهذا الحوار أن يحقق إختراقا ما؟
□ لا أعتقد ذلك، الاستاذ معاذ الخطيب عاد وقال ان الروس غير متمسكين ببشار الأسد، هذا الكلام كان قد قاله الروس قبل ثلاثة أعوام أي قبل أن يذهب إليهم معاذ الخطيب بكثير ويكتشف ذلك، الروس قالوا لكل من زار موسكو نحن لسنا متمسكين ببشار الأسد، وأضافوا: لماذا لا تذهبوا وتقنعوه بالتخلي عن السلطة، شخصيا حين قال لي لافروف هذا خلال اجتماع لنا به في موسكو قلت له لقد طالبناه بإصلاح يقوده هو فرد علينا بحرب، فأجابني: ماذا سيكون رده في رأيك لو ذهبنا إليه كي نطلب منه ان يترك السلطة؟ الروس في الحقيقة يلعبون بنا والعالم كذلك يلعب بنا لان أوضاعنا الذاتية كمعارضة وكجيش حر وكثورة تمكنه من أن يلعب بنا، وهناك صراعات دولية أنت تعرفها وأنا أعرفها طمرت ثورتنا وحولتنا إلى أدوات في تصفية حسابات بين قواها والعالم يتسلى اليوم بنا لأننا لسنا في وضع يمكننا من فرض مصالحنا عليه أو تمثيلها بصورة حقيقية.
■ فيما يتعلق بمبادرة تجميد القتال التي طرحها الموفد الدولي إلى سوريا دي ميستورا، وزير الخارجية السوري وليد المعلم قال ان من شروط القبول بالمبادرة قبول الطرف الآخر بها أولا والسماح بعودة الخدمات بما فيها المياه والاتصالات والمساعدات الغذائية وقيام المجموعات المسلحة بتسليم سلاحها الثقيل، هل في نظرك النظام جاد في التعاطي مع هذه المبادرة؟
□ لا. النظام يلعب كما قلت لك ويتظاهر بالقبول، لعلمه أن المبادرة غير قابلة للتطبيق ولكونها تفتقر لإطار دولي ولو كانت هذه المبادرة جدية وتقف خلفها قوى وتكون جزءا من خطة حقيقية في تطبيق حل جنيف السلمي كان النظام سيرفضها، بالمناسبة، إذا كان وليد المعلم يريد إعادة الماء والكهرباء إلى حلب لماذا لا يعيدها إلى دمشق؟ لماذا لا يعيد الأمن والسلام إلى دمشق؟ لماذا يفرض على أهل دمشق حياة لا ماء فيها ولا كهرباء ولا ديزل ولا بنزين ولا خدمات والأسعار فيها تقفز من يوم إلى يوم أضعافا مضاعفة ونحن نعرف أناسا كانوا ملاك بيوت وأراضي وعقارات ومكاتب يموتون الآن من الجوع. إذا كان وليد المعلم قلبه اليوم على حلب فعليه ان يقدم بعض الخدمات مثلا للرقة التي يقصفها طيران نظامه عبر 30 غارة كل يوم يقتل فيها 235 إنسانا خلال ساعتين فقط، فعلا «اللي استحوا ماتوا».
■ وزراء حلف شمال الأطلسي الناتو اجتمعوا في بروكسل لأول مرة لبحث تطورات الحرب الدولية والعربية على «داعش» ما هو تقييمكم لهذه الحرب حتى الآن؟ هل تحققت الأهداف في نظركم؟
□ أول شيء في اعتقادي ان هذه الحرب على «داعش» ليست بحرب جدية والاستراتيجية التي خططوا لها خاطئة. لو كانت الأولويات لحل المسألة السورية التي هي أساس باقي المسائل الموجودة في المنطقة لقام السوريون أنفسهم بعد حل قضيتهم بالقضاء على الإرهاب خلال أشهر ولوفروا على العالم وعلى الدول العربية إقامة تحالف وإيصال طائرات والدخول في متاهة لا أول ولا آخر لها. هذه الحرب بنيت فعليا لكي لا يكون هناك حل لمشكلات وأزمات المنطقة وأعتمدت سياساتها في إطار الضغط من إيران على أمريكا ومن هذه الأخيرة على إيران ومن اسرائيل على إيران ومن هذه الأخيرة على إسرائيل ومن الخليج وتركيا وروسيا الى آخره وليس من أجل إيجاد حل للمسألة السورية ومن أجل منع صعود الإرهاب الذي عطلت مواجهته حل المسألة السورية. إن ارادوا معالجة مشكلة الإرهاب عليهم أولا معالجة المشكلة السورية وان يعطوا الشعب السوري حقوقه حينها هذا الشعب هو الذي سيتكفل بنفسه بمحاربة الإرهاب والقضاء عليه.
■ سؤال أخير يتعلق بالجانب الإنساني هذه المرة كيف تعلق على قرار برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة تعليق مساعداته الغذائية لأكثر من 1.7 مليون من اللاجئين السوريين في الدول المجاورة لسوريا بسبب ما قال إنها أزمة مالية؟
□ لا أعرف ما أقول صراحة، هذا قرار مؤسف حقا ان تكون الدول العربية قد اجتمعت في قمة أصدقاء الشعب السوري في الكويت وقررت مساعدات ثم لم تف بها، وكأن هناك قرارا دوليا بالقضاء على السوريين بالقنابل وبالجوع وبالتهجير وبالبرد وبالإهمال، اليوم يقولون مليون و 700 ألف وغدا يقولون الـ 6 أو الـ 7 ملايين المتبقية التي أخرجت من البلاد وبعدها الـ 6 أو الـ 7 ملايين الذين يدورون فيها الآن على غير هدى يهيمون فيها ليست لهم بيوت ولا مأوى ولا موارد معيشة ولا أعمال وليس لديهم استقرار ولا لأطفالهم مدارس ولا علم. نحن كسوريين بدأنا نشعر وكأن العالم شطب من معادلة شعوبه على ما يبدو الشعب السوري.