تشهد المعركة حول سورية جملة انتقالات، منها انتقال جغرافي من الجنوب إلى الشمال، وعسكري من الجيش الحر إلى البيشمركة وقوات حماية الشعب الكردية، وسياسي من سورية إلى العراق، ودولي من تصفية حساباتٍ متبادلةٍ بين دول كبرى وإقليمية إلى حرب تحالف عربي/ دولي ضد الإرهاب. بينما تمر القضية السورية في مرحلة جد حساسة، نعرف مداخلها وملامح من تحولاتها، ونجهل كل شيء آخر عنها، عدا عن تغييبها مطالب شعبنا، وراء مشكلاتٍ ستنتجها، من الآن فصاعداً، التحولات التي تشير إلى احتمال حدوث تبدل جذري في مجمل المسألة السورية، وتشابكاتها العربية والإقليمية والدولية.
تتقاطع التبدلات والتحولات في معركة عين العرب، حيث تبرز، من وراء الكواليس، أدوار كانت داعمة، لكنها تنقلب، اليوم، إلى أدوار مباشرة، أهمها الدوران التركي والإيراني إقليميا، أو تتقدم إلى الواجهة أدوار كانت متفرجة، أو مكتفية بتحريك الأحداث عن بعد، كالدور الأميركي دولياً. بسبب هذه التحولات، لن يكون من المبالغة القول إن المشكلة السورية لن تبقى بعد عين العرب ما كانت عليه قبلها. كما أن الموقف، العربي والإقليمي والدولي، لن يظل على حاله، بل سيذهب في اتجاهاتٍ جديدة، وستحركه حسابات جديدة، يشير إلى هويتها إصرار طرفي الصراع المباشرين، “داعش” وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، على حسم المعركة، أحدهما ضد الآخر: داعش، لأن استيلاءها على عين العرب يضعها في موقع من يستطيع التأثير على اللعبة الإقليمية والدولية. والكرد، لأن انتصارهم يفتح باب الشراكة بينهم وبين التحالف الدولي، مع ما يمكن أن يترتب عليها من دعم غربي لكانتون خاص بهم في سورية، مفتوح على كيان كردي كبير يتجاوزه، يلغي قيامه سايكس بيكو، ويعيد الأمور إلى ما كان قد قرره مؤتمر سان ريمو، إلى جانب تعاظم دورهم تعاظماً غير مسبوق، في مواجهة تركيا التي ستتعرض لضغوط، تطاول وحدتها وكيانها، شأنها في ذلك شأن جارتها سورية.
هل سيفتح دفاع الكيانين، التركي والسوري، عن نفسيهما، أبواب تعاونٍ نوعي بينهما، ينتج شراكة تجمعهما على أسس واحدة، تفضي سورية إلى تأهيل الجيش الحر وتسليحه، واحتواء المخاطر المحتملة على تركيا وسورية، والالتفاف على تحفظ أميركا الواضح حيال هذا الجيش ودوره، وشكها باعتدال الثورة السورية وبنتائجها، ومعارضتها دور أنقرة ضد الأسد و”داعش”؟
ولعله مما يشجع على قيام شراكة استراتيجية بين الثورة السورية وتركيا أن الأخيرة بحاجة إلى التخلص من معارضة أميركا للمنطقة الآمنة التي قررت إقامتها، وأن الجيش الحر القوي الناشط بفاعلية، على حدودها الجنوبية، يمكن أن يكون شريكاً، يسهم في حفظ أمنها، إن حمته من طيران النظام الأسدي، وحمى، من جانبه، المنطقة الآمنة التي ستستوعب ضمن مساحتها عدداً كبيراً من مهجري سورية إلى تركيا والبلدان المجاورة، وستتسع لنواة سياسية وعسكرية صلبة، توسع معاركها جنوباً، لقضم مناطق النظام، وحشره أكثر فأكثر في أماكن ضيقة.
تتبدل منذ إعلان الحرب على الإرهاب طبيعة الدور التركي في سورية، والعلاقات الخارجية للمعارضة السورية والنظام الأسدي. ويتبلور دور تركي مستقل نسبياً عن التحالف، يسعى إلى إسقاط الأسد ومحاربة “داعش”، لحماية تركيا ودول سايكس/ بيكو، بينما تنضوي أدوار العرب في الحرب ضد الإرهاب، وتنتقل واشنطن إلى مرحلةٍ مختلفة من إدارة أزمتنا، تستخدم فيها أساليب وأدوات جديدة، وتنتج إطاراً دولياً وإقليمياً وعربياً مختلفاً عن إطار الصراع الحالي!
ألا يحتم هذا كله إقامة علاقة نوعية بين الثورة وتركيا، تردّ الأذى عنهما؟
عن العربي الجديد