يروي مراسل صحيفة “دير شبيغل” الألمانية، حسنين كاظم، يومه الأخير في تركيا بعدما أجبر على مغادرة البلاد حرصًا على أمن عائلته وسلامته.
وقد سارع كاظم إلى توضيب كافة مقتنياته المتناثرة في أرجاء منزله، واستقل الحافلة إلى دار الحضانة، حيث حمل ابنه وتوجه مسرعًا إلى المطار. ولم يفت كاظم تزويد زوجته بأرقام هواتف معارفه وزملائه في اسطنبول تحسبًا لأي طارئ قد يعترضه في المطار.
ولم تنجح محاولات مراسل دير شبيغل تجديد أوراق اعتماده منذ مطلع العام، ويوضح: “لم أتلقَ أي إنذار، ورسميًا لم يتم رفض طلب تجديد اوراق الاعتماد”.
ويتحدث عن صعوبة تجديد الإقامات للصحافيين الألمان، على الرغم من تأكيد رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو للمستشارة الألمانية انجيلا ميركل مطلع العام أن جميع المراسلين الألمان سيحصلون على أوراقهم.
ويقول كاظم: “تلقيت تحذيرات من المعارضة التركية التي أكدت لي أنه في حال أردت البقاء في البلد فمن الممكن أن يتم اتهامي بدعم منظمات إرهابية، أو إهانة رئيس الجمهورية، حيث جرت العادة على تلفيق الاتهامات للصحافيين العاملين ضد السلطات التركية.
بين الديمقراطية والاستبداد
قبل ثلاث سنوات، توجه كاظم إلى تركيا متحمسًا لمهنته: “لم اكن اتخيل أنني سوف اضطر إلى مغادرة البلاد في مثل هذه الطريقة، فقبل ذهابي إلى اسطنبول عملت كمراسلاً لصحيفة دير شبيغل من باكستان، كنت اعتقد ان اسطنبول تسودها الحرية الصحفية، وبالتالي سوف تكون اكثر هدوءًا من اسلام اباد، لكن سرعان ما اكتشفنا أننا كنّا مخطئين”.
ويتذكر كاظم عندما دخل تركيا للمرة الاولى في عهد رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان، الشخصية السياسية البارزة التي حققت نجاحات وإسهامات إقتصادية فارقة في السنوات الأولى من حكمه، ويعود إلى أحداث عام 2013 عندما نظمت المعارضة مظاهرات احتجاجًا على مشروع حكومي لإزالة حديقة جيزي بارك التاريخية في ميدان تقسيم، والتي تحولت بعد العنف الذي استخدمته السلطة ضد المتظاهرين إلى مسيرات وطنية مناهضة لحكم أردوغان.
ويتطرق كاظم إلى موقف رئيس الوزراء آنذاك، حيث عمد إلى قمع المتظاهرين واطلاق النار والغاز المسيل للدموع عليهم وتفريقهم بخراطيم المياه والرصاص المطاطي، ولم يقف عند هذا الحد بل عمد إلى سجن الصحافيين لأن تغطيتهم وآراءهم لم تتوافق مع توجهاته”.
ويضيف “كنت في بلد يعتريه حالة من الاضطراب، ديمقراطيته في خطر، ولقد بذلت جهداً لنقل الوقائع في التقارير التي كنت أعدها، لكن كغيري من الصحافيين كنت على دراية أن الرئيس ومؤيديه لديهم حساسية مفرطة تجاه أي نوع من انواع النقد”.
كارثة “سوما”
ويسرد كاظم تجربه أخرى له عام 2014 أي بعد أشهر قليلة من وصوله، حيث وقعت كارثة منجم التعدين سوما، ولقي أكثر من 300 شخص حتفهم اختناقاً نتيجة إفتقار المنجم للسلامة العامة.
ويقول “كنت في قلب الحدث أثناء ذلك الوقت وتحدثت مع الناجين وأفراد الأسر المتوفية، الذين عبّروا عن غضبهم وسخطهم على أردوغان، حيث قال احدهم “إذهب إلى الجحيم أردوغان” فذكرتها كما هي في تقريري، لكنّ زملائي أخذوا تلك العبارة ونشروها كعنوان رئيسي على الموقع الالكتروني للصحيفة، عندها تلقيت الكثير من التهديدات والشتائم عبر البريد الالكتروني، كان أبرزها “اذا رأيناك في الشارع سوف نقطع لسانك”.
ويضيف كاظم: “غادرت تركيا في ذلك الوقت لمدة أسبوعين، وبالصدفة ذهب أردوغان إلى كولونيا حيث استقبله بحفاوة حوالى 1500 شخص، تعمدت الحضور لسماع خطابه، حيث ذكر فيه عبارة “الصحافي الذي يريدني أن أذهب إلى الجحيم” وكررها مرة أخرى وأضاف: “من الواضح أنه يعرف الطريق إلى هناك”.
وسأل كاظم “هل فعلاً يعتقد أردوغان إني قلت هذا الكلام وأنه صادر مني شخصيًا، ولم يتنبه إلى أنه كلام مقتبس”.
حرية الصحافة في خطر
ويتحدث مراسل “دير شبيغل” عن مرحلة صعبة للصحافة التركية التي تعمل في ظل الكثير من القيود، حيث تخصص الدولة بعض الموظفين للتدقيق في الصحف بشكل دائم واكتشاف إذا ما كانت تحتوي على شتائم ضد الرئيس، فنشر تلك الأمور جريمة يعاقب عليها القانون، أما الصحف المعارضة فلا بد أن تمر على الرقابة بشكل يومي.
ومنذ خسارة حزب العدالة والتنمية الإسلامي الأغلبية المطلقة قبل عام، وتكثيف الصراع الكردي في الجزء الشرقي من البلاد، أصبح الوضع أكثر قمعًا، خاصة بعدما اقتحم أنصار الحزب فروع حزب الشعب الديمقراطي، ومقر صحيفة “حرييت” في اسطنبول، واتهام الكثير من الصحافيين المشهورين بدعمهم للارهاب، ما ادى إلى سيطرة الدولة على الصحف، ووصف كاظم هذه الأوقات بالعصيبة للصحافيين الأتراك والمراسلين الأجانب على حد سواء، ويضيف: “يقول أردوغان انه سيحارب الارهاب لكنه لم يفرق بين اولئك الذين يحملون الاسلحة والقنابل واولئك الذين يستخدمون قلمهم لنقل الحقائق”.
وكان قد تحدث أردوغان في وقت سابق لوكالة انباء الاناضول قائلاً “إن الشخص الذي يتمتع بصفة عضو في البرلمان، او صحافي أو رئيس احدى المنظمات غير الحكومية لا يغيّر احتمالية أن يكون إرهابياً”.
درج التهميش
ويكمل كاظم سرده لبعض الحقائق خلال رحلته الصحفية إلى اسطنبول: “لقد حرصت دائمًا على تقديم صورة متوازنة للحدث، فخلال الأشهر الماضية سافرت إلى جنوب شرق تركيا، حيث تقول الحكومة انها تقاتل ارهابيين من حزب العمال الكردستاني، الذين يشنون هجمات كل بضعة أيام، فوجدت أن السكان المدنيين يعانون حظر التجول ويضطرون لقضاء أيام وأحيانًا اسابيع في منازلهم، مع صعوبة ايجاد محلات لشراء الحاجات الاساسية”.
وأضاف: “طلبت أن اتحدث إلى الجنود الذين يقاتلون بهدف فهم وجهة نظرهم، لكن طلبي قوبل بالرفض، حتى اني كنت ارغب في التحدث إلى المسؤولين في الحكومة، وبالطبع مقابلة أردوغان لكني لم اتلقَ أي جواب وتم وضع طلبي في درج التهميش”.
خارج تركيا
ولدى كاظم الكثير من المعلومات الجديرة بالذكر، خاصة الجهود التي تبذلها تركيا في ما يخص اللاجئين السوريين، لهذا السبب لم يؤيّد بدوره مطالب سحب الدعم المالي الأوروبي بسبب موقف الدولة من حرية الصحافة، وسأل لماذا يجب أن يتحمل اللاجئون عواقب نهج تركيا وموقفها من حرية الصحافة؟
وصل حسنين كاظم وعائلته إلى مطار اتاتورك في اسطنبول، تفحص مسؤول الجوازات أوراقهم، وبعد لحظات تخللها بعض التوتر، خاصة أنهم لا يحملون تصاريح إقامة سارية المفعول، تم تسليمهم الأوراق وأصبحوا خارج تركيا!
– See more at: http://elaph.com/Web/News/2016/3/1078763.html#sthash.9yKaGGzc.dpuf