محمد مصطفى علوش: المبادرة الروسية والسيناريو العراقي في سوريا

Share Button

imagesبعيداً عما يدعيه النظام السوري وحلفاؤه من تحقيق الانتصار على الولايات المتحدة التي انكفأت عن عدوانها خوفاً مما قد يحلق بها من هزائم محتملة على يدّ النظام السوري وحلفائه في المنطقة ، وبعيداً ايضاً عن خيبة الأمل والإحباط المخيمين على رؤوس المعارضة السورية التي كانت تنتعش قبل عدة أيام بفعل الحديث عن توجيه ضربة عسكرية غربية لسوريا ، وتعد ثواني الانتظار الثقيلة لدخول وقت القضاء على النظام السوري مرحلة التطبيق ، جاءت المبادرة الروسية أو قل ان شئت الصفقة الروسية الامريكية لتقضي على الترسانة العسكرية السورية ، وما تملكه سوريا من مخزون استراتيجي من أسلحة الدمار الشامل التي عمل النظام على بنائها لعقود طويلة ، أملاً في تشكيل توازن رعب مع اسرائيل المسلحة بكل أنواع الأسلحة الفتاكة من تقليدية متطورة للغاية ، وصولا الى الأسلحة النووية والكيميائية والجرثومية .

ومع موافقة النظام السوري على المبادرة الروسية بتدمير السلاح الكيميائي ، ووضعه تحت الرقابة الدولية ، تسقط كل مفردات “السيادة” و”الإستقلال” و”الإنتصار”. ولا أفهم بماذا يزهو انصار النظام ، وقد قبلت سوريا بالتوقيع على معاهدة الحد من انتشار السلاح الكيميائي دون قيد أو شرط في حين يرقص الساسة الإسرائيليون مبتهجين؟  فما تحقق ، وسيتحقق في المستقبل المنظور بفعل المبادرة الروسية ، سينهي التهديد السوري المحتمل لإسرائيل لعقود طويلة ، دون أن تخسر الأخيرة قطرة دم واحدة .

وسواء صحَ حديث وزير الخارجية الروسي سيرغي لاوفروف من أن المبادرة ثمرة زواج عرفي جمع واشنطن وموسكو سراً في خلوات متعددة على مدار الأسابيع السابقة ، رغم تخفي الإدارة الأمريكية خلف ايحاءات المفاجأة من المبادرة أو الصدمة من قبول السوريين بها ، أم لم يصح حديث لافروف ، فإن المبادرة الروسية انجزت أموراً عديدة للولايات المتحدة ، بغض النظر عمن ادعى الانتصار في هذه المعركة الدبلوماسية ، الأمريكان أم الروس أم السوريون .

أول انجازات المبادرة المطبوخة خارجياً هو تدويل الأزمة السورية ، وفتح الباب أمامه على مصراعيه . النظام السوري الذي كان يرفض مطلقا البحث في حوار مع المعارضة تحت سقف الجامعة العربية بداية الأزمة بحجة الإخلال بالسيادة الوطنية ، ومن ثم رفضه بوجود المراقبين العرب قبل ان يعود ويقبل به،  لم يجد وزير خارجيته وليد المعلم مبرراً لقبول بلاده تدمير السلاح الكيمائي إلا الحديث عن حماية الشعب السوري من عدوان خارجي ، هذا الشعب الذي يطحن على مدار عامين ونصف دون ان يتغير خطاب النظام حول الجماعات المسلحة والارهاب او يتطور سلوك المعارضة التي تريد ان تقضي على كل ما فعله آل الاسد منذ وصولهم للسلطة في سوريا ، ولو كان الثمن تدمير سوريا : الدولة ، والمجتمع ، والأرض.

الأزمة السورية باتت مدولَة تماما ، والكل يدلي بدلوه بها ، ويؤثر في سيرها : امريكا ، روسيا ، الاتحاد الأوروبي ، تركيا ، ايران ، أغلب العرب ، والى حد ما الصين ، وكوريا الشمالية .

قد يقول قائل : ان النظام السوري يناور في مسألة السلاح الكيميائي ، ولن يسلمه للأمم المتحدة ، حرصاً على أهميته كسلاح استراتجي أمام العدو الإسرائيلي . شخصياً لا اعتقد ان النظام قادر على المناورة بعد أن اطبقت الكماشة الغربية على رقبته ، ووضعته امام خيارات تتضاءل يوما بعد يوم .

والأكثر خطورة في ملفات الأزمة بعد المبادرة الروسية هو الدخول في سيناريو شبيه بالسيناريو العراقي اثناء حكم صدام حسين الذي قبل بوجود مفتشين دوليين عن اسلحة كيميائية وبيولوجية على أرضه لتتحول الامور فيما بعد من التفتيش عن اسلحة دمار شامل الى التطرق  لقضايا تمس أمن الدولة والمجتمع العراقي . وكانت النتيجة أن الولايات المتحدة وحلفاءها استغلوا الأمم المتحدة لتهيئة الحرب على العراق ، تمهيدا لاحتلالها . ولولا أن المقاومة العراقية كانت شرسة ، وألحقت خسائر فداحة بالغزاة لما انكفأت امريكا ، وخرجت حاسرة الرأس من العراق ، وهو الأمر نفسه الذي يكاد يتكرر في افغانستان .

الحال الذي وصلت إليه سوريا اليوم يجعل من السهل تطبيق السيناريو العراقي بحذافيره ، والخطورة هو أن يكون الهدف الغربي ، الذي تشاكسه روسيا لأسباب خاصة بمصالحها الحيوية وتحاول أن توظفه المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري ، هو تفكيك الدولة السورية تماماً وتحويلها الى كيانات وكنتونات طائفية وعرقية .

 

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 639 من الديمقراطي

صدور العدد الجديد (639) من جريدة الديمقراطي باللغتين العربية و الكردية. الافتتاحية : من المعلوم ...