محمد طيفوري: مبادرة النيروز: درس تركي جديد للعرب

Share Button

10_2قدم أحفاد كمال أتاتورك – مرة أخرى – درسا جديدا من دروسهم للعرب، فبعد أن نجحوا في إرساء دعائم دولة الحق والقانون، وبناء المؤسسات التي أهلت دولة تركيا للالتحاق بنادي الديمقراطيات ( معدل دخل الفرد السنوي  3آلاف دولار قبل عشر سنوات، إلى 11 ألف دولار اليوم، وبلغ الناتج الداخلي القومي 900 مليار دولار هذا العام). وتحقيق المصالحة المستحيلة في نظر بني يعرب بين الإسلام والديمقراطية؛ باستيعابهم أن الأول (الدين) تعليمات إلهية، بينما الثانية (الديمقراطية) تعليمات بشرية. الأول أبدي لأنه من صنع الله، والثانية نسبية متحولة لأنها من صنع المعاش البشري.

كان الدرس التركي الجديد عن تدبير التعددية والتنوع في المجتمع التركي، حيث استطاعت الحكومة (حزب العدالة والتنمية) والدولة (جهاز المخابرات التركية) التركية إقناع عبد الله أوجلان، زعيم حزب السلام والديمقراطية الواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني بوقف العمليات العسكرية وتبني الخيار التفاوضي.

جاءت هذه الخطوة النوعية في مسار المسألة الكردية لتشكل منعطفا جديدا في قضية بدأت مع قيام الدولة التركية، وتجذرت بتأسيس حزب العمال الكردستاني عام 1978 – إقامة كردستان كبرى –، وتوجت باختيار العمل المسلح ضد الدولة التركية عام 1984 لتحقيق أهدافه.

كانت المقاربة العسكرية هي الطاغية على التعاطي مع المسألة الكردية طيلة ثلاثة عقود (منذ 1984)، تخللتها بعض المحاولات التفاوضية بين الفينة والأخرى. وبالتحديد عام 1993 مع توغورت أوزال و 1997 مع نجم الدين أربكان، غير أنها باءت بالفشل لوجود قوى داخلية وخارجية ليس من مصلحتها حل المسألة الكردية.

عمل حزب العدالة والتنمية على إعادة الجيش إلى ثكناته منذ توليه الحكم في تركيا، إيمانا منه بأن مقومات دولة ديمقراطية حديثة تكون بالفصل بين السلط لا بتجميعها. وقد كان لتحجيم أدوار الجيش في المشهد السياسي أثر كبير على مسار المسألة الكردية، التي كانت ورقة في يد المؤسسة العسكرية تحركها أنا ومتى وكيف شاءت.

تمكنت تركيا من انتهاج سياسية تجاه المسألة الكردية هي الأكثر ديمومة وهدوء واحتواء في الوقت نفسه على حد تعبير وزير الخارجية أحمد داود أغلو (العمق الاستراتيجي: موقع تركيا ودورها الاستراتيجي)، الذي يضيف في ذات السياق – التعاطي مع القضية الكردية – “إن وضعنا في الاعتبار العناصر الجيو اقتصادية، والجيوسياسية، والجيوإثنية، يصبح من المتعين على تركيا تحقيق انفتاح ثقافي، يصالح ويحتوي كل العناصر المنحدرة من أصول وجذور متباينة، التي يجمعها تاريخ بها مشترك يمتد لألف عام أو يزيد…” لذلك يجب أن تتمتع تركيا ببصيرة ورؤية استراتيجية من شأنها ألا تسمح باستغلال القوى الخارجية لمصالحها الإقليمية ولأبناء المنطقة.

إن التأمل في خريطة الوطن العربي تكشف عن فسيفساء من الأعراق واللغات والديانات شكلت هوية المنطقة (أمازيغ، أقباط، نوبيين، أكراد، شيعة،…) على امتداد قرون من الزمن. لكن الخطاب السائد بعد الثورات من قبل بعض الأطراف والمحرض على إلغاء القوميات والأقليات والإثنيات ليس من شأنه حل أي مشكلة بل سوف المشكلات الموجودة أساسا ويزيد من تعقيدها.

بهذه الخطوة تكون تركيا قد وضعت قضية عمرت لعدة عقود على سكة الحل، في الوقت الذي تهوي فيه معظم الدول العربية (المغرب، الجزائر، مصر، سوريا، لبنان، العراق…) في واد سحيق يقودها نحو القضاء على الأقليات والتعددية داخل أوطانها، وبدلا من تعزيز وترسيخ رابط المواطنة بين أفرادها وإذكائه، تغلب روابط العرق، الدين، الطائفة، القبيلة إلى غير ذلك.

إن التعاطي مع مشاكل من هذا القبيل مرهون بمعنى القدرة على إعادة تقييم الأبعاد الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والدبلوماسية لهذه المشاكل على نحو متكامل. كما أن أي بعد من هذه الأبعاد لا يكفي وحده لحل المشكلة. أما عنصر الحل الأساسي الذي يتضمن هذه الأبعاد جميعا، فيتعلق بمشاعر المرجعية التي تقع في صلب الأسس الثقافية والسياسية والاقتصادية. وإن لم يكن هناك نظام اقتصادي، ونظام سياسي، ووسط ثقافي قادر على إنتاج مشاعر مرجعية من شأنها الإحاطة بكل شرائح المجتمع فلن يكون من الغريب أن تطفوا مثل هذا النمط من التوترات الداخلية، التي تتغذى من صدام المصالح الجيوسياسية الخارجية.

مرة أخرى يأتي للعرب درس جديد من بلاد الأناضول في طرق تدبير قضايا شائكة مرتبطة بالتعدد والتنوع، والتي تفرض إعادة تقسيم الأبعاد الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والدبلوماسية للمشكلة على نحو متكامل، وهو ما تفتقد إليه الدول العربية في تعاطيها مع مسألة التعددية. لتكون المحصلة حلولا وقرارات تفضي إلى تشتيت المشتت وتفكيك المفكك- على شاكلة السودان – نحو مزيد من التفرقة والتجزيء.

*كاتب مغربي

منبر الحرية

 

 

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 639 من الديمقراطي

صدور العدد الجديد (639) من جريدة الديمقراطي باللغتين العربية و الكردية. الافتتاحية : من المعلوم ...