محمد شفيق ابراهيم: الأستاذ عبد الحميد درويش و شخصيتة المثيرة للجدل ( في ذكرى تاسيس أول حزب كردي سوري )

Share Button

00

يعتبر السيد عبد الحميد درويش آخر شخصية سياسية كردية من المؤسسين لأول حزب كردي سوري في 14 حزيران عام،1957، حيث كان يسود في حينها جو نسبي من الديمقراطية في سوريا الخارجة حديثا من الوصاية الفرنسية ، ولكنه بالرغم من ذلك تم حرمان الشعب الكردي من الاعتراف الدستوري بوجوده كشعب له مقوماته القومية أو كشريك للعرب في دولة سوريا، بالرغم من تضحياتهم الجسام في الثورة السورية ضد الوصاية الفرنسية، وأعتبر الكرد في سوريا كمواطنين عرب لا غير.

ومن هنا كانت الصدمة كبيرة لدى الوطنيين الكرد وخاصة المثقفين الكرد ،حيث وجدوا الضرورة لتنظيم أنفسهم في حزب سياسي كردي يضع على عاتقه انتزاع الاعتراف بالكرد في سوريا كشعب قائم على أرضه التاريخية ، ومن حقه التمتع بكل حقوقه القومية أسوة بشريكه الشعب العربي في سوريا، فكان أن اجتمعت كلمة كوكبة من المناضلين وعلى رأسهم الشخصية الوطنية الكردية المعروفة ( أوصمان صبري ) وكل من السادة نورالدين ظاظا وشوكت حنان وحمزة نويران وخليل محمد و رشيد حمو والسيد ( عبد الحميد درويش) والذي كان أصغرهم سنا ، وهو محور حديثنا هنا ، حيث كان بالرغم من صغر سنه يتمتع بذكاء حاد ، وصفات أخرى نادرة مكنته من الاستمرار في الحياة الساسية الكردية منذ تأسيس أول حزب سياسي كردي سوري والى الآن ، ولا يزال يتربع على عرش حزبه ( الديمقراطي التقدمي  الكردي في سوريا) حيث كان يمتلك صفات القائد أولا والذكاء ثانيا والمرونة في العمل ثالثا والقدرة الفائقة على التكيف مع مختلف ظروف الاضطهاد التي عايشتها الحركة الساسية الكردية من قبل أعداء الكرد من الشوفيينين العرب رابعا.

واستطاع وهو الشاب الجامعي بذكاءه وشعوره الوطني العالي أن يكون من أوائل المؤسسين للحزب الديمقراطي الكردستاني السوري، وبخلاف بقية شركائه المؤسسين استطاع الصمود والاستمرار في وجه أعتى الأعاصير التي عصفت بالحزب ، ومختلف المؤامرات الداخلية والخارجية التي حيكت ضد حزبه ، والتي أدت في النهاية الى تقسيم الحزب الأم الى جناحين : سمي احداهما (باليمين) حيث كان السيد عبد الحميد درويش يقود ذلك الجناح ، والآخر سمي بالجناح (اليساري) حيث كان السيد( صلاح بدرالدين) يقوده، واحتد الصراع بينهما، وبالرغم من كل الوساطات من قبل الزعيم الكردي الخالد( مصطفى البرزاني )الا أن التقسيم قد حصل وتحول كل جناح الى حزب قائم بذاته ،اضافة الى حزب آخر سمي( بالحيادي) عن الجناحين السابقين، والذي هو الآخر تحول الى حزب ثالث ،وكان الصراع والانقسام في الحزب الأم عبارة عن صدى للخلافات التي كانت موجودة في (الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي ).

وكل ذلك حدث في عام 1965 حيث كان عاما مفصليا بالنسبة للحركة الساسية الكردية والحزب الأم السابق، حيث تشكل ثلاثة أحزاب كردية كل منهم سار في طريق منفصل عن الآخر، وقاد السيد عبد الحميد حزبه في وسط جو من القمع والملاحقة لمعظم النشطاء الكرد في سوريا في حينها ، واستطاع بقدرته الكبيرة على المناورة السياسية واستغلال الفرص ومسايرة الخصم انقاذ حزبه ورفاقه من كثير من الملاحقات والسجن من دون التنازل عن مبادئه التي يعمل من أجلها ، ويعتير حزبه صاحب كثير من المبادرات التي حافظت بواسطتها على الوجود القومي الكردي في سوريا ، وصيانة فولكلورهم  وتراثهم ، وحزبه ونهجه النضالي تميز على الدوام بالاعتدال والواقعية والانطلاق من المبدأ السياسي القائل ( ان السياسة هو فن الممكن ) ، وابتعد كثيرا عن المتاجرة برفع شعارات قومية عالية السقف  بغية الدعاية الحزبية أوكسب الجماهير الكردية ، وهذا النهج الواقعي والوسطي الذي اتبعه ،أثبت الزمن أنه كان صائبا، وفي نفس الوقت عندما كان يجد فرصة مواتية لانتزاع بعض الحقوق القومية لم يكن يتردد أبدا في التحرك لانتزاع ما يمكن انتزاعه وفقا للظروف السائدة.

وأتذكر أن حزبه في بداية الثمانينات كان المبادر لاحياء العيد القومي الكردي ( عيد النوروز ) في أحضان الطبيعة في مدينة القامشلي ، عندما وجد أن هناك ارتخاء في القبضة الأمنية حيال الكرد في عهد الرئيس السابق ( حافظ الاسد )،  وبذلك أعاد الاحتفال بالنوروز بهجتها وأصالتها من حيث الخروج الى الطبيعة بعد منع طويل من قبل السلطات الشوفيينية لذلك ،حيث كان يتم الاحتفال بها سرا وتحت جنح الظلام وفي قرى نائية بعيدة عن أعين الأمن السوري المجرم ،الذي كان يقمع تلك الاحتفالات والمحتفلين ،  وكذلك هذا الشخص له الفضل الأكبر عام 2004في انقاذ الشعب الكردي من مجزرة كبيرة ابان انتفاضة الكرد في قامشلو في عام 2004 ،حيث كان يعرف بحنكته السياسة امكانية تعرض الشعب الكردي الى  ابادة حقيقية ،اذا تابع انتفاضته في ظل تقاعس المجتمع الدولي عن المساعدة ، وعمل على تهدئة الأوضاع والاكتفاء بما حصل ، وكان حزبه على الدوام يحاول ايصال صوت الكرد الى المعارضين السوريين وطرح رؤيته الواقعية لحل القضية الكرديةفي سورية ، وساهم في بناء علاقات جدية مع المعارضة العربية السورية عند بدء ما سمي بربيع دمشق عند بداية استلام الرئيس السوري ( بشار الأسد ) للسلطة فيها ،ويعتبر الاستاذ عبد الحميد من الشخصيات الكردية الساسية الرئيسية ، وبدونه يبقى أي عمل كردي ناقصا، وغير قابل للنجاح ، ودوره محوري في الحركة السياسية الكردية ، وله خدمة عظيمة للعمل النضالي الكردي ،وهو الذي كرس مجمل حياته في خدمة شعبه ، وفق النهج الذي رسمه هو لنفسه ،ويستحق هذا الشخص أن يكرم على ذلك من قبل أبناء شعبه ، وهو في الحياة ، وأقترح على المجلس الوطني الكردي ومجلس الشعب لغرب كردستان باعتبارهما ممثلين للشعب الكردي في سوريا ، المبادرة الى تكريمه، وتقليده وساما يسمى بوسام ( الامتنان والتقدير من الكرد السوريين  لمناضليه ) ، ليصبح ذلك تقليدا يبدأ بالأستاذ (عبد الحميد  درويش) ، وفي كل عام يليه  يتم اختيار شخصية أخرى لها باعها في النضال الوطني الكردي ، لندخل البهجة في قلوب هؤلاء الأبطال المخلصين للكرد والكوردايتي ولنرد لهم شيئا من جميلهم .

الدكتور محمد شفيق ابراهيم

16/6/2013

 

 

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 88 من جريدة التقدمي

  صدر العدد (88) من جريدة التقدمي الشهرية الصادرة عن مكتب الثقافة و الاعلام في ...