لاشك أن تعقيدات الوضع السوري في هذه اللحظات تبعث الكثير من التساؤلات حول مستقبل سوريا, والذي ستُرسي هذا البلد على شاطيء بعد كل هذه الكوارث التي أدت بشعبها جراء تعنت النظام واختياره الحديد والنار في مواجهة المطالب الشرعية لهذا الشعب الذي عانى الويلات من يد الأجهزة الأمنية المتعددة طوال خمسة عقود.
ونحن على بوابة جنيف3 بعد الإعلان عن وقف ” الأعمال العدائية ” بقرار من المجموعة الدولية وبمتابعة ذلك القرار من قبل روسيا والولايات المتحدة, يحق لكل سوري أن يسأل و “يتساءل ” عن مستقبل سوريا إن بدأت المفاوضات بدون أية إعاقة من أي طرف وفقاً لمباديء جنيف1 والقرار الأممي رقم 2254 , ولطالما أن الطرف الرئيسي للمفاوضات هو وفد من النظام ذاته الذي أدى بما أدت إليها الوضع في سوريا من تدمير وتهجير والقتل بمئات الآلاف, فما الذي سيتغير في طبيعة هذا النظام إن بقي حاكماً حتى ولو تم مشاركته بعدد من ممثلي المعارضة, إلا أن في حقيقة الأمر, سيبقى يده الطولي في إدارة الدولة والمجتمع لطالما يملك قدرات هائلة من السلاح والمال, فهل يُعْقَلْ أن يتساوى مع الشريك الضعيف؟
هواجس كثيرة تتحرك في مخيلة أبناء الشعب السوري للإطمئنان على مستقبلهم بعد كل التضحيات التي قُدِمَ من أجل الوصول إلى الحرية والكرامة. ولأجل ذلك, فكان لا بد من مشاركة جميع مكونات الشعب السوري بممثليهم الحقيقيين للتوافق على صيغة توافقية تؤمن حقوق كل الأطياف القومية والدينية والمذهبية في سوريا من دون إستعلاء طرف على الآخر, كون الشعب السوري بطبيعة وجوده يتكون من أطياف عديدة, فلا بد أن يكون النظام القائم متجاوباً مع هذه الطبيعة للحفاظ على وحدة البلاد أرضاً وشعباً كما يترددها الكثيرون الذين ينصبون بأنفسهم كحماة لسوريا بأرضه وشعبه.
يبدو أن خارطة المكونات تطرح بثقلها على أروقة التباحث والحوارات الجارية بين مجموعة الدول التي لها باع في الأزمة السورية. لذلك, و إن كانت المكونات تتباحث كل على حدى وفي دوائرها الخاصة عن حيثيات التي يجب أن يبنى النظام القادم عليها, وهي تتمثل بنظام ديمقراطي تعددي في حده الدنيا, ومنها من أعلنت عن إقامة نظام فيدرالي, إلا أن هناك طيف واسع يتشبث بمركزية الدولة على أرضية ديمقراطية من خلال الإنتخابات المباشرة بعد صياغة دستور جديد للبلاد يؤكد على ذلك, وهذا الطيف هو من ينتمي إلى إخواننا من العرب السنة, كونه يشكل الغالبية في البلاد, فهو مطمئن على أنه سيحكم البلاد لوحده من خلال صناديق الإنتخاب لتبقى بقية المكونات رعية, رهينة لرحمة الأغلبية و شفقتها.
ومن خلال إستطلاع للرأي بين مكونات الشعب السوري, أنتجت منظمات المجتمع المدني المختصة في مجال حقوق الإنسان, تتلخص في أن ” الشعب السوري يتكون من العديد من المكونات, وهي كانت تعاني من الإستبداد وحكم حزب واحد وطائفة واحدة وأسرة واحدة, فلا يمكن إستنساخ نظام آخر منه.. ومن الضرورة بمكان إعادة النظر في مجمل القضايا الإجتماعية والسياسية والثقافية والإقتصادية لسوريا ومكونات شعبها, وذلك لإستخراج نظام متعدد الألوان يستمد شرعيته من كل الطوائف والقوميات من خلال مشاركتها لبناء الدولة وإختيار الحكم وسياغة الدستور.”
ومن خلال متابعة الولايات المتحدة الأمريكية و روسيا عمق الأزمة السورية التي أستمدت حيثياتها مع إندلاع الثورة من ذلك الخلل الموضوعي لبنية النظام واتباعه سياسة التوازنات بين المكونات على حساب حقوق تلك المكونات مع التشبث بحكم تديره طائفة دون غيرها.. ولذلك إندلعت حرب طائفية بين السنة والعلويين, ومن ثم إجتمع المجاهدون والمقاومون من السنة والشيعة من كل حدب وصوب ليناصروا كل حسب طائفته. ومن خلال هذا الفرز الخطير, إقتنعت روسيا قبل الولايات المتحدة الأمريكية, بأن نظام الإنتخابات لا يمكن أن يحل المُعْضِلة بين مكونات الشعب السوري لطالما أن هناك أغلبية و أقلية بين المكونات, والأخطر من ذلك, لا يمكن أن يتعايش المكون العلوي مع المكون السني بعد كل المجازر التي أرتكبوها ضد بعضهم البعض.. فإن كان وحدة سوريا لا بد منها, يجب أن يحصل كل مكون على ضمانات لأمنه وإستقراره, وكذلك مشاركته في الحكم. ومن أجل تحقيق ذلك, رأت الولايات المتحدة وروسيا, أن خير سبيل للحفاظ على وحدة سوريا, وبناء آليات لضمان السلم الأهلي والتعايش المشترك بين المكونات هو إتباع النظام الفيدرالي واللامركزية السياسية للدولة. من هنا جاء تصريح وزير خارجية أمريكا وكذلك من الجانب الروسي للتأكيد على مستقبل سوريا كدولة تؤسس على قاعدة نظام فيدرالي.
ومع إطلاق الدولتين الكبريين ذلك التصريح, إهتمت كل وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمقروءة بذلك, وتتالت أصوات التأييد من الكثير من الجهات إلى جانب الرفض من جهات أخرى, لتصبح الفيدرالية على جدول الحوار بين السوريين أنفسهم, مع إهتمامات الدول الإقليمية أيضاً كلٌ حسب مصالحها وتوجهاتها ورؤيتها نحو المستقبل.
أعتقد أن موضوع صياغة النظام إنطلقت منذ لحظة إعلان روسيا و أمريكا عن رأيهما بذات الشأن, وأن جميع مكونات الشعب السوري ستدعم هذا التوجه للحفاظ على سوريا كوحدة جغرافية أولاً, وكذلك تأمين حقوقهم كمكونات لها خصوصياتها الإجتماعية والثقافية والدينية والقومية.. وإن كانت هناك معارضة, فأعتقد أنها لا تشكل غالبية الشعب السوري.
أحمـــــد قاســــــــم
5\3\2016