اليأس، هذه هي أفضل كلمة يمكن أن تصف الصور التي تلتقط لهروب عشرات الآلاف من جحيم القصف الروسي الذي قلب موازين المعركة ومكّن قوات نظام بشار الأسد وحلفائها من تحقيق مكاسب عدة، فضلا عن مئات آلاف العالقين في المدن المستهدفة والذين لازالوا يجهلون مصيرهم ويعانون من نقص في أهم متطلبات الحياة كالوقود والغذاء.
وفي غضون أسبوعين، قلب النظام وحلفاؤه الطاولة على قوات المعارضة المعتدلة وغيروا موازين القوى بفضل القصف الروسي، في حين بدا فيه نفق الحل الدبلوماسي مظلما وأمل نجاح محادثات وقف إطلاق النار ضعيف جدا، بينما تزداد معاناة أهالي حلب ويتكدس النازحون على الحدود السورية التركية.
وما زاد الطين بلة، إقدام قوات النظام والمليشيات الشيعية اللبنانية والإيرانية على قطع الطريق الرئيسي الواصل بين حلب والحدود التركية، مما منع وصول المساعدات إلى سكان المدينة المحاصرين تحت القصف، إذ قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن عدة ضربات جوية روسيا استهدفت قرى في المنطقة الأحد، فالروس يستهدفون معاقل المعارضة لا معاقل داعش كما زعموا في بادئ الأمر، وهدفهم ليس القضاء على الإرهاب إنما تأمين الطريق بين دمشق والساحل لقوات النظام.
لتفهم ما يجري في حلب، اقرأ عن غروزني:
شبّه بعض المحللين سياسة الحكومة الروسية في التعامل مع الأزمة السورية بسياستها في التعامل مع التمرد الشيشاني عام 1999 حين كان فلاديمير بوتين رئيسا للوزراء. وها هو اليوم يظهر كرئيس لروسيا الاتحادية، ولم يتغير شيء في تعامله مع الأزمات التي تشغل بال الحكومة الروسية، وكأن التاريخ يعيد نفسه، ففي الماضي اعتبرت الحكومة الروسية جميع معارضيها “إرهابيين”، ودمرت مدنا بأكملها كغروزني التي اعتبر 80 في المائة منها غير صالح للحياة.
اليوم ها هي روسيا تعتبر كل معارض للنظام في سوريا “إرهابيا” وتقصف “غروزني الجديدة”، مدينة حلب، وتدمرها على بكرة أبيها. بوتين اليوم يفرض الخيار العسكري على السوريين كما فرضه على الشيشان، حيث يريد لسوريا أن تكون شيشانا آخر.. ضعيفة وخالية من أي مقاومة لروسيا ويحكمها رجل مخلص لفلاديمير بوتين.
يعتقد بعض المحللين أن ما تبقى من المعارضة المسلحة ستصبح راديكالية نتيجة لتقدم قوات النظام على عدة محاور، إذ تشعر قوات المعارضة بخيانة حليفتها، الولايات المتحدة الأمريكية، لها، إذ قال أسامة أبو زيد، كبير مستشاري الجيش السوري الحر الشهر الماضي إن ” الولايات المتحدة الأمريكية تتحول تدريجيا من طرف محايد في النزاع إلى شريك في الجريمة، إذ إنها تشترك مع نظام الأسد وحلفائه في قتل السوريين”.
وتلقي العديد من مجموعات المعارضة والمسؤولين الأتراك، باللوم على الولايات المتحدة الأمريكية لفشلها في إقامة منطقة آمنة في شمال سوريا العام الماضي. وارتفعت أصوات مسؤولين سابقين في الحكومة الأمريكية مطالبة أوباما بزيادة تمويل المعارضة المسلحة المعتدلة السنية والقوات الكردية، لأنها تحارب النظام وداعش على حد سواء. كما طلبوا من الحكومة الأمريكية إعادة النظر في شأن إقامة منطقة آمنة لتأوي اللاجئين ومنطقة حظر جوي في الشمال السوري لحمايتها.
كابوس أوروبا وسنة مؤلمة:
أشارت تقارير صادرة عن الأمم المتحدة، إلى أن 150 ألف شخص قد نزحوا من حلب وحماة وإدلب خلال ثلاثة أسابيع في شهر أكتوبر/ تشرين الأول، وما ذلك إلا “بداية السيل”. تركيا التي تستوعب حتى هذه اللحظة مليونين ونصف المليون لاجئ، أكدت بانها قد وصلت إلى طاقة استيعابها القصوى ولم يعد باستطاعتها استقبال المزيد من اللاجئين. وهذا الأمر لا يقلق أحدا، بالقدر الذي يقلق فيه راحة الدول الأوروبية، حيث خصصت دول الاتحاد الأوروبي مبلغ 3.3 مليارات دولار لمساعدة تركيا ولبنان والأردن على استقبال اللاجئين، كي لا يعبروا البحر المتوسط ويصلوا إليها. في حين يرى فيه بعض المسؤولين الأوروبيين أن أزمة اللاجئين في أوروبا مقصودة وموجهة من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
في الوقت الذي ترتعد فيه أوروبا خوفا من أزمة اللاجئين، تساور المخاوف الدول الداعمة للمعارضة السورية كتركيا والمملكة العربية السعودية وقطر، من تبدد استثمارهم في الثورة السورية وذهاب أحلامهم أدراج الرياح في حال سيطر النظام العلوي على سوريا وتمددت المليشيات الشيعية كحزب الله أكثر فأكثر. فلم يعد أمامهم خيارات كثيرة لإيصال الإمدادات إلى الفصائل التي يدعمونها، فخيار إرسال المساعدات لا يمكن أن يتم إلا عبر إدلب التي تسيطر عليها جبهة النصرة. وقد يلجؤون إلى تشكيل فصيل مسلح جديد كجيش الفتح أو إرسال صواريخ مضادة للطيران أو فتح جبهة في شمال لبنان، كما قال فابريس بالانشيه، من معهد واشنطن.