فيما تتمسك ادارة الرئيس الأميركي باراك اوباما بإبرام اتفاق مع ايران حول برنامجها النووي، لدرجة استخدام وزير الخارجية جون كيري «طروحات عاطفية» في محاولته اقناع مجلس الشيوخ بتأجيل اقرار عقوبات جديدة على طهران، لا يتردد سياسيون محافظون أميركيون في القول إن «نصف اليهـــود في العالم الذين يقطنون في اسرائيل اليـــوم مهددون بإبادة ثانية في التاريخ بسبب سياسة اوباما»، بعد الأولى على يد الزعيم النازي ادولف هتلر خلال الحرب العالمية الثانية، والتي قضت على نحو نصفهم ايضاً.
لكن ما تفعله ادارة اوباما يتخطى إطار تجنبها مواجهة أزمة قد تهدد الحليف الأهم للولايات المتحدة في الشرق الاوسط، الى تأكيد قلة اهتمامها بقيادة العالم، حتى لو أدى ذلك الى فوضى عارمة.
لا شك في ان الولايات المتحدة اضطلعت بدور بارز في توجيه العالم والتحكم بنزعاته السياسية «الجامحة» بعد الحرب العالمية الثانية. وتمثل انجازها الأكبر في هزيمة النظام الشيوعي للاتحاد السوفياتي. ثم تطلعت بعد انهيار جدار برلين عام 1989 الذي أنهى تقسيم اوروبا، الى نظام عالمي جديد لا مكان فيه، نظرياً على الأقل، لديكتاتوريين متمردين مثل الرئيس العراقي السابق صدام حسين، أو الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش.
وبعد اعتداءات 11 ايلول (سبتمبر) 2001، أعلنت الولايات المتحدة «الحرب على الارهاب»، وقادت الجهود الدولية لوقف مخططات زعيم تنظيم «القاعدة» اسامة بن لادن، و «الجهاديين» الاسلاميين.
وبصـــرف النظر عن حوادث ونكسات نتجت من استراتيجياتها الخاطئة، ضمنت القيادة الأميركية حرية التجارة والسفر والاتصالات في العالم، وروّجت احياناً لهذه الأفكار، إضافة الى إحلال الديموقراطية في دول متسلطة.
ومنح الدعم الكامل للولايات المتحدة مكاسب كبيرة لحلفائها الأساسيين، وفي مقدمهم بريطانيا ودول اوروبية أخرى واليابان وكوريا الجنوبية واسرائيل، في حين اعترف محايدون واعداء بخطأ السير في خط معاكس، ما حرمهم من فوائد كثيرة.
في المقابل، بدت ادارة اوباما خلال خمس سنوات من توليها السلطة مرهقة من تطبيق نظام القوة الأميركي في العالم، والذي دفع الأميركيين الى خوض حربين خلال عقد في العراق وافغانستان، وغير متمسكة بدورها في لجم العنف فيه، خصوصاً في الشرق الأوسط، الأقل أهمية لأمن الولايات المتحدة اليوم، باعتبارها باتت اقل اعتماداً على النفط والغاز في المنطقة.
وهكذا، تُظهِر فرنسا وليس الولايات المتحدة تشدداً اكبر اليوم تجاه ايران وبرنامجها النووي الذي يشـــتبه الغــــرب في سلوكه طريق صـــنع أسلحة دمار شامل. وتبدو المانيا قوة مالية أكثـــر نضجاً، واليابان أكثر واقعية في مواجهة نزعة الصين الى العنف في النزاع الدائر حول الجزر في بحر الصين الجنوبي.
اما روسيا فيزداد الاعتماد عليها في حل المشاكل، وأهمها في سورية التي تجاهل رئيسها بشار الأسد الصيف الماضي خطوطاً حمراً أميركية كثيرة، ما استدعى تهديد اوباما بالتدخل عسكرياً، قبل ان يتراجع ويخضع لتأثير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ايجاد تسوية حول الترسـانة الكيماوية لسورية.
وباتت دول عدة، رغم تفهمها اضطرار ادارة اوباما الى الالتفات للداخل، في ظل معانـــــاة الولايات المتحدة من أكبر أزمة دين فـــي تاريخها، لا تثق بما يقوله اوباما، بعدما لجأ الى التضليل في قضية الهجوم على السفارة الأميركية في بنغازي، وأدلى بتصريحات متقلبة وغير واضحة النيات حول مصر وسورية.
وعلى سبيل المثال، أبلغ وزير الخارجية جون كيري الكونغرس ان التدخل العسكري في سورية سيكون محدوداً، قبل ان يعلن اوباما ان الجيش الأميركي لا يكتفي بتوجيه «وخزات» عسكرية. وكلا السيناريوين لم يحصل في نهاية المطاف.
ولعلّ اوباما نفسه لم يستطع فهم ما نتج من سماحه لبوتين بتسوية فوضى الأزمة السورية، في حين خسر ورقة دعمه الرئيس المصري محمد مرسي المنتمي الى جماعة «الاخوان المسلمين»، بعدما أطاح الجيش الأخير في حزيران (يونيو) الماضي. ويجعل «تقرّب» اوباما الأخير من ايران لابرام اتفاق نووي، تركيا بقيادة رئيس وزرائها «الإسلامي» رجب طيب اردوغان الأقرب الى ادارته في الشرق الأوسط.
وألحقت سياسة اوباما اضراراً كبيرة بسمعة الأمم المتحدة، بعدما تجاوزت القرار الأممي عدم التدخل في ليبيا، واستبعدت دور المنظمة الدولية في الأزمة السورية، وحجّمته في قضية الملف النووي لإيران. كما اثرت على وضع حلفاء واشنطن في آسيا – الهادئ، إذ ليس واضحاً بالنسبة الى اليابان وتايوان وكـــوريا الجنوبيـــة، وحتى استراليا ونيوزيلندا، إذا كانت لا تزال تخضع لمظلة الحماية الأميركية في مواجهة الصين التي تكرر تذكير هذه الدول بهذا الواقع وتحذيرها من نتائجه.
في الحصيلة، تتجاهل واشنطن تماماً إظهار أي افضلية في العلاقات مع حلفائها القدماء، ما يعني ان اوباما لم يغيّر دور الولايات المتحدة في العالم، بل العالم نفسه على صعيد تعريضه لأخطار، ربما تكون أكبر، ولا يعرف احد أين ستظهر في المرحلة المقبلة، والأهم من يستطيع وقفها.
الائتلاف» يناقش خطة انتقالية استعداداً لـ «جنيف 2»
لندن، بيروت، دمشق – «الحياة»، رويترز، أ ف ب
الإثنين 18 نوفمبر 2013
بدأت قيادة «الائتلاف الوطني السوري» المعارض درس تصوراتها للمرحلة الانتقالية استعداداً للمشاركة في «جنيف 2». كما تدرس في الوقت نفسه دعوة رسمية من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لزيارة موسكو. وعلم ان الرئيس الاميركي السابق جيمي كارتر اعد بعد لقاء مساعديه مع مسؤولين سوريين ومعارضين، مقترحات للحل السياسي وتطبيق بيان جنيف الاول للعام الماضي.
وكان «المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية» برئاسة رضوان زيادة بدأ امس ندوة عن التحول الديموقراطي بناء على دراسة اعتمدتها المعارضة للمرحلة الانتقالية، شارك فيها رئيس «الائتلاف» احمد الجربا ورئيس «المجلس الوطني السوري» جورج صبرا وسلفه برهان غليون ومعارضون آخرون.
ويتضمن البرنامج مشاركة الجربا وغليون وصبرا بجلسة تتناول «مؤتمر جنيف وسيناريوات الثورة السورية» اليوم. وقال زيادة انه اذا قررت المعارضة الذهاب الى مؤتمر «جنيف 2» فإنها ستكون «مسلحة برؤية متكاملة حول المرحلة الانتقالية تتضمن آليات نقل الصلاحيات التنفيذية والتشريعية الى الحكومة الانتقالية» وفق ما جاء في «جنيف 1».
وكانت الدراسة التي اعدت قبل التوصل الى الاتفاق الاميركي – الروسي حول السلاح الكيماوي وقبل زيادة نفوذ المتشددين الاسلاميين، اقترحت ان يكون نظام الحكم برلمانياً وان يكون رئيس الوزراء من الكتلة البرلمانية الأكبر على ان يتمتع رئيس الجمهورية بـ «صلاحيات فخرية مثل استقبال السفراء وتصديق المراسيم التشريعية». كما اقترح التقرير ان يكون دستور العام 1950 «نقطة انطلاق الدستور السوري الحديث، اضافة الى «إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية» وتشكيل «جيش وطني» ونزع السلاح.
وحصلت «الحياة» على تقرير أعده «مركز كارتر» بعنوان «خيارات التحول السياسي وتوضيح بيان جنيف»، اقترح ثلاثة خيارات يتعلق احدها بـ «اصلاح» الدستور الحالي فيما يخص «الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها رئيس الجمهورية بما يتطلب تعريفاً جديداً للفصل بين السلطات. كما ان عدداً من الصلاحيات الحالية للرئيس تتطلب ان تنقل الى الجهاز الحكومي الانتقالي بصلاحيات كاملة» وفق بيان جنيف الأول، او ان يصل ممثلو النظام والمعارضة الى «دستور موقت» ذلك للوصول الى «اقامة هيكلية حكم موقتة تتناول المرحلة الانتقالية».
في غضون ذلك، أفاد منذر أقبيق مستشار الجربا ان لافروف وجه دعوة لرئيس «الائتلاف» لزيارة موسكو بين 18 و21 الشهر الجاري، لافتا الى انه «سيتم التنسيق بين الجانبين لتحديد موعد جديد للزيارة» بعدما تعذر تلبيتها بالموعد المقترح. وقالت مصادر اخرى ان الاتجاه الى ذهاب وفد من رئاسة «الائتلاف» وليس الجربا.
واجرت مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان ونائب وزير الخارجية فيصل المقداد امس محادثات في موسكو تحضيراً لمؤتمر «جنيف 2» الذي يتوقع انعقاده في الشهر المقبل، وفق ما نقلت وكالة «فرانس برس» عن مصدر رسمي في دمشق.
ميدانيا، تعرضت مدينة قارة في منطقة القلمون شمال دمشق، التي يتحصن فيها عدد كبير من مقاتلي المعارضة أمس، لقصف بالطيران الحربي، وسط محاولات من قوات النظام لاقتحامها. وفي حلب شمال البلاد، افاد «المرصد السوري لحقوق الانسان» باسقاط الكتائب المقاتلة لطائرتين حربيتين كانتا تشاركان في قصف مناطق عند الأطراف الشرقية لحلب. واعلن وزير الكهرباء السوري عماد خميس ان عملا «تخريبيا» تسبب بعد ظهر الاحد بانقطاع الكهرباء عن دمشق والعديد من المناطق الجنوبية.
الحياة