أيها الأخوة والاخوات الحضور…
أحييكم من القلب:
المسألة الكردية وموقعها في القضية الوطنية السورية
بعد إتفاقية سايكس- بيكو عام 1916- دخل جزء هام من ابناء الشعب الكردي الذي يعيش ُ في مناطقه التاريخية (الجزيرة، كوبانيه، عفرين) ضمن الحدود الدولية للجمهورية السورية وعاشوا منذ ذلك الحين في هذه الدولة بتآخِ ووئام وسلام ولم يشُب عيشهُ شائبة ولم يشعروا قط خلال هذه الفترة بأنهم غرباء في هذ الوطن، بل العكس صحيح.
فقد شاركوا أخوانهم السوريين من عرب وسريان وغيرهم مشاركة فعالة في إزدهار الوطن وتقدمه وتحقيق استقلاله، والأحداث تشهد بأن الذي رفع علم الاستقلال على البرلمان السوري هوأحد أبناء الكرد محمد البارافي وغيره من الذين ضحوا بحياتهم من اجل تحقيق استقلال وطنهم سوريا.
وبنفس الوتيرة تقلّد عدد كبير من الكرد مناصب رفيعة في الدولة حتى وصلت إلى رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء- وقائد أركان الجيش والعديد من المناصب الحساسة والهامة. وظلت الأمور في عهد الاستقلال على هذا المنوال حيث كان قادة الاستقلال وفي مقدمتهم (شكري القوتلي) رئيس الجمهورية السورية عندما قام بزيارةٍ إلى الجزيرة نزل ضيفاًعلى احد وجهاء الكرد ثم إن الحزب الوطني الذي كان يترأسه.
وحزب الشعب الذي كان يترأسه (رشدي الكيخيا) واللذان حققا الاستقلال مع غيرهما كانا يضمان عشرات من قادة الحزبين ومن الوزراء الكرد في ذلك العهد,وبقيت الامور على هذه الحال رغم الانقلابات العسكرية التي قام بها كل من (حسني الزعيم- سامي الحناوي- أديب الشيشكلي) ويُقال أن الأصول القومية للقادة الثلاث كانت كردية، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الكرد كانو يعتبرون أنفسهم اصحاب الوطن وجزء من النسيج الوطني السوري وليس غرباء عنه.
وظلت الأمور على هذا المنوال حتى عام 1954 حيث انتخب مجلس النواب بعد الإنقلاب أديب الشيشكلي عام 1954 وبنفس الوقت أنتُخبَ عدد يتناسب مع وجود الكرد في الجزيرة- وجبل الاكراد وعين العرب (كوبانيه) من الكرد في هذا البرلمان وقبل إنتهاء مدةهذا البرلمان تم تأسيس حزبنا (الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا في 14 حزيران 1957) والذي كنتُ أحد مؤسسيه، ولم نشعر عند التأسيس بأن هناك فوارق بين العرب والكرد وأنطلاقاً من ذلك المُناخ الوطني السائد ثبت في برنامجه السياسي بأن الكرد جزء من الشعب السوري- وأن الحركة الوطنية الكردية التي يمثلها هي جزء من الحركة الوطنية العامة في البلاد وأن القضية الكردية يمكن ان تجد حلها المناسب والعادل في إطار حل مجمل القضايا الوطنية في البلاد، ومن هنا أخذ حزبنا على عاتقه النضال مع سائر القوى والاحزاب الديمقراطية في البلاد من أجل استمرار النظام الديمقراطي البرلماني السائد.
إلا أن الامور تغيرت بشكل جذري وتحديداً بعد قيام الجمهورية المتحدة بين مصر وسوريا ومنذ ذلك التاريخ المشؤوم انقلبت الامور رأساًعلى عقب فقد واجه الشعب السوري برمته حملة شرسة ضد القوى والاحزاب الوطنية والديمقراطية، ومارست السلطات الحاكمة القمع والتنكيل ضد الوطنين وطبق النظام الدكتاتوري والحكم الفردي في المنطقة.
وكان من نصيب الكرد كسائر المواطنين السوريين إضافة إلى الاضطهادوالتمييز القومي الذي مورس بحقهم كقومية. ومنذ عام 1958 والشعب الكردي في سوريا يتعرض لأبشع أنواع التعذيب والأضطهاد والتمييز القومي على أيدي الأنظمة المتعاقبة على سدة الحكم تهدف كلها صهر الكرد في بوتقة القومية العربية.
فقد تم تجريد اكثر من (150)ألف من المواطنين الكرد من الجنسية السورية عام 1962، وطبقت السلطات مشروع الحزام العربي عام(1966) وأنتزعت الأرض من الفلاحين الكرد على طول الحدود السورية – التركية – العراقية ، وبلغت المشاريع والسياسات العنصرية ذروتها في عهد حزب البعث الذي دام حوالي نصف قرن. وبعد إندلاع الثورة السورية في15آذار2011 التي انطلقت من مدينة درعا الباسلة دخل الشعب السوري مرحلة جديدة هدفها التخلص من الظلم والدكتاتورية،وسمتها تحقيق نظام ديمقراطي تعددي يتمتع في ظله جميع ابناء سوريا عرباًوكرداً وآشوريين بحقوقهم السياسية والقومية دون تمييز.
إن النظام الدكتاتوري سينهار مهما أوغل في سفك دماء السوريين ولن ينقذه أسلوبه الهمجي في التعامل مع أبناء وطنه ،وفي خضم هذه الأحداث فإن الاكراد هم اليوم كما كانو في السابق يتمسكون بوحدة سوريا أرضاً وشعباً ولن ينجروا قط إلى مشاريع تمس وحدة البلاد، وهم يناضلون دون هوادة للتخلص من القمع والدكتاتورية ومن أجل تحقيق نظام ديمقراطي تعددي يضمن حرية الاحزاب والصحافة والمنظمات الشعبية وحرية الرأي والتعبير،ويحترم حقوق الانسان وهم ويدركون تماماً بأنه لايمكن لسوريا ان تكون ديمقراطية حرة- والكرد محرومون من حقوقهم القومية. وأنتم اليوم أيها الأخوة مدعوون إلى دعم ومساندة أخوتكم الكرد في مطالبهم المشروعة . لكم أطيب التحيات والموفقية لخدمة شعبكم المقدام.
سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا
عبد الحميد درويش
عمان- 28 شباط 2013