كريستيان ماكاريان : أزمات سياسة أوباما «الانسحابية»

Share Button

ساهمت جولة باراك اوباما الاخيرة على اوروبا في إبراز منحى جديد في السياسة الاميركية: صدارة العلاقات بين ضفتي الاطلسي في مواجهة مشكلات العالم. ولا يخفى ان الأوروبيين حسِبوا obamaاثر خطابات الرئيس الاميركي «الآسيوية» و «الافريقية» ان هذا المحور الاستراتيجي الأوروبي- الأميركي أفل أو لم يعد في صدارة الأولويات الأميركية. فهذه الخطابات سلطت الضوء على «انسحاب اميركي» من أبرز أركانه سياسة «القيادة من الخلف».
وفي مثل هذه السياسة دور أوروبا ثانوي، ويبدو ان الفضل في شد لحمة الأطلسي يعود الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحملته العنيفة على اوكرانيا. فالتدخل في القرم أعاد تذكير الاوروبيين بما يميلون الى نسيانه، أي ان المبادرة الى عملية الاندماج الاوروبي في الخمسينات كانت رداً على الخطر السوفياتي. ولم يخف اوباما قلقه ازاء السياسات الدفاعية الاوروبية التقشفية.
الرئيس الاميركي لا يلتزم عقيدة أو نظرية كبيرة، بل يرفع لواء مبادئ محورية. وعلى خلاف التوجهات الاستراتيجية الاميركية الكبيرة في الماضي، يتصدر أولوياته امن الاميركيين وحماية الامن القومي الاميركي من الارهاب. وينتهج استراتيجية تدخّل تعتمد على طائرات درون (من غير طيار) وقوات خاصة ووسائل دفاع سيبرنيطيقي ومراقبة الاعداء والحلفاء. ويرمي اوباما الى طي الحروب وانتشال بلاده من شباكها. لذا، يرجِّح كفة شن عمليات «دقيقة» في مكافحة الإرهاب على كفة التدخّل العسكري الكلاسيكي.
ويحتسب أوباما الرأي العام الأميركي العازف عن تأييد تدخل مباشر في ليبيا او سورية او افريقيا. لكن السياسة الخارجية الاميركية لا تلقى التأييد. فسياسة الانسحاب أو التراجع لا تحرك مشاعر الفخر الجماعي ولا تثير حماسة. لكن القول إن ثمة انسحاباً اميركياً من العالم يفتقر الى الدقة. فتدخل اميركا في ليبيا كان حاسماً، وفي اول عشرة ايام من القصف، تولى سلاح الجو الاميركي معظم الهجمات. وربما لو شن اوباما ضربات على سورية نهاية آب (اغسطس) المنصرم (إثر هجمات غاز السارين)، لكانت موسكو تريثت قبل ضم القرم إليها. وعدم توقّع مواجهة مع بوتين قبل ازمة اوكرانيا، خطأ فادح يسلط الضوء على مكامن ضعف استراتيجية في سياسة اوباما. ولايته الأولى كانت مرحلة الانسحاب الناجح (من العراق) وقتل بن لادن، ولا يجوز ان يغلب الفراغ على ولايته الثانية فتكرّ سبحة الأزمات فيها.

نقلا عن الحياة

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 88 من جريدة التقدمي

  صدر العدد (88) من جريدة التقدمي الشهرية الصادرة عن مكتب الثقافة و الاعلام في ...