ألقت المعارك الدائرة في غربي كوردستان بين وحدات حماية الشعب الكوردية والمجموعات الإسلامية المتشددة الضوء على مستقبل الصراع الدائر في سوريا، حيث يؤكد الخبراء والمحللون السياسيون أن الكورد أدخلوا سوريا مرحلة جديدة وسيكون لهم ثقل كبير في تحديد مستقبل الصراع الإقليمي والدولي على هذا البلد الذي يشهد حرباً دموية منذ أكثر من عامين.
يشير مازن بلال المختص بالعلوم السياسية ومدير معهد سوريا الغد، أن معارك الشمال الشرقي في سوريا (غربي كوردستان)، لا يمكن التعبير عنها بتصريحات سياسية أو حتى لقاءات ما بين ما يطلق عليه “الائتلاف الوطني” وبعض التشكيلات الكردية، فهذه المنطقة التي امتلكت أقوى احتكاك حضاري عبر التاريخ، ربما ترسم اليوم ملامح لتصورات المسألة الكردية، ليس على الصعيد السوري فقط، بل أيضا على المستوى الإقليمي، لأن المسألة الكردية ومن خلال تفاصيل الأزمة ظهرت وفق القلق العام من التكوين السوري الذي يتم رسمه على إيقاع الحدث.
ويشير بلال في عدة دراسات هامة نشرها معهد سوريا الغد، أن الحديث عن تبلور “ظاهرة” في المسألة الكوردية يعني إطارا يطرح طريقة تفكير جديدة، ربما تتبلور في الصراع القائم اليوم إذا أدرك السياسيون في سوريا أن هذه المسألة وجدت نفسها وبشكل سريع ضمن صراع الحفاظ على الواقع “الجيوبولتيكي” لسوريا في مواجهة سعي دول الإقليم لجعل سوريا جغرافية مرنة لا يتم اختراقها فحسب بل بناء ثقافتها من جديد.
و يشير بلال أن إطار هذا “التفكير” يحمل عاملين أساسيين:
– الأول أن الأكراد ليسوا فقط أبناء الجغرافية السورية بل هم صُناع تاريخ فيها (صلاح الدين الأيوبي)، وعاملون في رسم استقلالية لسياستها (إبراهيم هنانو)، وأخيرا مؤثرون على التوازن الإقليمي المحيط بها (عبد الله أوجلان)، وهذه المعطيات الموجود والمعروفة سابقا دخلت خلال الأزمة في فعل تاريخي عليه استعادة التفاعل العام على المستوى السوري لرسم الرؤية القادمة أو حتى لوضع ملامح الخروج من الأزمة.
– الثاني أن النموذج القائم حاليا في الشمال الشرقي لسوريا (غربي كوردستان) يمكن أن يؤثر على التكوين الإقليمي للأكراد، فالمسألة ليست فقط صياغة إقليم كما في شمال العراق، بل الدخول في تعريف لما نفهمه من الشرق الأوسط الجديد، وذلك على خلاف الرسم الأمريكي الذي يهوى إنشاء دول مغلقة بحدودها، فالشرق الأوسط يمكن أن يظهر على تحولات جيوستراتيجية، ففهم المسألة الكوردية على ضوء الحدث السورية يمكن أن يفتح آفاقا لتشكيل محور يواجه الخلل الاستراتيجي للمنطقة منذ ظهور الكيان الإسرائيلي.
ويشير بلال إلى أن الحراك الكوردي أحدث تحولات حقيقية في شكل سوريا وفي صياغة أزمتها التي دخلت على خط مختلف يمكن أن يغير من نوعية التحالفات الداخلية السورية.
ويوضح المحلل والخبير السياسي السوري هذه التحولات بان المسألة بالنسبة للكورد تتجاوز الحفاظ على وجودهم إلى إعادة تأصيل هذا الوجود في أي مشهد قادم، فهم يتحالفون مع العديد من القوى في محيطهم، وهم أيضا يتعاملون إقليميا دون أن يدخلوا في لعبة التحالفات التي تضعها تركيا او السعودية أو حتى قطر سابقا. كما الحراك الكوردي الحالي لا ينظر إلى الدولة على أنها عدو يجب سحقه، أي أنهم أبعد ما يكون عن “الكتائب” التي ظهرت وحاولت خلق ما هو معروف بفكر تنظيم القاعدة “إدارة التوحش”، فالمعنى الأساسي هنا أن التحرك الكوردي ميز بوضوح بين التوجهات السياسية ومؤسسات الدولة.
ويضيف بلال أن المعارك التي تجري الآن بين وحدات حماية الشعب والمجموعات الإسلامية قد لا تتم وفق آلية يريدها الكورد، ولا حتى أي من سكان الجزيرة السورية، فالمسألة تحمل ملامح خطرة يمكن ان تؤثر على أي شكل لسوريا المستقبل، ورغم أن الصورة الأولى هي لقتال بين كتائب الاتحاد الديمقراطي والفصائل الإسلامية في التمرد المسلح، لكنها على المستوى الاجتماعي تخلق نزوحا وفرزا سكانيا لا يريده أحد، وفي حال عدم وجود غطاء سياسي عام يقف وراء تلك المعارك ويمنح شرعية اجتماعية لعملية طرد “الفصائل المتشددة” فإن الأمور ستسير بشكل سيؤدي إلى كسر أي تصورات لسورية المستقبل بتنوعها وقيامها على توازن حضاري مختلف.
إلا أنه يضيف أن الكورد لا يمكنهم الانسجام مع مشاريع الدولة الإسلامية، وفي المقابل لا يمكنهم التوافق أيضا مع “هياكل سياسية” يتم بناؤها في أروقة السياسة للعواصم الكبرى، فهم في النهاية يملكون قضية واقعية ومنسجمون مع وطن يحتاج لتوازن حضاري وليس لتناقضات تراثية وتاريخية.
PUKmedia