فرهاد ميرو: هل سيسحب الديكتاتور من العجينة السورية …؟!

Share Button

11
أدلى كلُّ بدلوه بشأن زيارة السيد جون كيري وزير الخارجية الأمريكية إلى موسكو منهم من توهّم كثيراً ومنهم من كان واقعياً ومنهم من راهن على الزيارة وكأن العالم سينقلب رأساً على العقب ، راقب السياسيون والمحللون الزيارة عن كثب وأخيراً خرج الدخان الأبيض وأتفق الطرفان على ضرورة طبخ حلاً سياسياً في مطبخ المؤتمر الدولي حول سوريا في أواخر الشهر الجاري بموجب إتفاقية جنيف الخاصة بسوريا أو ما يسمى بيان جنيف ، عناصره الأولية المعارضة والنظام والأطراف الدولية والأقليمية المؤثرة في الوضع السوري .

إن تمّ هذا الأتفاق – بلغة الغالب والمغلوب – فالمعارضة فشلت جزئيا لأنّها لم تستطع تحقيق أهدافها المعلنة في أدبياتها ووثائق مؤتمراتها في إسقاط النظام الديكتاتوري بكافة مرتكزاته الأمنية والسياسية والقانونية  وفشلت في تقديم رأس النظام وأعوانه الى العدالة ، وكذلك النظام فشل لأنه لم يستطع الحفاظ على كيان الدولة وإنهاء الثورة والقضاء على الارهابيين كما كان يدّعي .

في البادئ ذي البدء إنّه من غير الإخلاقي  من الناحية الإنسانية والإخلاقية  أن تتفاوض المعارضة الوطنية  مع نظامٍ منغمسٍ حتى أذنيه في دماء الأبرياء من الشعب السوري ومرتكبٍ للجرائم يندى لها  جبين الإنسانية وتقشّعر لها الأبدان من هول فظاعتها ودمويتها  ، ولكن للنظر في الوضع السوري من الناحية السياسية فإنّه يستوجب إيجاد حلٍ سريعٍ يوّقف نزيف الدم ويمنع السير في إتجاه اللادولة واللاقانون  كما كانت عليها المجتمعات البدائية في بدايات تبلّور الأجتماع الإنساني او العمران البشري  منذ ألاف السنين ، وإنّ لمثل هذا الأمر لن يكون أمراً وخيما بالنسبة إلى سوريين فحسب بل سيكون وخيما بالنسبة للمنطقة بأسرها ،  أضف إلى ذلك الوضع السوري لم يعد شأنا سوريا خاصاً  بل تعدى إلى كونه غدى وضعا دوليا ، والتجاذب واضح بين الأطراف الداعمة للنظام بكل الوسائل والأخرى مناهضة للنظام ولكن بأدوات أقل وحذر أشد، لا بل هذا التجاذب وصل إلى حد الإستقطاب الدولي  حول سوريا وبالأخص  بين الدول الدائمة العضوية والذي يذكّرنا بأجواء الحرب الباردة بعد الحرب العالمية الثانية والتي يعمل كل طرف فيه إلى  إمداد الأطراف السورية  المتصارعة بالسلاح والعتاد حتى بالمؤهلات البشرية  إلى أجل غير المسمّى ، وفي نهاية المطاف  سوف يجتمع نفس الأطراف كما إجتمعوا اليوم ليقرروا مصير السوريين بالنيابة عنهم بعد إضعاف الجميع و الذين سيضطرون القبول بالتحاور والتفاوض فيما بعد .

للوهلة الأولى ينتابنا الأسى والحزن الشديدين على الدماء الذكية التي هدرت وينبع من ذواتنا الانسانية صوتا عميقا يقول لن نقبل إلا بالحسم العسكري ، ولكن عندما نتمعن في الوضع ونتأمل فيه طويلا  سوف نصل للأسف الشديد إلى نتيجة شبيهة بما توصّل إليها الطرفان الروسي والأمريكي ،ولا سيما مع وجود إتساع  خطر القاعدة والمجموعات المتطرفة في سوريا والذي  يمثل خطراً حقيقياً لا بل مصيرياً للشعب السوري فوجود التطرف والإرهاب الديني دفع الكثير من السوريين لمراجعة الذات والوقوف طويلاً قبل أن يبدي موقفا إتجاه الثورة السورية الأبية، وإذا كان هناك من أسبابٍ جعلت الثورة السورية تصل إلى هذه النتائج وتتأخر في إسقاط النظام  فأن أحد الأسباب الرئيسية هو تلك المجموعات والكتائب التي تنادي بإنشاء دولة دينية -على خلاف من أهداف ثورة الحرية والكرامة – وإعادة سوريا إلى الظلامية والعهود الغابرة والسير في عكس التّقدم والتّمدن . والذي عمل النظام بكل ما أؤتي من القوة على إذكاء تلك المجموعات  في بدايات الثورة السورية السلمية  لإضفاء اللاشرعية على الحراك الشعبي السلمي وللأسف السديد  نجح فيها ولاسيما اقترن ذلك العمل بإستخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين السلميين مما دفع الشعب السوري مرغماً على الدخول في دائرة العنف والعنف المضاد .

إنّ الحل السياسي للقضية السورية وإن لم يلبِّ كلّ مطالب الثورة السورية إلا إنّه  ينبغي أن يضمن الحفاظ على سوريا كدولة ويضمن إزاحة ديكتاتورية الحزب الواحد والإنتقال إلى الديمقراطية والتعددية السياسية   ويبعد شبح العنف السياسي والتطرّف المذهبي  واللحى الطويلة عن ليالي السوريين المرعبة بالأصل،الى جانب تصفية الميليشيات العلوية أو ما يسمى بالشبيحة  ويضمن الحفاظ على حقوق كافة المكونات العرقية والمذهبية والدينية ، وينبغي أن  يضمن بناء جسم سياسي متوازن معتدل بعيداً عن الإنحياز ولعب على الأوراق الأقليمية والطائفية كما كان يشتغل عليه النظام الإستبدادي  ليلاً نهاراً .

لا أريد ان أرسم لوحة جميلة أو صورة وردية وإن كنا بحاجة إليها بعض الأحيان ، ولكن في النهاية نحن مجبرون على القبول بالحل السياسي وإن كنّا غير راضين عن كل النتائج  التي ستتمخض عنه ولا سيما إذا بقي المسؤول الأول عن كل هذه الجرائم  بعيداً عن يد العدالة وإذا تم سحبه من العجينة السورية كأن شيئا لم يحصل ، و بتقديري إن حصل هذا الأمرسيكون مدمراً للقيم الإنسانية ومؤسساتها وإنتهاكاّ صارخا للشرائع السماوية .

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 88 من جريدة التقدمي

  صدر العدد (88) من جريدة التقدمي الشهرية الصادرة عن مكتب الثقافة و الاعلام في ...